إحداث جامعة بالصحراء” محور منتديات الحوار الاستراتيجي حول الصحراء لهذه السنة
انطلقت، بمدينة العيون فعاليات النسخة الثانية من برنامج “منتديات الحوار الاستراتيجي حول الصحراء” المنظم من طرف مركز التفكير الاستراتيجي والدفاع عن الديمقراطية.
برنامج المنتديات الذي سيستمر طيلة الشهر الفضيل، الذي اختير له كعنوان هذه السنة “إحداث جامعة بمدينة العيون.. الفرص والعوائق”، سيناقش ما يتعلق بالفرص والقيود التي تعترض إحداث الجامعة بالصحراء, كما سيتطرق الى واقع غياب الجامعة في الصحراء وتأثيراته على المسار التنموي: تنويريا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، بالإضافة الى التأثيرات التي من الممكن أن يحدثها إنشاء جامعة بالصحراء إن كان على مستوى التنوير ونشر الوعي، وأدوارها في التنمية الاقتصادية وكذا تأثيراتها المجتمعية والثقافية، كما سيشهد برنامج “منتديات الحوار الاستراتيجي حول الصحراء” بحسب المنظمين، إطلاق حملة ترافعية يشارك فيها جميع الفاعلين المحليين بغرض برمجة إنشاء الجامعة بمدينة عيون الساقية الحمراء ضمن قانون مالية 2019 في أفق إطلاقها في سنة 2020.
وعن أسباب اختيار موضوع النسخة الثانية من برنامج “منتديات الحوار الاستراتيجي حول الصحراء”، أوضح الدكتور مولاي بوبكر حمداني رئيس مركز التفكير الاستراتيجي والدفاع عن الديمقراطية، في كلمته الافتتاحية لبرنامج المنتديات، أوضح الادوار الطلائعية التي تلعبها مؤسسة الجامعة في العالم المعاصر وما تنجزه من دراسات وابحاث علمية، مستشهدا في هذا الخصوص بما تخصصه البلدان المتقدمة من ميزانيات ضخمة للبحث العلمي، فـ”التقدم الحضاري والنمو الاقتصادي ينبني بالأساس على تثمين الابحاث العلمية وتسخيرها لخدمة التنمية بشكل عام” يوضح الدكتور حمداني.
من جهتها مسيرة المنتدى الاستاذة منتهى المسافر تطرقت في كلمتها التمهيدية الى “المؤهلات التي باتت تتوفر عليها الصحراء اليوم، من شبكة حضرية مؤهلة، ودينامية سكانية كثيفة، ومؤسسات عمومية خدماتية حديثة”، مضيفة أنه “وفي الوقت نفسه فالمنطقة بصدد مشاريع كبرى مهيكلة تمت برمجتها ضمن “النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية” كالطريق السريع المزدوج، وغيره من المشاريع في قطاعات الفلاحة والثقافة والسياحة، والصيد البحري، وكذا ما يتعلق بمواضيع النهوض بالثقافة الحسانية والخدمات الصحية والتعليم والتكنولوجيا المتطورة والبنيات التحتية، وهي كلها مؤشرات نحو آفاق جديدة علمية وتنموية، مما يطرح بشدة أهمية إحداث جامعة بالصحراء باعتبارها آلية محورية لإعداد الكادر البشري المؤهل لمواكبة هذا المسار” توضح الاستاذة منتهى.
المنتدى الأول المبرمج ضمن برنامج منتديات هذه السنة، الذي تناول موضوع “إحداث الجامعة بالصحراء وإسهامها في التنوير ونشر الوعي”، أطره كل من الدكتور مولاي بوبكر حمداني و الدكتور الراجي محمد، وسيرته الاستاذة منتهى المسافر، شهد حضورا نوعيا ضم العديد من الباحثين والنشطاء والمهتمين كما شهد نقاشا مستفيضا تناول مختلف الجوانب المتعلقة بالموضوع، شكلت الورقتان المقدمتان من طرف مؤطري المنتدى الدكتور حمداني والدكتور الراجي أرضية له.
الدكتور محمد الراجي عضو المجلس الاداري للمركز تناول في مداخلته موضوع الجامعة باعتبارها مؤسسة تربوية وعلمية تعتبر من أهم المؤسسات الاجتماعية في المجتمع الحديث والمعاصر، مشيرا الى الادوار التربوية والعلمية التي يمكن أن تلعبها داخل المجتمع كأداة لتكوين وتأهيل الناشئة ورأسمال بشري، ان كان على المستوى العلمي، المهني، الفكري السياسي، أوحتى الاجتماعي، “الشيء الذي يجعل منها مزودا لمختلف القطاعات الإنتاجية والمجالات المتعددة في المجتمع بما تحتاجه من قوى بشرية مؤهلة للإسهام في مشاريع التنمية الاجتماعية الشاملة” يوضح الدكتور الراجي مضيفا “أن غيابها بمفهوم المخالفة يمكن أن يشكل عامل من العوامل المؤثرة سلبا في هذه التنمية، لأجل ذلك يثار التساؤل حول المعايير التي تحدث على أساسها هذه المؤسسات في مدن وتغيب في مدن أخرى؟” يتساءل الدكتور الراجي.
الدكتور الراجي أوضح في مداخلته “أن الصحراء بجميع جهاتها باعتبارها مجال الدراسة والحوار الاستراتيجي تغيب فيها مؤسسة الجامعة، وحتى إن وجدت فهي نواتيه عبارة عن كليات تابعة كما هو الحال بالنسبة لكلية الشريعة بالسمارة والمراكز الجامعي بكليميم التابعين لجامعة بن زهر بأكادير ، أو المدرسة العليا لتكنولوجيا بالعيون التي تضم مسلكين للإجازة المهنية و التابعة كذلك لجامعة بن زهر بأكادير، وانطلاقا من هذا الواقع”، يضيف الدكتور الراجي، “فقد أمست موضوعا للكثير من الطروحات والدراسات المختلفة في أطرها المرجعية وإحالاتها التخصصية، وذلك من أجل مقاربة وفهم هذه المؤسسة أولا وتبيان ضرورة أحداثها في الصحراء والمرتكزات الأساسية لترافع عنها خصوصا في غياب اي ارادة مستقبلية لأنشائها”، يوضح الدكتور الراجي، قبل أن يتساءل حول “المرتكزات والمقومات التي يمكن الاعتماد عليها من أجل الترافع عن هذا المطلب؟”.
وفي معرض رده على التساؤلات المثارة في مداخلته سيقدم الدكتور الراجي مدخلا قانونيا حول موضوع احداث الجامعة، حيث سيتطرق الى مجموعة من الاعلانات و العهود والمواثيق الدولية، وكذا بعض بنود الدستور المغربي، بالإضافة الى مجموعة من النصوص القانونية والتنظيمية، قبل ان ينتقل الى سرد مجموعة من المرتكزات التي يمكن الاعتماد عليها للترافع حول موضوع إحداث الجامعة، من قبيل التطور الحاصل في الصحراء سواء على البنية التحتية من مؤسسات التعليم الثانوي والابتدائي، إضافة إلى التطور الحاصل في الموارد البشرية، قبل أن يستشهد ببعض الاحصائيات المتعلقة بنسب وأعداد المتحصلين على شهادة الباكلوريا بالجهات الثلاث، وكذا تعداد الساكنة طبقا لنتائج إحصاء السكان المنجز في سنة 2014 حيث تقدر ساكنة جهة كليميم وادنون 433,755 الف نسمة أما جهة لعيون بجدور فقد بلغ العدد 367,758 بينما وصلت تعداد الساكنة في جهة الداخلة وادي الذهب 142,955، يوضح الدكتور الراجي، وبخصوص مساحة الجهات الثلاث فهي تعادل ما نسبته 52 في المئة من مساحة البلاد، كما تتوفر على وعاء عقاري مهم يمكن من خلاله إنشاء مدينة، يضيف الدكتور الراجي.
الدكتور الراجي سيثير مجموعة من التجارب الجامعية الوطنية التي سيقارن ظروفها مع ما تتوفر عليه مدينة العيون من إمكانيات، حيث سيتطرق الى تجربتي جامعة الحسن الأول مدينة سطات، وجامعة شعيب الدكالي مدينة الجديدة، ليعرض في نهاية مداخلته مجموعة من الاحصائيات المتعلقة بتجارب أنوية الجامعات المنشئة في مدن الجهة، مثيرا على الخصوص أرقام المسجلين في مختلف المؤسسات وكذا أعداد الجنسين، ونسب وأعداد المتخرجين.
من جهته الدكتور مولاي بوبكر حمداني رئيس المركز، سيثير في بداية مداخلته مجموعة من التساؤلات المتعلقة بموضوع المنتدى، قبل أن يتطرق الى الادوار الطلائعية التي من الممكن أن تضطلع بها مؤسسة الجامعة، من قبيل كونها آلية لإنتاج القيم الفكرية والمجتمعية وتجذيرها سياسياً واقتصادياً واجتماعيا، ودورها في إعداد القيادات السياسية، وقادة المجتمع المدني وكذا زعماء الأحزاب السياسية وجماعات الضغط والمصالح وأطر الشركات، بالإضافة الى تأهيل الموارد والكوادر البشرية المؤهلة.
فمؤسسة الجامعة تكتسي بحسب الدكتور حمداني أهمية بالغة في مواجهة التحديات الدولية المعاصرة، والتي أشار الى بعضها، كالأزمات الاقتصادية والتخبط السياسي، والانهيارات الاخلاقية والقانونية، وكذا غياب النزاهة والشفافية وشيوع الفساد وهدر المال العام، بالإضافة الى تراجع مقولات الحكامة الحكم الرشيد، وغياب التوزيع العادل للموار والثروة والمصادر الموجودة، وتفاقم المعضلات الاجتماعية من فقر وهشاشة وبطالة مقنعة.
“كيف للجامعة أن تساهم في التنوير ونشر الوعي؟، وكيف كيف تساهم في إحداث التغيير الايجابي داخل القنوات والمسارات المجتمعية المختلفة؟، وعلى ماذا تستند؟”، يتساءل الدكتور الحمداني.
يجيب الدكتور حمداني على التساؤلات المثارة في مداخلته بكون “مؤسسة الجامعة تعمل على إنتاج المعرفة لخدمة المجتمع والإنسانية، كما تفتح آفاق التطور والإثراء الفكري والتواصل الحضاري الواسع بين الشعوب، وبالإضافة الى كونها تخدم قضايا الحرية والتحرر وإشاعة القيم الديمقراطية وحقوق الانسان، فإنها تعزز منظومة العدالة بمختلف تجلياتها وتوزيعاتها، وتفتح مساحات واسعة أمام الأفراد والجماعات للوصول إلى المصادر والوظائف والتفكير الحر، ومحاربة الفساد بألوانه وأنواعه”، يوضح الدكتور حمداني.
أما بخصوص المستندات القانونية التي يمكن أن ينبني عليها مطلب إحداث الجامعة فيجملها الدكتور حمداني في مداخلته في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي ينص على “أنه لكل شخص الحق في التعلم، وأن ييسر القبول للتعليم العالي على قدم المساواة التامة للجميع وعلى أساس الكفاءة”، بالإضافة الى العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الذي يؤكد على “حق كل فرد في التربية والتعليم”، وينص على “ضرورة جعل التعليم العالي متاحا للجميع على قدم المساواة، تبعا للكفاءة، بكافة الوسائل المناسبة ولا سيما بالأخذ تدريجيا بمجانية التعليم”، كما سيتطرق الدكتور حمداني الى مجموعة من مواد الدستور المغربي، ذات العلاقة بموضوع المداخلة, خاصة الفصل 31 الذي يشير الى “مسئولية الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنين والمواطنات، على قدم المساواة، من الحق في الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة”، قبل أن يستشهد بالقانون المتعلق بتنظيم التعليم العالي والظهير، والذي ينص على أن التعليم العالي “يفتح في وجه جميع المواطنين المتوفرين على الشروط المطلوبة على أساس تكافؤ الفرص” يضيف الدكتور حمداني.
من جانبه حضور المنتدى الأول ضمن برنامج “منتديات الحوار الاستراتيجي” المتنوع الذي ضم العديد من الوجوه الاكاديمية المحلية المعرفة والنشطاء المحليين، أثار العديد من الملاحظات والاضافات المتعلقة بموضوع المنتدى، حيث طرح المشاركون مجموعة من التوصيات التي أكدت في مجملها على ضرورة إحداث الجامعة وعلى أحقية الجهات الجنوبية الثلاث على احتضانها، وتركز النقاش على أسباب عدم أنجاز مؤسسة جامعية مستقلة في الجاهات الجنوبية الثلاث وكذا تم استعراض بعض محاولات سابقة لإطلاق مبادرات مطالبة بإنشاءها، كما قدمت مجموعة من الملاحظات والانتقادات المتعلقة بتجارب الأنوية الجامعية العاملة في الجهات الجنوبية.
والى جانب منتدى “إحداث الجامعة بالصحراء وإسهامها في التنوير ونشر الوعي”، الذي انعقد ليلة البارحة، فسيشهد برنامج “منتديات الحوار الاستراتيجي” لهذه السنة انعقاد منتدى حول موضوع “إحداث الجامعة ودورها في التنمية الاقتصادية، يوم الجمعة 25 ماي، بالإضافة الى منتدى آخر حول موضوع “إحداث الجامعة وتأثيراتها المجتمعية والثقافية” في الفاتح من يونيو، أما المنتدى الرابع فسيتناول موضوع “الجامعة في النظام الجهوي الجديد: نحو إعادة تنظيم المجال العلمي”، وسينعقد بتاريخ الجمعة، كما سيتم رفع مذكرة ترافعية واطلاق حملة لجمع التوقيعات لتقديم عريضة موضوعها “من أجل إحداث جامعة بعيون الساقية الحمراء في أفق 2020”.