أمن مراكش يفتح تحقيقا حول استمرار نزيف المال العام بسوق الجملة للخضر والفواكه
الكاتب:
إسماعيل حريملة
فتحت المصالح الأمنية بمراكش كوة للإطلال على بعض مظاهر الاستنزاف التي تنخر المداخيل المالية لسوق الجملة للخضر والفواكه، وتؤشر على استمرار مظاهر الارتجال التي تؤثر سلبا على حجم هذه المداخيل.
تحقيقات الأمن تجاهد لتلمس الخيوط المحيطة بقضية ضبط شحنة “بيكوب” تم تمريرها داخل فضاءات السوق خارج تغطية أداء الرسوم المستحقة، حيث تم بحر الأسبوع المنصرم، استدعاء الموظف المشتبه في تورطه والاستماع إلى إفاداته في محاضر رسمية، في انتظار الاستماع لبعض المعنيين الآخرين، وضمنهم قائد ومدير السوق.
وإذا كانت الواقعة قد أكدت على مدى تغلغل الفساد ومظاهر هدر المال العام بهذا المرفق، فإنها بالمقابل وضعت تجربة التسيير الجديدة على المحك، وبينت حجم التحدي الذي تواجهه حال الرغبة في تفعيل الوعود المرفوعة زمن الحملة الانتخابية.
فمع انطلاقة مرحلة تسيير الشأن المحلي لمراكش الجديدة التي يقودها حزب العدالة والتنمية، بدأت رياح الاختلالات والتجاوزات السابقة تطل بأعناقها من ردهات بعض المرافق والمصالح البلدية، في تحد صارخ لشعارات “التخليق” و”قطع دابر الفساد” التي تم اعتمادها زمن الحملة الانتخابية.
التحدي هذه المرة، جاء متزامنا مع إقدام وزير الداخلية على مراسلة والي جهة مراكش، حين أحال عليه شكاية تدق ناقوس الخطر وتنبه إلى وجود اختلالات وتجاوزات تطال المداخيل المالية للسوق، وتنبه إلى استمرار نزيف المال العام بهذا المرفق.
والي الجهة الذي لم يتردد في إلقاء كرة المراسلة في مرمى عمدة المدينة الذي قذفها بدوره في شباك نائبه وزميله الحزبي المفوض له تسيير وتدبير شؤون السوق.
ما كاد خبر المراسلات المذكورة يتردد على الأسماع، حتى جاء الرد سريعا من اللوبيات المسيطرة على دواليب السوق، حين قادت الصدفة إلى ضبط شحنة من السلع وقد تم تمريرها دون استخلاص واجبات الرسوم المستحقة، ما يدخلها دائرة الاختلال والاختلاس.
عمت حالة استتفار فضاء المرفق، وتم الاستنجاد بالمصالح الأمنية التي حلت لمواكبة القضية بالمتعين من الإجراءات. وكان حينها الموظف المسؤول عن الميزان قد أخلى الساحة وترك موقعه فارغا، في خطوة طرحت أكثر من علامة استفهام، ووحدها التحقيقات الأمنية من شأنها كشف كل ما خفي من غموض هذه الواقعة.
تأتي كل الأحداث في ظل استمرار متابعة 24 متهما ضمنهم موظفون ووكلاء ونائب العمدة السابق حميد الشهواني الذي كان يشرف على تدبير شؤون السوق، بعد أن انتهى قاضي التحقيق المكلف بجرائم الأموال من إنهاء تحقيقاته وأحال الملف على الوكيل العام، في أفق إحالة المتهمين على غرفة الجنايات بتهم ثقيلة من عيار “اختلاس أموال موضوعة تحت تصرف موظف عمومي بمقتضى وظيفته، تزوير أوراق رسمية، إخفاء وثائق من شأنها تسهيل البحث في جنايات، والغدر”.
وكانت مصالح الشرطة القضائية قد أحالت زمن تجربة التسيير السابقة تقريرا من مئات الصفحات على الوكيل العام باستئنافية مراكش، تضمن بعض أوجه الاختلاسات والاختلالات التي ما انفكت تتعرض لها مالية سوق الجملة للخضر والفواكه، على يد بعض من أوكل إليه أمر السهر على تدبير شؤون هذا الصرح الاقتصادي.
عدم استخلاص واجبات دخول الشاحنات والعربات المحملة بالخضر والفواكه إلى السوق، خلافا لمنصوصات القرار الجبائي، تزوير فاضح يعتمد تغيير الوزن الإجمالي المسجل في أوراق الوزن، التشطيب على الوزن الحقيقي بواسطة حبر أسود، عدم وجود ورقات الكشف الأساسي لبعض الفواتير ما يؤكد اختلاس واجبات الرسوم الجبائية على حمولة بعض الشاحنات التي تلج السوق، عدم تعبئة دفتر الكشوفات الأساسية بالرغم من وجود أوراق الوزن عليها وكذا البطائق الرمادية للشاحنات ومرور الوقت الكافي على دخولها لإجراء عملية المراقبة وتحرير الكشوفات، تدوين بيانات غير صحيحة على بعض أوراق كشف الفواتير، وكذا محاولة تغيير معالم الاختلاس عبر تعبئة كشوفات أساسية تحمل تواريخ لاحقة عن التواريخ المحددة بورقة الميزان والرقم التسلسلي لها.. ذلك بعض غيض من فيض الاختلاسات والاختلالات التي وقف عليها التحقيق، وعجز المتورطين عن تقديم تبريرات وتفسيرات لها.
تستمر إذن نفس الكتيبة في تدبير شؤون السوق والإشراف على مداخيله المالية، ويستمر معها نزيف المال العام وتغيير مساراته من صناديق الجماعة اتجاه حسابات وأرصدة خاصة، فيما المسؤولون المنتخبون الجدد يتابعون الوضع من موقع الحيرة والارتباك، دون أن يملكوا لأنفسهم قدرة على تغيير الوضع بشكل جذري.
إسماعيل احريملة- الأحداث