الفنانة المراكشيبة أوم …من حي رياض العروس العريق إلى النجومية الإفريقية
الكاتب:
فاطمة عاشور
كرم مهرجان «Afric’art» الذي تنظمه جمعية «إبداع» للثقافات المغربية في الدار البيضاء الفنانة أوم الغيث بن الصحراوي التي أعطت وساهمت في إبراز الثقافات المغربية في العديد من المحافل الوطنية والدولية، وأحدثها مشاركتها في الدورة الثانية من مهرجان أيام قرطاج الموسيقية إلى جانب عدد من نجوم الغناء العربي والمغاربي، مصرة على الغناء تضامناً مع تونس الحرية على هامش الاعتداءات الإرهابية الأخيرة.
أُوم صاحبة تجربة غنائية فريدة، إذ استطاعت بثلاثة ألبومات أن تضع صوتها في صلب مسألة الهوية الغنائية المغربية، فاختارت في البداية الاتجاه غرباً متأثِّرة بالسول الأميركي مقدمة هذا الأسلوب في ألبومها الأول «ليكم» (2009)، والثاني «سويرتي» (أي الحظ) عام 2012، وتدريجاً استقرت تنقيباتها الموسيقية في ألبومها الجديد «SOUL OF MOROCCO» (روح المغرب) على توليفة غنائية فريدة تعبِّر عن الثراء الفني المحلي وقدرته على محاورة ألوان وإيقاعات موسيقية عالمية.
وفي شكل عملي قدمت أُوم في ألبومها خلطة من التراث الحساني الصحراوي بإيقاعاته المحلية، وموسيقى السول الأميركية بما فيها من عناصر الغوسبل والجاز. وعلى غرار ألبومها الثاني «ليكم» وَزَّعت أغاني الألبوم على نمط أكوستيك خالٍ من المؤثرات الإلكترونية، بتسجيل جماعي مباشر في استوديو دافو الباريسي الشهير، اعتماداً على إيقاعات مغربية قحّة، وهي عودة تبرّرها أُوم بالصخب الإلكتروني الذي بات طاغياً في السوق الموسيقية الراهنة، كما يبررها اقتناع راسخ بكون ما هو روحي وإثني تليق به موسيقى حية وأصلية تترجم حيوية التعدُّد في حوار الإيقاعات وحيث تأخذ كل آلة موسيقية حقّها.
ووفق هذه الفلسفة الموسيقية يستعيد ألبوم «SOUL OF MOROCCO» أغاني قديمة (BEST OF) وأخرى جديدة تشكِّل في مجموعها تسع أغانٍ، منها: «هو»، «سلام»، «ليك» (إليك)، «هيلالة» (تهليلة) و»منامة». وتتطرق مضامينها إلى قضايا الحب والسلام والمرأة والكون والله والروح والبلاد والأحلام. وهناك أيضاً أغنية «تاراكالت» عن باب الصحراء، وهو الاسم القديم لمنطقة محاميد الغزلان جنوب المغرب، قدمت أُوم هذه الأغنية كإهداء لمهرجان تاراكالت الموسيقي في دورته الأخيرة باعتبارها ضيفة شرف، تماشياً مع موضوع «نساء صحراويات». وهو الشعار الذي اعتمده المهرجان.
تستلهم الأغنية بأسلوب إيقاعي الأشعار الحسانية الصحراوية، وثقافة الرحل، وكانت أُوم، ذات الأصول الحسانية، قد غنّتها برفقة موسيقيين من مالي والجزائر وفرنسا في سهرة مشتركة لتكون رسالة باسم ضيوف المهرجان تنشد السلام والتعايش الثقافي.
وقد استغلت وجود فرقتها في واحة محاميد الغزلان، وصورت أغنيتها بين الكثبان وتحت قمر الصحراء.
وتمتلك أوم ما لم يملكه كثير من جيلها: ثقافة موسيقية عالية، ذوق رفيع في انتقاء النصوص أو كتابتها، وفي تصوير الأغنية، وقبل كل هذا، فهي صاحبة رسالة إنسانية وثقافية، ومشروع موسيقي مستوعب يتأسَّس بتؤدة على مقدرة تلقائية على إيصال الأغنية إلى ما وراء الحدود.
وأُومّ من التجارب التي تستدعي إنصاتاً مضاعفاً، مرة للأغنية ومرة لمواقفها وتعبيراتها عن شغلها الموسيقي، فكما تعبِّر غنائياً عن قضية أو عاطفة تنطوي حواراتها القليلة على إتقان الكلام وتضمينه آثاراً ثقافية، وهي من زمرة الفنانين الباحثين عن تطوير ترسانتهم الموسيقية والمعرفية تأصيلاً للنغمة.
توضح صاحبة ألبوم «سويرتي» (الحظ)، غنى روافد الهوية المغربية، وتعدد مكوناتها الأمازيغية والعبرية والحسانية، وتحرص على أن تجسده عبر أعمالها، إذ تعاملت مع نجوم أفارقة كبار كعازف الساكسوفون مانو ديبانغو والرابور الغاني بليتز دي أمباسادور وآخرين، أو تعكسه عبر لباسها.
بيد أن هذا التنوع الحضاري والثقافي والإثني واللغوي في ألبومها الأخير الموسوم بـ«سول أوف موروكو»، لم يكن الهدف البعيد من ورائه سوى مد جسور الحوار مع ثقافة العالم الآخر، فهي خريجة مدرسة الغوسبل، وتلقت أبجديات هذا الغناء الإنجيلي في سن مبكرة، حين انضمت إلى فرقة أسسها أميركي من أصل جمايكي التقته في مراكش، وتعلمت خلال هذه التجرية سبل تطوير صوتها وطريقة غنائها. وقد دعاها إلى تأسيس فرقة خاصة للغوسبل باعتبار أن هذه التجربة ستساعدها على تطويع صوتها.
ظلت أوم تسبح ضد التيار السائد، ولم تتخل في أي لحظة عن مشروعها الموسيقي، بل كافحت لفرض نفسها كصوت مشجون بأنفاس الفرادة، إذ كانت ولا تزال الصوت الأنثوي الوحيد وسط حركة الموسيقى البديلة.