القضية الوطنية بين التوثيق والرمزية في فيلم “دموع الرمال”
ذ . الكبير الداديسي
دأبت “جمعية أكورا للفنون” بدعم من مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط موقع آسفي . على عرض شريط سينمائي في الخميس الأخير من كل شهر فكان الجمهور ليلة الخميس 26شتنبر 2019 على موعد مع عرض الشريط المغربي ” دموع الرمال” بحضور مخرجه عزيز السالمي في قاعة الأطلنتيد.
الفيلم الذي حاول تصوير معاناة المعتقلين المغاربة في مخيمات البوليزاريو بتندوف في مساحة زمنية قاربت الساعة و47 دقيقة شخص أحداثة ثلة من المثملين المغاربة أهمهم : محمد الشوبي، السعدية لاديب، عبد الله الشكيري، محمد الخطاب، عادل أباتراب، عز العرب الكغاط، نعيمة المشرقي، عبد الله لاماني، وفاطمة هراندي ، ليصنف الشريط نفسه ضمن أفلام القضية، وهي هنا للمغاربة قضية وطنية بامتياز، وقد صرح المخرج أثناء مناقشة الشريط بعد العرض ، أن هدفه الأول من هذا الفيلم هو التعريف بالقضية الوطنية وتسليط الضوء على ما كابده المعتقلون المغاربة في معتقلات تيندوف من تعذيب في ضرب سافر لكل المواثيق والعهود الدولية الضامنة لحقوق الإنسان والكرامة الإنسانية،
انطلق الشريط بجمل سينمائية من الأرشيف (مقتطفات من خطاب الراحل الحسن الثاني ، والعاهل المغربي محمد السادس ، وصور من المسيرة الخضراء…) قبل أن يلقي الشريط بالمشاهدين في لج القضية حيث الأبطال الثلاثة الناجين من زنازين تيندوف يكابدون صعوبة الاندماج في المغرب المعاصر خاصة وهم يرون أحد الجلادين الذي أذاقهم أشد أنواع التعذيب والتنكيل قد عاد إلى الوطن و تسلق مراتب عليا في المجتمع ليصبح برلمانيا، بل ومن علية القوم يناظر في حقوق الإنسان، ليرتد السرد السينمائي القهقرى ويعود بالمشاهدين إلى الظروف التي اعتقلوا فيها يوم اعترضت ميلشيات البوليزاريو حافلة مدَنية تقل مسافرين مدنيين رجالا ونساء وتمطر الحافلة بوابل من الرصاص، مما أجبرها على التوقف. ليعيث أفراد العصابة فساد في الحافلة وركابها، جردوهم من كل ما يملكون، وقادوهم قسرا تحت الضرب والرفس ، وكل القتل رميا بالرصاص مصير كل من حاول الهرب أو تردد في تنفيذ ما يطلبون ، هكذا يضع الشريط المشاهدين ضروب من التعذيب القاسي لمواطنين مدنيين (خصي، قطع الألسن، اغتصاب..) ظروف حياة تنعدم فيها أدنى درجة من الكرامة الإنسانية، أعمال شاقة غير نافعة، الأوساخ، قلة الأكل وندرة الماء، وما يقدم من أكل على قلته يقدم بطريقة مذلة، نقل الأرز في عربة البناء (la brouette ) وتوزيعه على المعتقلين بمجراف البناء (pelle La ) ويستمر العرض في الانتقال بين معاناة الحاضر في المغرب، وعذاب الماضي في المعتقل من خلال تقنية الفلاش الباك التي حضرت بقوة في معظم فترات الشريط، فأحالت الشريط مسلسل معاناة مرتبطة حلقاته بين الآن والماضي،
وعلى الرغم من تصنيف الفيلم ضمن الأفلام المعالجة لقضية عبر أحداث ووثائق تاريخية هادفة همها الدفاع عن قضية وطن انطلاقا من أحداث واقعية ، ما دام المخرج اعتمد في كتابة السيناريو على ما كتبه أحد الناجين في سيرته ، ففكرة الفيلم يقول السالمي تولدت مباشرة بعد قراءته لمذكرات السجين السابق عبد الله لماني والذي جعله أحد أبطال الفيلم . وعلى الرغم من توظيف أحداث تاريخية محفورة في ذاكرة كل المغاربة منها ما هو مرتبط بالرياضة ( فوز اعويطة بميدالية أولمبية سنة 1984) ، بالكوارث (زلزال الحسيمية) أو السياسية (خروج المغرب من منظمة الوحدة الإفريقية + وفاة الحسن الثاني)…. فإن المخرج أضفى لمسة فنية على تلك الأحداث وأحسن توظيفها في بناء تطور أحداث الفيلم، مما وسم عددا من اللقطات برمزية فنية دالة نكتفي بالإشارة منها إلى :
– سقوط أحد الهاربن برصاص البوليزاريو على شعار المغاربة (الله الوطن الملك) في أحد المرتفعات.
– تشكيل الناجين وهم يحكون معاناتهم لنجمة خماسية على عشب أخضر.
– رمزية اللباس كما تجلى في تقديم الناجين بلباس العرسان، سواء أثناء نزولهم من السيارات بالتركيز على البلغة والجوارب البيضاء، أو أثناء دخولهم قاعة الاستقبال بالجلابيب البيضاء.
تقنيا الشريط به عدة نقط مضيئة ومشرفة بدءا برمزية العنوان (موع الرمال) مرورا الموسيقى التصويرية التي أبدع السيد زكريا نويح في تكييفها مع المشاهد، إضافة طريقة التصوير وحسن توظيف الإضاءة في الليل وبالأقبية ، ناهيك عن الكادراج الذي كان يضع الأحداث في عمق الصورة ، مع حسن تحريك الكاميرا وحسن اختيار زوايا التصوير في إدارة جيدة للكاميرا من طرف جون مارك سيلفا…
وبما أن لكل جواد كبوة، فرغم كثرة الجوانب المضيئة في فيلم “دموع الرمال” فهناك ملاحظات لا تنقص من قيمة الفيلم الفنية والتاريخية منها:
– في لحظات كثيرة عانت تعابير الوجوه وملامح الممثلين دون حجم المعاناة، و بل شاردة عن خصوصية اللحظة ، فقد ظلت الوجوه باردة في لحظات تتطلب تفاعلا أكثر كما كان لحظة لقاء العائلات بالعائدين فبدت مثلا ملامح الممثلة نعيمة لمشرقي مثلا وكأنها خارج اللحظة، وظهرت ملامح البنت التي لم تر والدها لأزيد من 30 سنة عادية خالية من أي تعبير ومثل ذلك كانت معظم الوجوه، تلك الزوجة التي غاب عنها زوجها وتوجت غيره والتي ظلت تتساءل مستنكرة (لماذا عاد)
– تقديم وجهة نظر المغرب الرسمية لقضية الصحراء من خلال التركيز على خطب ملوك المغرب، مع الحضور القوي للإديولوجية في إطار الصراع بين نظامين مختلفين، كل طرف يمجد نظامه، يقول أحد قادة البوليزاريو كان يكيل الشتائم للنظام الملكي في المغربل إن ( جبهة التحرير الجزائرية ( FLN ) إله والبوليزاريو ديانة )، مع غياب شبه تام لحضور وتفاعل المجتمع المدني مع القضية، فلا جمعية تحدث عن اعتقال المدنيين، ولا جمعية حضرت عودتهم، ولا احتضنتهم أو سعت لإعادة إدماجهم، والأغرب غياب عائلات المعتقلين جسديا أو وجدانيا بين من غيبه الموت، ومن انشغل عن قريبه بانشغالات الحياة: فلم يجد أحد المعتقلين أحدا في انتظاره بعد هلاك كل عائلته في زلزال الحسيمة، والبطل الآخر وجد زوجته تزوجت غيره ، والثالث كانت له بنت تعمل في مجال السينما لم يكن لديها الوقت لمجالس أبيها… وإلى جانب تنكر الأسرة والمجتمع، يسجل في الشريط تنكر الدولة لهؤلاء المعتقلين مقابل إيلائها حضوة للجلادين العائدين … وهو ما وسم الشريط بنزعة ذاتية تعبر عن موقف المخرج/ كاتب السيناريو الأقرب للموقف الرسمي، وكان ممكنا عرض المعاناة كقضية إنسانية، بالتركيز على الخرق السافر لحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا وإنسانيا والتخفيف من الطرح الرسمي والأيديولوجي للقضية…
– وثوقية المقدمة وضبابية الخاتمة: يلاحظ مشاهد الشريط أن المخرج بدأ شريطه واثقا، مقتنعا ومؤمنا بعدالة القضية منطلقا من وثائق تاريخية، لكنه في الخاتمة / النهاية عجز عن اتخاذ موقف صريح وواضح من الجلادين الذين استفادوا من نداء (إن الوطن غفور رحيم ) وتسلقوا مناصب عليا في الدولة وأيديهم ملوثة بقتل الأبرياء من المدنيين والتلذذ بتعذيبهم ـ ليلامس الشريط قضية حساسة تتعلق بمكانة قادة من البوليزاريو العائدين لأرض الوطن (المغرب) وتحملهم لمهام رسمية، وهو ما وضع المخرج في مأزق/ النهاية فلم يعرف أي مصير يختار لأحد الجلادين لما اختلى به أحد ضحاياه كان قد هتك عرضه وأخصاه أمام الملأ ، اختلى به بعد تربص في مرحاض إحدى الجامعات التي نزل بها الجلاد محاضرا في حقوق الإنسان، لينقض عليه ويقتله خنقا، قبل أن يتراجع المخرج ويظهر الضحية تصفح عن الجلاد ويطلب منه العودة إلى المنصة ومواصلة أكاذيبه، وأن القتل لم يكن سوى قتلاوجدانيا وهو ما يكشف تردد حيرة المخرج في إصدار موقف صريح من الجلادين العائدين لأرض الوطن ….
إن كثرة الانتقال الزمني بين الماضي والحاضر، والإفراط في توظيف الفلاش باك ، والانتقال المكاني بين مخيمات تيندوف، الدار البيضاء، العيون، الداخلة، الحسيمية… كان له تأثيره على المونتاج الذي أشرف عليه كل من المخرج ومنير الرايس ، فكان الصوت في بعض الأحيان يسبق الصورة كسماع القرآن قبل ظهور البطلين في المقبرة، أضف إلى ذلك بداءة المؤثرات الخاصة ، إذ ظهر تفجير الحافلة بعد اختطاف الركاب بدائيا ودون المستوى المنتظر من شريط يتغيى الدفاع عن قضية وطنية في المحافل الدولية، ….
وفي الأخير نشيرة إلى نقطة سالبة أخيرة وهي تغييب المرأة على الرغم من كون عدد منهم النساء كن في الحافلة، كما أن كل النساء اللواتي استقبل الناجين كن سالبات لا واحدة قدمت دعما ماديا أو معنوية فظلت المرأة مغيبة وسالبة في معظم المشاهد السينمائية، وقد اعترف المخرج بهذا التقصير أثناء المناقشة وبرره بإمكانية إخراج سريط جديد خاص بالمرأة.
ختاما ، يبقى فيلم (دموع الرمال) شريط انضاف إلى خزانة السينما المغربية ، وتحفة فنية ووثيقة تاريخية، وفيلم قضية حاول ملامسة قضية حساسة تقض المضجع الحقوقي في المغرب والعالم ، وما الملاحظات في هذا المقال سوى إثراء للنقاش والنقد السينمائي في المغرب والوطن العربي.