الذكرى الـ44 لاسترجاع إقليم وادي الذهب.. مناسبة لتأكيد التمسك بمغربية الصحراء وبالوحدة الوطنية والترابية
يخلد الشعب المغربي ومعه أسرة المقاومة وجيش التحرير، غدا الاثنين، الذكرى الـ44 لاسترجاع إقليم وادي الذهب، التي تشكل محطة تاريخية وضاءة في مسيرة استكمال الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة الترابية، وذلك في أجواء من الحماس الوطني والتعبئة الدائمة والمستمرة لصيانة الوحدة الترابية المقدسة.
وذكرت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، في بلاغ لها بالمناسبة، أنه في يوم 14 غشت 1979، “وفدت على عاصمة المملكة الرباط وفود علماء ووجهاء وأعيان وشيوخ سائر قبائل وادي الذهب لتجديد وتأكيد بيعتهم لأمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، جلالة المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه، معبرين عن تعلقهم المكين بالعرش العلوي المجيد وولائهم وإخلاصهم للجالس عليه على هدي آبائهم وأجدادهم، واصلين الماضي بالحاضر، ومؤكدين تمسكهم بمغربيتهم وتشبثهم بالانتماء الوطني وبوحدة التراب المقدس من طنجة إلى الكويرة، مفوتين ومحبطين مخططات ومناورات خصوم الوحدة الترابية والمتربصين بالحقوق المشروعة للمملكة”.
وأضاف البلاغ، أنه “قد ألقت وفود مدينة الداخلة وإقليم وادي الذهب بين يدي جلالة المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه نص البيعة، بيعة الرضى والرضوان، معلنين ارتباطهم الوثيق والتحامهم بوطنهم المغرب”.
وشكل هذا الحدث لحظة تاريخية كبرى في ملحمة الوحدة التي حمل مشعلها بإيمان واقتدار وتبصر وبعد نظر مبدع المسيرة الخضراء المظفرة، مسيرة فتح الغراء عندما خاطب رحمه الله أبناء القبائل الصحراوية المجاهدة قائلا: “إننا قد تلقينا منكم اليوم البيعة، وسوف نرعاها ونحتضنها كأثمن وأغلى وديعة. فمنذ اليوم، بيعتنا في أعناقكم ومنذ اليوم من واجباتنا الذود عن سلامتكم والحفاظ على أمنكم والسعي دوما إلى إسعادكم، وإننا لنشكر الله سبحانه وتعالى أغلى شكر وأغزر حمد على أن أتم نعمته علينا فألحق الجنوب بالشمال ووصل الرحم وربط الأواصر”.
وأكدت المندوبية السامية، أن يوم 14 غشت 1979 يعد يوما تاريخيا مشهودا في سلسلة الملاحم والمكارم في سبيل تحقيق الوحدة الترابية واستكمال السيادة الوطنية، “إنه تتويج لمسيرة نضالية طويلة ومريرة وزاخرة بالدروس والعبر، إذ بعد عقود من الوجود الاستعماري الإسباني بالأقاليم الجنوبية، تواصلت مسيرة تحرير ما تبقى من الأجزاء المغتصبة بدءا بمدينة طرفاية في 15 أبريل 1958، ثم سيدي إفني في 30 يونيو 1969، فالأقاليم الجنوبية المسترجعة غداة المسيرة الخضراء التي انطلقت في 6 نونبر 1975 بفضل عبقرية وحنكة جلالة المغفور له الحسن الثاني ونضالات وبطولات أبناء هذه الربوع المجاهدة، وأخيرا استرجاع إقليم وادي الذهب في 14 غشت 1979”.
وسطرت على أنه “واصل سليل الأكرمين باني المغرب الجديد، صاحب الجلالة الملك محمد السادس، حمل مشعل الدفاع عن وحدة التراب الوطني، موليا عنايته القصوى لأقاليمنا الجنوبية المسترجعة ورعايته الكريمة لأبنائها، تعزيزا لأواصر العروة الوثقى والتعبئة الوطنية التامة لمواجهة كل مؤامرات خصوم الوحدة الترابية والمتربصين بأحقية المغرب في صحرائه، ومجسدا حكمة المغرب وتبصره وإرادته في صيانة وحدته الترابية المقدسة”.
وأبرزت أنه بعد مرور 44 عاما على عودة هذا الإقليم إلى الوطن، تواصل بنفس العزم والحزم والإصرار مجهود تنمية هذا الجزء الغالي من الوطن، للارتقاء به إلى قطب جهوي ليس قياسا مع جهات البلاد فحسب، ولكن بالنسبة لكافة مناطق الساحل والصحراء. فمنذ استرجاع هذا الإقليم، والأقاليم الجنوبية الأخری، انطلقت أوراش عمل كبرى لإنجاز مشاريع وبرامج استثمارية وتنموية في كافة المجالات والواجهات الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية والثقافية والبشرية وإقامة التجهيزات الأساسية والبنى التحتية والارتكازية لإرساء اقتصاد جهوي قوي وخلاق للقاعدة المادية للإنتاج وموفر لفرص الشغل.
ولفتت إلى أن تصور المشاريع التنموية الدامجة والمستدامة يضع المواطن في صلب الأولويات، وهو خيار مهد الطريق أمام تحول عميق وجذري في جهة الداخلة – وادي الذهب والجهات الصحراوية الثلاث، وهي مناطق من الوطن لم تشهد أية تنمية اقتصادية واجتماعية إبان فترة احتلالها. وتعيش هذه الجهات والأقاليم بعد أربعة عقود من تحريرها على وقع دينامية متواصلة في مختلف مجالات التنمية الشاملة والمتكاملة والمندمجة في الاقتصاد الوطني.
وفي هذا الإطار، تعززت المنجزات التنموية بالمنطقة خلال الفترة الأخيرة، بإطلاق سلسلة من المشاريع الاستراتيجية الكبرى قيد التنفيذ، والتي تهم ميناء الداخلة الأطلسي، والمنطقة اللوجستية الحرة لغرب إفريقيا، وتعزيز الشبكة الطرقية (الطريق السريع تزنيت – الداخلة)، ومحطة تحلية مياه البحر لري 5000 هكتار، بالإضافة إلى محطات لتوليد الطاقة الريحية والهيدروجين الأخضر.
كما يتوفر إقليم وادي الذهب، والجهة عموما، على عدة مزايا تشجع على الاستثمار وتشمل قطاعات اقتصادية متنوعة، وموارد بشرية مؤهلة بفضل إنشاء معاهد ومدارس متخصصة لمواكبة احتياجات سوق العمل، وظروفا معيشية جذابة مثل المناخ المعتدل، والطقس المشمس على مدار السنة، والطبيعة الخلابة التي تتنوع ما بين الرمال والخليج والمحيط.
وتضم المنطقة، كذلك، ثلاثة فضاءات اقتصادية، وهي “المنطقة الصناعية المينائية”، و”المنطقة الصناعية السلام”، و”الحي الصناعي المسيرة”، كما تتوفر على نحو 105 وحدة ومؤسسة اقتصادية تختص في مجال الصناعات الغذائية ومواد البناء وأحواض بناء السفن وغيرها.
ومن حق إقليم وادي الذهب، الذي يتمتع بموقع جغرافي استراتيجي يجعل منه صلة وصل بين إفريقيا وأوروبا، أن يفخر اليوم بكونه شهد قفزة نوعية في قطاعات الاقتصاد والتعمير والشؤون الاجتماعية، بالنظر إلى أنه أضحى من بين أقطاب الاستثمارات الوطنية منها والأجنبية، لاسيما في مجالات الصيد البحري والصناعة والفلاحة والسياحة والطاقات المتجددة.
ويعتبر النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية، الذي أعطى انطلاقته الملك محمد السادس بالعيون في نونبر 2015، بمناسبة الذكرى الأربعين لانطلاق المسيرة الخضراء المظفرة، خطوة أخرى في المسار التنموي، ترتكز في مضمونها على التنمية المتكاملة في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية.