“احك لي عن البيئة ” قصص عالمية على لسان حكواتيين ب”جامع الفناء ” و” باب إيليغ”
نور الدين الزويني
في ساحة “جامع الفنا ” الشهيرة بمدينة مراكش ، يتحلق في المساء جمهور كبير من زوار الساحة حول “حلقة” يقيمها طيلة أيام مؤتمر ” كوب 22 ” خبراء في التراث اللامادي ، وأستاذه جامعيون، وزجالون وحكواتيون أو “حلايقية ” كما يسمون في التراث الشعبي ، يروون فيها على طريقة الحكي الشعبي المغربي، قصصا إنسانية عالمية على علاقة بالبيئة والتغيرات المناخية في العالم، وذلك في مبادرة سميت “احك لي عن البيئة “.
فقد عمدت الوكالة الفرنسية للتنمية، بتعاون مع منظمة الأمم المتحدة، إلى توجيه الدعوة إلى مجموعة من الأساتذة والخبراء المغاربة في التراث الشعبي، وكذا إلى عدد من الحكواتيين الشعبيين ليحكوا على طريقة “الحلقة” بساحة “جامع الفنا “، مجموعة من القصص كتبت في باريس بمناسبة مؤتمر” كوب 21، وهي قصص واقعية تتحدث عن مشاكل بيئية وقعت في العديد من دول العالم وكانت بمثابة تراجيديات نجمت عنها مآسي إنسانية.
قصص “احك لي عن البيئة ” هاته قصص تروى على شكل حكايات شعبية ، وتحكي كذلك عن رجال ونساء قاموا طواعية بمباردات لفائدة البيئة، ووجدوا حلولا لمشاكل بيئية في محيطهم ، وكانوا بالتالي قدوة لغيرهم ،حيث أنه من المطلوب من الرواي أو الحكواتي أن ينهي القصة بتوجيه الدعوة لمستمعيه من أجل الحفاظ على محيطهم البيئي في بيوتهم وأحيائهم ومدنهم وفي بلدانهم وفي القارات التي ينتمون إليها ،وفي الكون إجمالا .وهي حكايات تروى باللغتين الدارجة المغربية،وكذا بالفرنسية لمن يتحدثون اللغة الفرنسية.
ويساهم في هذه “الحلقات ” التي تقام كذلك في ” المنطقة الخضراء” بقرية “باب إيغلي ” حيث تجري فعاليات مؤتمر الأطراف الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول المناخ في باريس ، سبعه من الرواة الشعبيين المعروفين من مدن مختلفة ،لهم كفاءات عالية في مجال الرواية الشعبية، ومنهم الحكواتي محمد باريز، والحكواتي المقوري عبد الرحيم، الملقب ب”الأزلية” نسبة إلى الملحمة الشعبية الرائعة “الأزلية ” ببطلها الخارق سيف دو يزل، التي قدمها بصوته في الإذاعة الوطنية في سبعينيات القرن الماضي، كما تساهم فيها الزجالة زهور الزريق ، ومواطن فرنسي مقيم بمدينة فاس يسمى ألفريد فريديريك، يتحدث فضلا عن الفرنسية بالعامية المغربية ، والأساتذة الجامعية خديجة حصالة من كلية الأداب بفاس، ونجيمة غزالي طاي طاي الوزير السابقة ،والأستاذة الجامعية، والفاعلة الجمعوية، والخبيرة الدولية في التراث الثقافي اللامادي.
وقالت نجيمة غزالي طاطاي، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن مجمل الحكايات التي تروى في هذه ” الحلقات “تتمحور حول التحسيس بأهمية البيئة، ومنها حكايات حول دور النساء في الحفاظ على بيئة نظيفة في الوسط الأسري، وحول مواجهة غضب الطبيعة والحفاظ على الوسط البيئي، مشيرة إلى أنها كلها حكايات عالمية، ومنها حكايات مغربية من جنوب شرق المغرب .
وأشارت إلى أن الهدف من هذه المبادرة هو استعمال تقنيات الرواية الشعبية وأساليب الحكواتيين المغاربة ومعرفتهم الواسعة بالرواية الشفهية، وطريقتهم السهلة جدا في الحكي والتي تساعد المستمع على الاستفادة من الحكايات واستيعاب مضامينها والشهادات التي تتضمنها والعبر والحكم التي تختزنها والدعوات الموجهة من أجل الحفاظ على البيئة ومكافحة التلوث ومواجهة التغيرات المناخية .
وقال إيمانويل دولفيس ، مساعد المسؤول عن التواصل بالوكالة الفرنسية للتعاون، إن المبادرة أطلقت من قبل الوكالة التي هي شريك للمغرب في المجال البيئي وفي عدد من المجالات الأخرى كالتطهير والنقل والتنمية المستدامة ، وذلك انطلاقا من قناعة بضرورة تحسيس المواطنين المغاربة بقضايا البيئة .
وأكد أن هذه المبادرة المسماة مبادرة ” احك لي عن البيئة” هي طريقة متميزة للتوعية والتحسيس بأهمية البيئة وبالتغيرات المناخية في علاقتها بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وأن “الحكاية الشعبية ” هي طريقة مغربية ملائمة وفعالة لشرح مثل هذه القضايا للعامة من الناس، مبرزا أن اللجوء إليها نابع من رغبة للاستثمار في التقاليد المغربية والتراث الشعبي المغربي الذي يتجسد في ساحة جامع الفنا والحكواتيين الكبار بها، والعمل من أجل أن يدرك عدد كبير من المواطنين المغاربة من خلال حكايات بسيطة وقصص إنسانية قضايا التغير المناخي والتنمية .
وأوضح أن هذه أول مرة يتم فيها اللجوء إلى تقنية الحكي الشعبي من أجل التعريف بقضايا البيئة، مشيرا إلى أن كل القصص مصدرها عروض أعدت خلال مؤتمر ” كوب 21 “بباريس وهي قصص من مختلف دول العالم .
ومن جهته، نوه الحكواتي المقوري عبد الرحيم بهذه المبادرة التي قال إنها تتمحور حول موضوع جديد عن الحكواتي المغربي .
وقال عبد الرحيم الذي يروي في هذه ” الحلقات ” حكايتين حول غضب الطبيعة، الأولى من بولينيسيا والثانية من كولومبيا، إن باحثين مختصين كتبوا نصوص هذه القصص وتمت ترجمتها إلى العربية، ثم نقلت إلى الدارجة المغربية من قبل الحكواتيين المغاربة الذين أضافوا إليها ” مستملحات ” لتتلاءم مع طريقة الحكي الشعبي لدى “الحلايقية” المغاربة ولتصير قصصا شيقة يتذوقها الجمهور وتشد انتباهه.
وأكد أن هناك إعجابا كبيرا بهذه القصص سواء من جمهور ساحة ” جامع الفنا ” أو زوار المنطقة الخضراء بقرية ” باب إيغلي ” ، وإقبالا كثيفا على ” الحلقات ” الخاصة بها، كما أن هناك اهتماما واسعا من قبل الشرائح الشعبية بموضوعها الذي هو موضوع البيئة.