إبراهيم الفتاحي يكتب : سياسيو مراكش ومصير الجدي
الكاتب:
إبراهيم الفتاحي
يحكى أن جديا معروفا بنزقه، وكثرة حركته، شعر بحكة شديدة في دبره، وعلى خلاف عادة الماعز في حك أدبارها مع جذوع الشجر أو الجدران، أو حتى الأرض، عمد إلى حك دبره بقرنه الطويلة الحادة فمزقه، فصار مثلا يضرب فيمن يبالغ في “الفهامة”، ولربما هذا ما يحدث للسياسيين المراكشيين، حيث جاءتهم “المنزلة” السياسية هذه الأيام، وللإشارة فهي “منزلة” ليست سنوية أو نصف سنوية كما هو معروف لدى الأنعام، وإنما ترتبط بالانتخابات، بمعنى أنها قد تغيب خمس سنوات كاملة، لتظهر عندهم على شكل حكة دبرية، لذلك يتبرمون ذات اليمين وذات الشمال بحثا عن محك مناسب لمؤخراتهم المتآكلة بفعل “منزلة” الإنتخابات الجماعية المعروفة بشدتها وقوة قضم جراثيمها. إن هذه “المنزلة” اللعينة المرتبطة بفصل الإنتخابات تجعل السياسيين في حال غريب، فيكون ديدنهم صعود درج مقرات أحزابهم ونزولها كل يوم مرات عديدة، وهم الذين هجروا هذه المقرات لسنوات طويلة، ولم يكونوا يقربونها إلا لماما لتفقد فواتير الماء والكهرباء، أو من أجل لقاء صغير لا يسمن ولا يغني من جوع، لكنهم هذه الأيام “جهلوا” كثيرا في “الهايلالة” و ملإ المقرات، وهم يخاطبون بعضهم بعضا كخصوم سياسيين، ثم يخاطبون السلطات مستعرضين عضلاتهم الجماهيرية، ومبرزين لشعبيتهم، ولكنها تبقى مجرد فقاعات سرعان ما تندثر، ويتناسون أن “سماسريتهم” ليس لهم إل ولا ذمة، وأنهم يقومون “بتراكت” لمن يدفع أكثر، وأنهم يندفعون في اتجاه هذا فقط لكي يغيظوا ذاك، فيرفع الثمن والعطاء و “يقمح” الوعود، وبذلك يربحون جيدا، لأنهم حرايفية المواسم الإنتخابية. إن مشكلة السياسيين هو عدم قدرتهم على قراءة الواقع، واستخلاص العبر، وإصرارهم على المنهج القديم، وعلى الأسلوب المتجاوز، وتعاملهم مع العمل السياسي بمنطق “شارجي الكار!..زيد رول!!”. واخوفاه على هؤلاء أن يعيدوا حكاية الجدي النزق، وألا يستفيدوا من مأساتهم، فيمزقون مؤخراتهم وهم يسعون إلى حكها، لأن الأوضاع تغيرت وأن الزمان دار دورته، وتغير المنطق تغييرا، وتبدل الوضع تبديلا، والعوارض كثرت، فصار العمل الحزبي مطلبا دائما، وجهدا مستمرا، وليس موسميا، وأن قانون الأحزاب يفرض الديمقراطية الداخلية واحترام التمثيليات، وأن أسلوب التجييش لم تعد له جدوى، لأنه يؤدي إلى “تشراك” المؤخرات، التي لم تعد تتسع لقرون التغيير وحدة التحولات الإجتماعية والسياسية التي عرفها المغرب..أقول لكم وصدقوني أن جديان العمل السياسي لن يعودوا، سواء أكلتهم مؤخراتهم أم لا، وسواء حكوها مع جذوع الشجر أم بقرونهم، وسواء كانت قرونهم حادة أم لا…وكل مقال ومؤخرات السياسيين المراكشين هادئة لا حكة فيها.