أساتذة وباحثون يناقشون المسار الديمقراطي في ضوء الانتخابات التشريعية بمراكش
سعيد العيدي
نظم المركز المغربي للأبحاث الاستراتيجية و دراسة السياسات، بشراكة مع مؤسسة هانس سايدل الألمانية بالمغرب وموريتانيا، ندوة وطنية حول “المسار الديمقراطي في ضوء الانتخابات التشريعية ل 7 اكتوبر 2016” بفندق أطلس أسني بمراكش. تميز هذا اللقاء العلمي بمشاركة العديد من الأساتذة والباحثين الذين يشتغلون في حقول معرفية مختلفة (العلوم السياسية، القانون العام، القانون الخاص، علم الاجتماع، المالية العامة…) وينتمون لمؤسسات جامعية مختلفة (مراكش، أكادير، الرباط، فاس، الناظور، بني ملال، وجدة، قلعة السراغنة…). و قد عرفت أشغال هذه الندوة العلمية نقاشا غنيا وبناءا بين المتدخلين والحضور الذي كان مكونا أساسا من الأساتذة والباحثين بسلك الدكتوراه و طلبة الماستر والدكتوراه. قد افتتحت اشغال الندوة بكلمة ترحيبية من طرف مدير المركز الدكتور البشير المتاقي استاذ العلوم السياسية والقانون العام بجامعة القاضي عياض بمراكش معتبرا أن موضوع الندوة يصب في اطار المسار الديمقراطي والتراكمات المؤسساتية التي عرفتها المملكة المغربية مند تسعينيات القرن الماضي ، مبرزا في الوقت ذاته إلى أن هذه الانتخابات والتي تعد الثانية في ظل التجربة الدستورية ل2011،شكلت أرضية بحثية متميزة للنقاش والتفاعل الاكاديمي ،ستعكسها محاور هذه الندوة من خلال مواضيع التعددية والتمويل ،الحملات والتواصل الانتخابي ،وطبيعة ونسبة المشاركة السياسية والانتخابية ،والنتائج المحصل عليها … كما أبرز المتحدث ذاته الحرص على مشاركة مجموعة من الباحثين والباحثات من الجامعات والجهات كذلك حتى يحصل نوع من التفاعل الجيد بين المتدخلين حسب نتائج وواقع العملية الانتخابية في أغلب دوائر الجهات من الشمال الى الجنوب. وجاءت كلمة السيد لوباه ممثل مؤسسة هانس سايدل بالمغرب وموريتانيا حيث رحب بالحضور وركز على اهمية الموضوع في هذه اللحظة السياسية . بينما، أنهى السيد ممثل اللجنة المنظمة، الدكتور محمد المجني، استاذ العلوم السياسية والقانون العام بجامعة إبن زهر بأكادير كلمته الافتتاحية بشكر الجميع على حضورهم المتميز وتحملهم عناء السفر، وعلى تحمسهم للمشاركة في أشغال هذه الندوة، في إطار نقاش عام وطني، يهدف إلى إشراك الجميع في تفسير وتحليل وتقييم ثان استحقاق تشريعي يشهده المغرب في ظل دستور 2011. اما الدكتور عبد الرحيم خالص باسم اللجنة المنظمة مبرزا راهنية الموضوع ،والتي تدخل في إطار اهتمامات المركز الذي سبق أن أطر ندوة سابقة حول موضوع الانتخابات الجماعية السابقة.
وتركزت أهم خلاصات الندوة في: – التأكيد على الترابط و التلازم بين الديمقراطية و الاحزاب السياسية. فلبناء ديمقراطية حقيقية ينبغي توفر تعددية سياسية التي تحتاج بدورها لوجود أحزاب قوية و مستقلة.
– لكي تتمكن الأحزاب السياسية من أداء وظائفها وادوارها الدستورية، المتمثلة أساسا في تكوين وتأطير المواطنين وتطوير وعيهم السياسي وفي تدبير الشأن العام، لا بد من تمكينها من الموارد المالية و المادية الضرورية التي ستضمن لها الاستقلالية.
– ضرورة مراجعة المعايير والشروط التي تؤطر الدعم المالي الذي يقدم للأحزاب السياسية في المغرب. فهذا الأخير يجب أن يكون على أساس فعالية وأهمية الأنشطة التي تقوم بها الأحزاب على مستوى تكوين المواطنين وتأطيرهم و ليس على قاعدة النتائج المحصل عليها في الانتخابات. بالإضافة لذلك ينبغي إعادة النظر في التمويل الخاص للأحزاب لأنه يشجع على تحكم أصحاب الأموال في التنظيمات الحزبية وجعلها أداة لتحقيق المصالح الخاصة. فضلا عن ذلك، يجب العمل على تخصيص الدعم المالي للمستقلين كذلك على غرار ما هو معمول به في التجارب المقارنة.
– تعثر الانتقال الديمقراطي في مرحلة ما قبل 2011 يعود أساسا إلى عدم توافق الأطراف السياسية حول قواعد اللعبة السياسية، ضعف المعارضة السياسية و إلى ضعف التحالفات الحزبية، دون أن ننسى كذلك أن الفاعلين السياسيين أنداك حاولوا القيام بإصلاحات سياسية في إطار دستوري لا يمنح الصلاحيات الكافية لمؤسستي الحكومة و البرلمان.
– يعتبر إقصاء المثقف وإبعاده عن العملية الانتخابية من العوامل المفسرة لضعف أداء المؤسسة التشريعية ومحدودية دورها في المغرب. فجل الأحزاب السياسية تفضل منح التزكيات للأعيان ولذوي النفوذ كما أن الناخب يصوت غالبا للمرشحين أصحاب النفود بحثا عن مكاسب مادية آنية. و بالتالي تتمكن النخبة الاقتصادية المستندة على الرأسمال المادي من الهيمنة على البرلمان في مقابل تحجيم دور و مكانة النخبة الثقافية الممتلكة للرأسمال الثقافي.
– إن التنافس الانتخابي، الذي يمثل قاعدة أساسية لضمان اجراء انتخابات حرة و نزيهة، يحتاج لفضاء سياسي مفتوح و لتعددية سياسية حقيقية. إن تبني دستور 2011 و تمكن حزب سياسي من تصدر الانتخابات التشريعية للمرة الثانية و تعثر تشكيل الحكومة يثبت أن النظام السياسي المغرب يعرف تحولات عميقة في اتجاه تكريس التنافس الانتخابي كممارسة سياسية في الحقل الحزبي.
– من الشروط اللازم توفرها لتنظيم انتخابات نزيهة وجود ادارة انتخابية تشرف على كل الانشطة المتعلقة بالعملية الانتخابية. و تنقسم هذه الإدارة الانتخابية، كما هي متعارف عليها دوليا، إلى ثلاثة أشكال: الادارة الانتخابية المستقلة (هيئة مستقلة تحظى بالاستقلال المالي و الاداري للإشراف على العملية الانتخابية)، الإدارة الانتخابية الحكومية ( هيئة حكومية تسند لها مهمة الإشراف على الانتخابات) و الإدارة المزدوجة (تجمع بين خصائص النموذجين السابقين).
– تنص العديد من الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان على أهمية المشاركة السياسية للمرأة و تشير إلى أليات وأدوات مختلفة لتحسين مستوى هذه المشاركة. بالرغم من أن المغرب صادق على هذه الاتفاقيات وأبان عن رغبته في تفعيل مقتضياتها، فإن المشاركة السياسية في المغرب مازالت هناك العديد من العراقيل التي تحد منها. يتعلق الأمر أساسا بطبيعة الثقافة المجتمعية السائدة التي تهيمن عليها الذكورية و النظرة الدونية للمرأة.
– إن المجتمع المدني أصبح يلعب دورا مركزيا في عملية الانتقال الديمقراطي التي يعرفها المغرب. فهو يلعب دور الوسيط بين الحكومة والأفراد كما يعمل على نشر الوعي في صفوف المواطنين. من جهة أخرى، يساهم في السهر على ضمان نزاهة و شفافية الانتخابات من خلال التنبيه إلى الاختلالات التي قد تشوب العملية الانتخابية. فبالنسبة لانتخابات 7 اكتوبر 2016 مثلا أشارت تقارير جمعيات المجتمع المدني لبعض الممارسات غير السليمة لبعض المرشحين كاستغلال مشاريع عمومية في الدعاية الانتخابية، استغلال الرموز الدينية، بدء الحملة الانتخابية قبل آوانها…
– يعاني المجتمع المدني في المغرب من بعض الصعوبات التي مازالت تؤثر على فعالية العمل الذي يقوم به. يتعلق الأمر بالخصوص بقلة موارده المالية، ضعف حماية القضاء للأنشطة التي يقوم بها، التبعية للتنظيمات السياسية..
– بالرغم من أن المغرب منع نظام الحزب الواحد منذ دستور 1962، فالمشهد الحزبي مازال يعاني من اختلالات كثيرة: غياب برامج سياسية جادة، عدم تجديد النخب السياسية، غياب الديمقراطية، كثرة الانشقاقات، تهميش الشباب و النساء…بالتالي فضعف الأحزاب السياسية يشكل أحد معيقات الانتقال الديمقراطي في المغرب.
– مع دستور 2011 و مع تنظيم استحقاقين تشريعيين سنتي 2011 و2016، يلاحظ أن المشهد السياسي المغربي يعرف بداية بزوغ نوع من التكتلات السياسية التي قد تتحول مستقبلا إلى شكل من القطبية الحزبية. هذه الأخيرة ستكون عاملا مساعدا على ترسيخ و تقوية مسلسل الإصلاحات السياسية التي يشهدها المغرب.