الزراعة الحضرية.. أنشطة فلاحية في خدمة المدن
سلمى البدوي – و م ع
الفلاحة والمدن، مصطلحان يبدوان متعارضين بعض الشيء ! فرغم أن التجمعات الحضرية أنشئت في البداية فوق مناطق كانت تحتضن أنشطة فلاحية موجهة إلى إطعام السكان، إلا أنه مع مرور الوقت، تم الفصل بين مفهومي التعمير والفلاحة.
فعلى الأسطح أو الواجهات أو حتى في الطوابق الأرضية ومواقف السيارات، تعتبر هذه الزراعة، التي تتميز بتنوعها الكبير، بمثابة أنشطة فلاحية تعود بقوة إلى كبريات المدن العالمية. وقد أصبحت في الوقت الراهن جزءا من المنظومة الاقتصادية والبيئية المحلية للمدن، حيث تضطلع بدور أساسي في الحياة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
وي عزى نجاحها، إلى حد كبير، إلى الاهتمام الذي توليه مصالح الفلاحة والمدن، من خلال توفير التكوينات المناسبة، والأراضي، والإرشادات للمزارعين الحضريين الجدد.
وفي المغرب، شهد تاريخ المدن نجاح عدة نماذج من هذا النوع من الزراعة، وفقا للسيدة إيمان تهامي علمي، مديرة البحث، ورئيسة القسم العلمي بالمعهد الوطني للبحث الزراعي، مستشهدة، في هذا الصدد، بنموذجي منطقتي بوفكران وتزنيت اللذين يضمان العديد من عوامل النجاح التي يمكن الاستفادة منها وتعميمها. وأبرزت السيدة تهامي علمي أن الزراعة الحضرية تتسم بالمنافسة على مستوى الولوج إلى الموارد الطبيعية واستعمال المساحات بين المناطق الحضرية والقروية، مؤكدة أن هذا التفاعل يتطلب مستوى عاليا من التنسيق بين مختلف المتدخلين في هذا النشاط. لكن هذا التنسيق لم يتم تفعيله بعد.
واعتبرت أنه يتعين بذل المزيد من الجهود لتحقيق التكامل بين الفاعلين والأنشطة والمساحات الزراعية الحضرية، مشيرة إلى أن تثمين المعارف المحلية، وكذا نتائج البحث العلمي تعد آليات فعالة لإثارة تفاعلات بناءة بين مختلف الجهات الفاعلة في الزراعة الحضرية، وتحفيز نشر الممارسات الجيدة. وقالت الخبيرة إن رصد ومراقبة المخاطر الصحية المتعلقة باستخدام منتجات الصحة النباتية والأسمدة يمكن التطرق إليها على مستوى قطاع الزراعة الحضرية، موضحة أن هذا الأمر يتيح الفرصة لاعتماد الزراعة العضوية والبيئية في المناطق الحضرية وشبه الحضرية.
واعتبرت أن هذا الخيار الأخير يتطلب التنسيق لإرساء نظام للتصديق والمواكبة الجيدة للمزارعين، وجهدا أكبر على مستوى التسويق والتنظيم المهني. ولاحظت السيدة تهامي علمي أن الزراعة الحضرية يمكن أن تشكل مصدرا للمنتجات الطرية والصحية للأسر والأسواق الحضرية، غير أنها أكدت أنه من الصعب تحديد نسبة مساهمتها في تزويد السوق الوطنية. وتابعت أن التقييم الخرائطي لإمكانيات هذه الزراعة مقارنة بالمساحات المتاحة وممارسات الإنتاج المكثف، يمكن أن تشكل مقاربة جيدة لوضع خطط تتعلق بهذا النشاط.
وأكدت أن “الزراعة الحضرية قادرة على المساهمة في تحقيق الأمن الغذائي، ويمكن أن تمثل موردا مهما للمنتجات العضوية مع سهولة في الولوج إلى المنتجات الطرية والصحية. وفي المستقبل، فإن قدرة المدن على إنتاج ولو جزء قليل من حاجياتها الغذائية قد تعزز سلسلة التموين”.
وهكذا، تظل الزراعة الحضرية، التي عرفتها منظمة الزراعة والأغذية التابعة للأمم المتحدة (فاو) سنة 2007، بـ”زراعة النباتات، وتربية المواشي من أجل الغذاء واستخدامات أخرى في المدن والقرى، والأنشطة ذات الصلة مثل إنتاج ومعالجة وتسويق المنتجات”، إحدى الحلول التي أوصت بها منظمة الأمم المتحدة لتلبية الاحتياجات الغذائية للمناطق الحضرية، خاصة على صعيد المدن والبلدان الفقيرة.