أسهل وأسرع تعريف بالإحسان في الإسلام
الإحسان في الإسلام
بقلم الشيخ أبي الحسن هشام المحجوبي والأستاذ فضل الله كْسِكْس
فسر رسولنا (صلى الله عليه وسلم) الإحسان بقوله: “أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك”[1]. أي أن تستحضر مراقبة الله لك أثناء عبادتك له فتؤديها على أحسن وجه وكأن الله تعالى سيحاسبك في العاجل عليها. إن الإنسان وإن لم يكن يرى الله لضعفه وعجزه، فإن الله تعالى معه أينما كان، يراه بعين قدرته وكمال علمه. لقد دلّ القرآنُ الكريم على هذه الحقيقة في مواضِعَ مختلفة كقوله تعالى: ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾[2]، وقوله: ﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾[3].
لقد ربط رسول (صلى الله عليه وسلم) الإحسان بعبادة الله لما لها من مكانة عظيمة في دين الله بحيث تعتبر أسمى غاية خُلِق الإنسان من أجلها؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ﴾[4]. وبما أن العبادة هي بهذه الأهمية فإن إعطاءها حقها اللازم من الإحسان والإجادة يعد شرطا أساسياً لقبولها وتحصيل الأجر الأوفر عليها.
يقول الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وإيتاء ذي القربى ﴾[5]، ويقول أيضاً: ﴿ وَأَحْسِنُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾[6]. إن الله تعالى اشترط للقيام بواجب عبادته، أن يكون العبد ذا همة عالية وأداء حسن.
لا تكون العبادة عبادة حقة حتى يتقلب صاحبها بين حب الله والخوف منه، بين رجاء رحمته وخشية عذابه؛ فالرجاء الذي لا يرافقه خشية قد يقود إلى طول الأمل والتجرؤ على الله بالمعصية. أما الخشية التي لا يرافقها رجاء فإنها قد تؤدي إلى القنوط واليأس اللذينِ يسقطان في الكفر؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾[7].
والإحسان نوعان:
نوع في عبادة الله، ونوع في القيام بحقوق خلقه.
أما النوع الأول فيتحقق في عبادة الله خوفاً منه وهرباً إليه، ولا يتأتى ذلك إلاَّ باجتناب ما نهى الله عنه والإقبال على طاعته؛ قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ ﴾[8] وقد كان عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) من أكثر الصحابة خشية لله، فقد كان تحت عينيه خطان أسودان من كثرة بكائه خشية من الله ورجاءً لرحمته، وثبت أن ميمون بن مهران أتى الحسن البصري فقال له: ذكِّرنا بالله فقرأ عليه الحسن قوله تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جَاءَهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ﴾[9] فأغمي على ميمون من خشية الله.
كما أن للإحسان في عبادة الله منزلة سامية تكمن في عبادة الشوق والطلب. وهي تتحقق حينما يصير الإنسان مشتاقاً إلى عبادة ربه حريصاً على أدائها لما يحصل له فيها من لذة بمناجاة الله والأنس به. قال النبي (صلى الله عليه وسلم): “سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله“[10] ومن بينهم: “رجل قلبه معلق بالمساجد”، أي رجل دائمُ الشوق إلى المساجد لإقامة الصلاة والتعبد فيها. لقد ضرب لنا صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أروع الأمثلة في طلب العبادة والحرص على إحسانها، فكان أنس بن مالك رضي الله عنه من شدة حرصه على إحسان صلاته يعدُّ أشبه الناس صلاة برسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وكان عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما من فرط طول صلاته وإحسانه لأدائها كغصن الشجرة الهامد تقف عليه الطير، وكان أبو موسى الأشعري (رضي الله عنه) يجيد تلاوة القرآن حق الإجادة حتى قال له الرسول (صلى الله عليه وسلم) ذات مرة: “لقد أوتيت مزماراً من مزامير داود”[11].
وأما الإحسان في القيام بحقوق الخلق فيتحقق في بر الوالدين، وصلة الرحم، وإكرام الضيف، ومساعدة الفقير وفي غير ذلك مما يلزم مراعاته من حقوق المخلوقات. لقد أخبر نبينا (صلى الله عليه وسلم) أن الله سبحانه وتعالى “كتب الإحسان على كل شيء”[12] أي أنه أوجب الإحسان في كل شيء. لذلك دعانا الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى مراعاته حتى في ذبح البهائم فقال “فإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبحة.”
فمن أراد أن يسموَ بنفسه ويبلغ منزلة الإحسان فعليه أن يتحرى الأسباب التالية:
أولها: صدق النية في طلب الحق. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى” وقال أيضاً: “إن تَصْدُقِ الله يَصْدُقْك”.
ثانيها: طلب العلم والاطلاع على سير الأنبياء والصالحين، لأن بطلب العلم يتعرف الإنسان على ما يحب الله فيفعله وعلى ما يمقت الله فيجتنبه، وعلى سير المحسنين فيقتدي بهم.
ثالثها: الإكثار من دعاء الله تعالى أن يجعلك من المحسنين؛ قال سبحانه:
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186]
رابعها: مصاحبة المحسنين. فالصحبة لها من التأثير على دين المرء وخلقه ما جعل النبي (صلى الله عليه وسلم) عليه ينبه إلى دورها في حياة المسلم واستقامته. قال (صلى الله عليه وسلم): “المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل.”
إن من التزم الإحسان أحبه الله تعالى ووعده بالجنة والنظر إلى وجهه الكريم؛ حيث قال سبحانه:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [13]وقال أيضا: ﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾[14]. وتعني هنا “الحسنى” الجنة. أما “الزِّيادةِ” فتعني النّظر إلى وجهِ الله الكريم في الآخرة.
إن لإحسان العبادة مراتب عُلَى تعرف عليها سلفنا الصالح فتبوؤوا لأنفسهم منها منزلاً ودلوا الخلَف على ما يوصل إليها. فها هو ذا إبراهيم بن أدهم يقول: “أعلى الدَّرجات أنْ تنقطعَ إلى ربِّك، وتستأنِسَ إليه بقلبِك، وعقلك، وجميع جوارحك حتى لا ترجُو إلاَّ ربَّك، ولا تخاف إلاَّ ذنبكَ، وترسخ محبته في قلبك حتى لا تُؤْثِرَ عليها شيئاً، فإذا كنت كذلك لم تُبالِ في بَرٍّ كنت، أو في بحرٍ، أو في سَهْلٍ، أو في جبلٍ، وكان شوقُك إلى لقاء الحبيب شوقَ الظمآن إلى الماء البارد، وشوقَ الجائعِ إلى الطَّعام الطيب، ويكونُ ذكر الله عندكَ أحلى مِنَ العسل، وأحلى من المَاء العذبِ الصَّافي عند العطشان في اليوم الصَّائف”.
[1] أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب معرفة الإيمان، والإسلام، والقدر وعلامة الساعة. حديث رقم:1.
[2] سورة الحديد – سورة 57 – آية.4.
[3] سورة ق – سورة 50 – آية.16.
[4] سورة الذاريات – سورة 51 – آية.56.
[5] سورة النحل – سورة 16 – آية..90.
[6] سورة البقرة – سورة 2 – آية.195.
[7] سورة يوسف – سورة 12 – آية.87.
[8] سورة الرعد – سورة 13 – آية.21.
[9] سورة الشعراء – سورة 26 – آية 205.
[10] متفق عليه، أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب مَنْ جَلَسَ فِي المَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ وَفَضْلِ المَسَاجِد، رقم:660، أخرجه مسلم في الزكاة باب فضل إخفاء الصدقة رقم 1031.
[11] متفق عليه، أخرجه البخاري في فضائل القرآن، باب حسن الصوت بالقراءة للقرآن، رقم:5048، ومسلم صلاة .المسافرين وقصرها، باب تحسين الصوت بالقرآن، رقم:793.
[12] أخرجه الإمام مسلم في كِتَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ وَمَا يُؤْكَلُ مِنَ الْحَيَوَان، عن شداد بن أوس، رقم:57-(1955) ِ.
[13] سورة البقرة – سورة 2 – آية.195.
[14] وقد ثبت في “صحيح مسلم” عنِ النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم – تفسيرُ “الحسنى” بالجنة و”الزِّيادةِ” بالنّظرِ إلى وجهِ الله عز وجل.