المخطط الإستعجالي لإصلاح التعليم حكاية تلاعب ب 40 مليار درهم تعود للواجهة
الكاتب:
أحمد أمشكح _المساء
عاد ملف المخطط الاستعجالي لإصلاح التعليم إلى واجهة الأحداث بعد الفضيحة التي كشفت عنها جهة نقابية اختارت أن تنشر تفاصيلها على مواقع التواصل الاجتماعي. وعاد النقاش حول هذا المشروع، الذي كلف مالية الدولة وقتها قرابة 40 مليار درهم، والذي حمله وزير التربية الوطينة في حكومة عباس الفاسي، السيد احمد اخشيشن، والذي انطلق العمل به في 2009 حيث كان مقررا أن ينتهي في 2012، قبل أن تتوقف مشاريعه في 2011 مع حكومة عبد الإله بنكيران، ووزيرها في التربية الوطنية محمد الوفا.
فجرت جهة نقابية في بداية يونيو الجاري، وهي التي تعتبر نفسها من ضحايا المديرة السابقة للأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة الرباط زمور زعير، ورئيسة لجنة الحكامة بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين الحالي، قنبلة من العيار الثقيل حينما بدأت في نشر مكالمات هذه المسؤولة عبر موقع «يوتوب» ومواقع التواصل الاجتماعي، على شكل حلقات تقول إن عددها سيتجاوز العشرين حلقة.
وتقول معطيات الملف، إن المديرة السابقة لأكاديمية الرباط والتي قضت في هذه المسؤولية 10 سنوات بدعم من جل وزراء التربية والتعليم الذين تعاقبوا على تدبير هذه الوزارة، نجحت في أن تكون عضوا في المجلس الأعلى للتعليم في نسخته السابقة والحالية، حيث تشغل اليوم منصب رئيسة لجنة الحكامة.
وفي معرض المكالمات الهاتفية التي تنشرها هذه الجهة والخاصة بالمديرة السابقة للأكاديمية، نكتشف كيف أن هذه المسؤولة استفادت من أموال المخطط الاستعجالي لإصلاح التعليم بدون موجب حق، بعد أن دخلت في صفقة تزويد المؤسسات التعليمية التابعة للأكاديمية بتجهيزات المختبرات المتنقلة الخاصة بتدريس المواد العلمية. وهي تجهيزات يقول الضحايا، إنها ظلت تصنع بدرب غلف بالدار البيضاء وبحي الرحمة بمدينة سلا بداخل مصنعين تقليديين يوجدان في ملكية مديرة الأكاديمية سابقا ورئيسة لجنة الحكامة في المجلس الأعلى حاليا، إلى جانب شريكتها صاحبة شركة تحمل اسم «ماتسيند» MATSIND وزوجها صاحب شركة «سدمتي» SDMTI.
المثير، تضيف الوثيقة الصوتية، هي أن هذه المعدات ظلت تقدم لوزارة التربية الوطنية على أنها معدات مستوردة من إيطاليا.
غير أن الأكثر إثارة هو أن تنجح هذه المديرة، رفقة شركائها، في
إرسال هذه المعدات إلى عدد من الأكاديميات خارج الرباط زمور زعير. ومن هذه الأكاديمات التي تعاملت معها، توجد أكاديمية سوس ماسة درعة، وتادلة أزيلال، وطنجة تطوان وفاس بولمان.
وبذلك تكون المديرة السابقة قد حرمت آلاف التلاميذ بربوع المغرب في تجهيزات تقنية حقيقية وضرورية لفهم الدروس العلمية.
الوثيقة الصوتية المسربة تتحدث أيضا عن 90 مليون درهم هو مبلغ الصفقة التي استفادت منها هذه المديرة رفقة شركائها، بعد أن استفادت مما يسميه ضحاياها من «علاقات حزبية فاسدة، ومن ممارسات الشعوذة بالاستفادة من خدمات إحدى «الشوافات» المسماة «الدريسية»، والتي سخرتها لخدمة مصالحها، كما تكشف عن ذلك الحلقة الأولى من المكالمات.
حلقات ما يسميه ضحايا المديرة السابقة بالمسلسل، ستنشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وستعرض لملفات على غاية كبيرة من الأهمية كما هو الشأن مع الممتلكات التي راكمتها في كل من الهرهورة والرباط وسلا وأربعاء الغرب.
نجح «ضحايا» المديرة السابقة في نشر حلقتين أولاها هي عبارة عن مكالمة مطولة جمعتها بشريكتها حول موضوع الشعوذة حيث ظلت إحدى الشوفات تخبرها ببعض ما ينتظرها، وتتحدث لها عن قضايا خاصة. أما الحلقة الثانية، فتكشف عن تعاملات مع شركائها في ملف التجهيزات الخاصة بالمختبرات العلمية، قبل أن تضيف اليوم ست حلقات متتالية كشفت عن التعاملات التي طالت بقية الأكاديميات التعليمية بشأن هذا القنبلة التي بدأت شظاياها تصل إلى وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني.
كان لابد لوزارة رشيد بلمختار أن تتحرك للبحث والتقصي بعد أن وصلت الفضيحة إلى مواقع التواصل الاجتماعي وصفحات الجرائد. لذلك تحركت المفتشية العامة لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني للقيام بتحقيق في الموضوع، بعد أن راسلت كل الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين تطالبها بمعطيات دقيقة تتعلق بالصفقات التي أبرمتها أثناء عملية تنزيل مشاريع المخطط الاستعجالي، وتحديدا تلك التي لها علاقة بالصفقات التي أبرمت مع الشركتين اللتين وجهت لهما التهم، وهما شركتا «ماتسيند» و»سدمتي».
غير أن ما يطرحه المتتبعون للشأن التربوي، وتحديدا ما يتعلق بالمخطط الاستعجالي لإصلاح التعليم، هو السؤال، كيف عجزت المفتشية العامة لوزارة القطاع عن الكشف عن بعض من هذه الاختلالات حينما باشرت عملية الافتتحاص، حيث اكتفت بتدارس الجوانب التقنية لمشاريع المخطط، بدلا من أن تنتبه لهذا الشق المتعلق بالصفقات التي رافقته، خصوصا وأن الاعتمادات المالية التي وضعت رهن إشارة هذا المخطط قاربت 40 مليار درهم.
الجودة في المخطط الاستعجالي
سيعترف جل الذين حملوا حقيبة التربية والتعليم أن المدرسة المغربية تفتقر للجودة المفترضة. لذلك ظل رشيد بلمختار مثلا يذكر بها في كل مناسبة. كما شدد عليها أثناء عرض مشروعه الإصلاحي الذي ينادي به، والذي فيه الكثير مما حمله المخطط الاستعجالي من مشاريع.
لقد كانت وزارة اخشيشن قد أصدرت من حوالي أربع سنوات مذكرة وزارية تحت رقم 36 والمتعلقة بإرساء نظام الجودة بمنظومة التربية والتكوين في 21 من مارس من سنة 2011 حينما كان المخطط الاستعجالي يسير إلى تنزيل مشاريعه. وهي المذكرة التي توقفت وقتها عند هذا الشق، الذي اعتبرته أساسيا في كل عملية إصلاح.
وكانت المذكرة قد أعادت التنبيه لما حمله الميثاق الوطني للتربية والتكوين في مجاله الثالث. والذي نص على ضرورة الرفع من جودة التربية والتكوين، وضرورة التزام الدولة بالعمل على جعل نظام التربية والتكوين يستجيب لحاجيات الأفراد والمجتمع، وذلك بوضع مرجعيات المناهج والبرامج ومعايير التأطير والجودة في جميع مستويات التربية والتكوين. أما الهدف الأكبر، فهو إعادة صياغة أدوار المدرسة، وجعلها مؤهلة لتحسين جودة التعلمات من خلال اعتماد مقاربات تدبيرية مبنية على مبادئ التعاقد، والتشارك، والحكامة الجيدة.
أما لتنزيل كل هذه الأفكار، التي جاء بها المخطط الاستعجالي، فقد وضعت خطة لإرساء نظام الجودة بالمنظومة مبني على رؤية مستقبلية واضحة. وذلك من خلال وضع وحدة مركزية، وأخرى جهوية، وثالثة إقليمية وفق مخطط ممتد من سنة 2010 إلى سنة 2016.
للأسف لم يكتب لهذا المخطط، ولا لمشاريعه أن تسير إلى نهايتها. وعدنا اليوم لكي نستنبط منها بعض الأفكار والإجراءات في أفق تحقيق الجودة المفترضة في قطاع التربية والتكوين.
لقد كان المخطط الاستعجالي لإصلاح منظومة التربية والتكوين قد حمل معه ثلاثة وعشرين مشروعا، وأربعة محاور أساسية. واعتبر أن أكثر المشاريع حساسية في المدرسة المغربية وقتها، هو ما يتعلق بالتعليم الأولي، وتأهيل المؤسسات التعليمية، ثم التعلمات الأساسية، التي ظل المخطط يعتبرها استراتيجية، لأنها ستعيد بفضلها للمدرسة دورها الأساسي الذي هو التربية والتعليم.
أرقام المخطط
لم تتفجر فضيحة الصفقات التي أبرمتها بعض الأكاديميات الجهوية والتي قد تسقط بعض الأسماء، إلا لأن هذا المخطط الاستعجالي رصدت له إمكانيات مالية جد محترمة قاربت الأربعين مليار درهم. وكان لا بد أن نتوقف عند أرقام الميزانية التي ظلت تخصص لقطاع التربية والتعليم، والتي سيكشف عن تفاصيلها التقرير الأخير للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي.
أرقام تقول في مجملها إن ميزانية هذا القطاع الاجتماعي ظلت تعرف في كل سنة ارتفاعا مثيرا، دون أن تتحقق الجودة المنتظرة منذ الميثاق الوطني للتربية والتكوين، مرورا بالمخطط الاستعجالي لإصلاح التعليم، والذي كلف وقتها خزينة الدولة 41 مليار درهم، ووصولا إلى ما نحن عليه اليوم.
لقدعرف معدل الزيادة خلال 13 سنة الأخيرة قرابة الثمانية في المائة، فيما وصل عدد المنقطعين عن الدراسة خلال هذه المدة أكثر من أربعة مليون تلميذ. أما ما يتعلق بتحصيل المواد العلمية،
فإن تقرير المجلس قال إن الأغلبية الساحقة للتلاميذ حصلوا على نقط أقل من المعدل في كل المواد العلمية من الرياضيات والفيزياء والكيمياء وعلوم الحياة والأرض، الشيء الذي جعل المغرب يحتل مراتب جد متأخرة في سلم النتائج المحققة. لذلك يطرح المتتبعون السؤال حول هذا البون الشاسع بين الاعتمادات المالية التي رصدت للمخطط الاستعجالي ولما بعده، وبين نتائج المدرسة المغربية التي تضعها التقارير في الحضيض.
المثير في حكاية هذا المخطط الذي كلف كل هذا الرقم الذي وصل إلى حدود 7 في المائة من الناتج الخام الوطني، هو أنه مباشرة بعد مجيء حكومة بنكيران، والتي جاء معها محمد الوفا وزيرا للتربية والتعليم، هو ذلك القرار القاضي بإلغاء كل ما سبق بعد أن وجد أمامه المخطط الاستعجالي بكل مشاريعه التي فاقت وقتها العشرين. وهي مشاريع لم تقف عند مجرد التشخيص، ولكنها كانت مشاريع تمشي على الأرض سواء تعلق الأمر بالتعلمات الأساسية، أو بالتعليم الأولي، أو بالهدر المدرسي أو بالبنيات التحتية. وسواء أكانت مشاريع ناجحة أو عرفت بعض الفشل، إلا أن المدرسة المغربية كانت تنتظر منها مردودا ما.
وحينما غادر محمد الوفا وزارة التربية الوطنية وجاءنا السيد رشيد بلمختار، اعتقد الكثيرون أن اختيار وزير تكنوقراطي، بعد أن ارتكب الوزير السياسي الكثير من حوادث السير، قد يكون هو الأنسب خصوصا وأن ذلك تزامن مع انطلاق عمل المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي في نسخته الجديدة. غير أن النتائج كانت عكسية، ولم يصدر تقرير المجلس الأعلى للتكوين والبحث العلمي إلا أخيرا حيث أضعنا الكثير من الجهد والوقت.
لقد تردد في آخر عمر الميثاق الوطني للتربية والتكوين، والذي انتهى قبل موعده، أن من عيوب هذا المشروع هو أنه كان بدون إمكانيات مالية كافية لتنزيل مشاريعه على أرض الواقع. لذلك حينما جاء المخطط الاستعجالي، حمل معه 40 مليار درهم. كما وضع لذلك ثلاثة وعشرين مشروعا، وأربعة محاور أساسية، هي كل القضايا الحساسة في المدرسة المغربية، وفي التفاصيل، يوجد من بينها ما يتعلق بالتعليم الأولي، وبتأهيل المؤسسات التعليمية، وبالتعلمات الأساسية التي يجب أن تعيد للمدرسة دورها الأساسي الذي هو التربية والتعليم.
بالإضافة إلى توسيع العرض التربوي، وضمان تكافؤ فرص ولوج التعليم الإلزامي، ومحاربة ظاهرة التكرار والانقطاع عن الدراسة، وتنمية مقاربة النوع في المنظومة التربوية..
فهل صححت هذه الملايير التي صرفها المخطط اختلالات المدرسة المغربية؟ كيف توقف مخطط اخشيشن؟ العارفون ببيت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني يطرحون السؤال، لماذا لم تستفد المدرسة المغربية من حسنات هذا المخطط، الذي لم يكن كله سيئا. لقد حمل معه جملة من المشاريع التي همت البنايات والتكوين والتعليم الخصوصي، ووضعت لكل مخطط فرق عمل جهوية ومركزية. غير أن الذي يؤسف له، هو أننا كررنا الخطأ نفسه الذي ارتكبناه مع الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وهو إنهاء العمل بالكثير من مشاريعه حتى دون أن تنتهي المدة التي حددت له.
كما حققت بعض المشاريع نسبة نجاح محترمة كما هو الشأن مع التعليم الأولي والخصوصي، وبنيات الاستقبال رغم أنها لم تذهب إلى محطتها الأخيرة. فيما فشلت مشاريع أخرى لعل أكبرها هو مشروع اللغة الذي وصف واحدا من أعقد مشاريع المخطط الاسعجالي لإصلاح المنظومة. وقد كان ضمن المجال الثالث المتعلق بالإشكالات الأفقية للمنظومة التربوية. لكنه لم يحقق في تقدمه غير نسبة ضئيلة جدا، يقول العارفون إنها لم تتجاوز الخمسة في المائة.
أما السر في ذلك، فهو أن وزارة التربية الوطنية لم تكن تتوفر وقتها على رؤية شاملة للموضوع. بل إنها اعتبرت الأمر واحدا من مهام المجلس الأعلى للتعليم، الذي كان يجب أن يتداول في أمره باعتبار القضية في حاجة لقرار سياسي، أكثر منه علمي أو فلسفي.
ثاني ملفات الإصلاح والتي تحمس لها المخطط الاستعجالي، هي المتعلقة بالتعلمات الأساسية، التي قالت عملية التشخيص بشإنها إن سبعة في المائة فقط من تلاميذ السنة السادسة ابتدائي هم من يمتلكون أدوات اللغة العربية، وإن واحدا في المائة فقط من هذا المستوى، هم الذين يمتلكون أدوات اللغة الفرنسية. ولذلك ظل المغرب يحتل مراتب جد متأخرة في هذا المجال. كما ظل يحتل المراتب المتأخرة نفسها حينما يتعلق الأمر بالرياضيات.
ثم المشروع المتعلق بظاهرة الهدر المدرسي، والذي تقول الأرقام بشأنه إن 400 ألف تلميذ يغادرون حجرات الدرس كل موسم دراسي إما بسبب الظروف الاقتصادية والاجتماعية كالفقر. أولضعف دخل الآباء، والطلاق وأمية الآباء والزواج المبكر بالنسبة للفتيات. هذا بالإضافة إلى بعد المدرسة، وضعف الوسائل البيداغوجية حيث تطغى المناهج التقليدية، وسوء العلاقة بين التلميذ والمدرسة والناتج عن الاكتظاظ الحاصل داخل المدرسة مثلا، وأنظمة الامتحانات .وطبيعة ونوعية العمل التربوي الذي يعرف اضطرابا وتباينا، مع الخلل الحاصل في البنية التربوية، كعدم توفر بعض الأسلاك.
وحينما نتأمل هذه الأسباب التي تقف وراء الهدر المدرسي نجد أنها تشترك فيما هو بيداغوجي صرف، وما يتعلق ببنيات الاستقبال. لذلك فمحاربة الظاهرة لا يمكن أن تعرف طريقها إلى النجاح إلا بإصلاح حال المنظومة التربية ككل.
هكذا وضع المخطط الاستعجالي مشاريعه لإصلاح منطومة التربية والتكوين. وهو المخطط الذي كان مقررا له أن ينطلق في 2009 بعد عملية التشخيص التي تمت في 2008، لينتهي في 2012. أما لتنزيل مشاريع هذا المخطط التي تجاوزت العشرين مشروعا، فقد وضعت حكومة عباس الفاسي في جيب أحمد أخشيشن ميزانية قاربت 40 مليار درهم. وهو ما يعني بلغة الأرقام، زيادة بنسبة 33 في المائة عن الميزانية التي تخصص في المعدل لقطاع التربية والتعليم. كما يعني 28 في المائة من الميزانية العامة للدولة، و7 في المائة من الناتج الخام الوطني.
هل صرفت وزارة التربية الوطنية كل هذه الاعتمادات، أم أن بعضها حول لجهات أخرى. أم أن عددا من الأكاديميات فشلت في صرف كل الاعتمادات التي وضعت رهن إشارتها؟ أسئلة يفترض أن تجيب عنها اليوم تحقيقات المفتشية العامة لوزارة السيد بلمختار.
قبل أن يباشر وزير التربية الوطنية في حكومة عباس الفاسي السيد أحمد أخشيشن تنزيل مشاريع مخططه، كان لا بد أن يقوم بعملية تشخيص بوشرت في المدرسة المغربية. وهي العملية التي قالت إن الميثاق الوطني للتربية والتكوين لم يفد بالمطلوب ليس لضعفه، ولكن لأن الدولة لم توفر له ما يكفي من إمكانيات مالية لكي ينجز مهامه. ومن تم كان البديل هو أن تتوفر هذه الإمكانيات لكي تخرج مشاريع المخطط الاستعجالي إلى الوجود.
وهكذا جاء المخطط الاستعجالي بثلاثة وعشرين مشروعا، وبأربعة محاور أساسية. واعتبر أن أكثر المشاريع حساسية في المدرسة المغربية وقتها، هو ما يتعلق بالتعليم الأولي، وتأهيل المؤسسات التعليمية، ثم التعلمات الأساسية، التي اعتبرها المخطط استراتيجية لأنه سيعيد بفضلها للمدرسة دورها الأساسي الذي هو التربية والتعليم.
فيما توزعت بقية مشاريع المخطط الاستعجالي إلى توسيع العرض التربوي، وضمان تكافؤ فرص ولوج التعليم الإلزامي، ومحاربة ظاهرة التكرار والانقطاع عن الدراسة، وتنمية مقاربة النوع في المنظومة التربوية، وغيرها من المشاريع ذات الأولوية.
واليوم حينما نعيد قراءة هذه العناوين الكبرى، التي جاء بها المخطط الاستعجالي في 2009، والتي راهن على أن تنجز في أفق 2012، نطرح السؤال عن خلفية فشل بعضها، وإن كانت قد حققت خطوات متقدمة في البعض الآخر. كما نطرح السؤال لماذا توقف هذا المخطط، الذي يبدو أن وزارة التربية والتعليم تعود إليه بشكل تدريجي لأنها وجدت أنه وضع اليد على جل مواطن ضعف منظومتنا التربوية، وتحديدا ما يتعلق بواقع المؤسسات، وقضية التعليم الأولي والتعلمات الأساسية.
لقد فهم المخطط الاستعجالي أن أية عملية إصلاح لمنظومة التربية والتكوين، لن تتحقق دون أن يتم تجاوز عدد من الاختلالات من أبرزها، بالإضافة إلى الهدر المدرسي، ضعف التعلمات الأساسية، والتحكم في اللغات، وضعف الكتاب المدرسي والنظام البيداغوجي، والتعليم الأولي، وتعميم التمدرس. بالإضافة إلى ظروف استقبال التلاميذ. وهي المشاريع التي كلفت المخطط كل تلك الإمكانيات المالية، قبل أن تتوقف في منتصف الطريق.