الرئيسية » 24 ساعة » الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري تصدر دليلا لمواجهة الأخبار الكاذبة والزائفة

الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري تصدر دليلا لمواجهة الأخبار الكاذبة والزائفة

خصصت الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري (HACA)، إدراكًا منها للمخاطر التي تشكلها الأخبار الكاذبة كأحد التحديات الرئيسية للمجتمعات الحديثة، على الاستقرار الاجتماعي والثقة في المؤسسات، دليلًا مفصلًا لمكافحة هذه الآفة، حيث يسلط هذا الكتاب الضوء على آليات التضليل وتأثيراتها، والأهم من ذلك، الحلول للتخفيف من آثارها.

ومن خلال تحليل متعمق، يكشف الكتاب عن مدى أهمية وتعقيد المعركة ضد الأخبار الكاذبة، إذ تسلط الهيئة الضوء على تحديات الأخبار الكاذبة في المغرب وتقترح استراتيجيات لمواجهتها، حيث تُعرّف الهيئة الأخبار الكاذبة أو المعلومات المضللة بأنها محتويات مضللة عمدًا تهدف إلى التلاعب بالرأي العام.

وغالبًا ما تتخذ هذه المعلومات أشكالًا متنوعة (مقالات، مقاطع فيديو، صور) وتنتشر بشكل كبير عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مما يعزز انتشارها السريع من خلال جاذبيتها القوية للعواطف. وتؤكد الهيئة أن هذا التلاعب لا يؤثر فقط على الثقة في وسائل الإعلام، بل يؤثر أيضًا على الاستقرار الاجتماعي والسياسي.

ويقترح دليل الهاكا سلسلة من الأدوات والتوصيات لمكافحة الأخبار الكاذبة بفعالية. من بين هذه الإجراءات، يبرز تطوير منصات التحقق من الحقائق مثل “SOS Fake News”، التي أطلقتها وكالة المغرب العربي للأنباء (MAP)، ومشاريع مثل “تحقق”، كحلول أساسية للتحقق من المعلومات المضللة والشائعات الأخرى وتكذيبها بسرعة.

ويُنصح بشدة بتشجيع المواطنين على تبني قواعد تحقق صارمة، خاصةً من خلال مقارنة المصادر، باستخدام أدوات تكنولوجية مثل “Google Fact-Check Explorer” أو “InVID”، للكشف عن المحتويات المشبوهة. كما يشكل التثقيف الإعلامي رافعة أساسية، حيث يتعلق الأمر بتعزيز الروح النقدية لدى مستخدمي الإنترنت، وتمكينهم من تحديد وتجنب مخاطر التضليل بشكل أفضل.

وينص الإطار القانوني المغربي، مع أحكام مثل المادة 72 من قانون الصحافة والمادة 447-2 من القانون الجنائي، على عقوبات لنشر معلومات كاذبة، بما في ذلك الغرامات والعقوبات بالسجن، مما يؤكد أهمية اتباع نهج تشريعي للقضاء على هذه الظاهرة.

وعلى مستوى بلادنا، يُلاحظ انتشار الأخبار الكاذبة بشكل خاص على وسائل التواصل الاجتماعي، التي تُعد محفزًا حقيقيًا لانتشار المحتويات بسرعة. فوفقًا لدليل الهيئة، تمس هذه المعلومات المضللة مواضيع حساسة مثل الصحة والانتخابات والكوارث الطبيعية، فيما ازدادت حدة الأخبار الكاذبة في عدة مجالات: الصحة (خلال جائحة كوفيد-19)، والانتخابات، والتعليم.

ويحدد التقرير تحديات رئيسية، بما في ذلك الانتشار السريع للشائعات عبر الإنترنت، والتي غالبًا ما يتم تداولها دون تحقق مسبق. إذ يُعد انتشار المعلومات المضللة المتعلقة بكوفيد-19، مثل فكرة أن “الفيروس لا يعيش في درجة حرارة 26 درجة مئوية”، مثالًا على هذه التأثيرات، كما استهدفت انتخابات شتنبر 2021 بمعلومات كاذبة تهدف إلى التأثير على خيارات الناخبين. فيما يُذكّر الدليل بأن حملات التضليل هذه، التي غالبًا ما تُدار على المستوى المحلي أو الدولي، تشكل تهديدًا مباشرًا للديمقراطية والنقاش العام الصحي.

وتُشدد الهيئة على أهمية التنظيم الاستباقي لكبح هذه الآفة الرقمية، عبر إصدار توصيات من قبيل إنشاء قاعدة بيانات حول المعلومات الكاذبة، ودمج تقنيات التحقق من الحقائق في برامج التدريب الصحفي، وتكثيف توعية الجمهور.

ويهدف هذا الدليل، من خلال توثيق آليات الأخبار الكاذبة واقتراح حلول ملموسة، إلى تعزيز دفاعات المغرب ضد التلاعب الرقمي، حيث يُعد هذا النهج حاسمًا في عالم أصبحت فيه المعلومات المُتحقق منها حصنًا ضد التضليل وآثاره المدمرة. فيما تُسبب الأخبار الكاذبة، كما يُشدد دليل الهيئة، أضرارًا تتجاوز الإطار الرقمي البسيط.

وتأثيرها عميق على المجتمع، حيث يؤثر على الركائز الأساسية للثقة العامة، فهي تُضعف مصداقية وسائل الإعلام والمؤسسات، لأن إشاعة منتشرة على نطاق واسع يُمكن أن تُضيع سنوات من العمل الصحفي الدقيق. علاوة على ذلك، تفرض الأخبار الكاذبة نفسها بقوة ضارية وعواقب مدمرة في بعض الأحيان. ولكن، لحسن الحظ، مع قليل من الصرامة والروح النقدية، يُمكن تحييدها. إذ تُؤدي الأخبار الكاذبة إلى تفاقم استقطاب الرأي العام، من خلال استغلال العواطف لتضخيم الانقسامات الاجتماعية والسياسية.

والتداعيات الاقتصادية حاضرة أيضًا: تشهد الشركات في بعض الأحيان تدمير سمعتها بسبب معلومات كاذبة انتشرت بسرعة، مما يُؤدي إلى خسائر مالية كبيرة، حيث يُشدد الدليل أيضًا على الدور المركزي للخوارزميات في هذه الظاهرة، وذلك من خلال تفضيل المحتويات العاطفية التي تُثير مزيدًا من التفاعل، وتُساهم هذه الخوارزميات في الحفاظ على دورة من التضليل، حيث غالبًا ما تُصبح المصداقية في المرتبة الثانية.

لا يكتفي دليل الهيئة بتقديم ملاحظات، بل يقترح أيضًا مسارات ملموسة لمستقبل أكثر أمانًا. ومع ذلك، يُشدد على نقطة أساسية: مكافحة الأخبار الكاذبة ليست من شأن كيان واحد فقط، إنها مسؤولية جماعية تشمل المواطنين ووسائل الإعلام والمعلمين والسلطات العامة، ويجب على المواطنين تطوير روحهم النقدية، ويجب على وسائل الإعلام الالتزام بالدقة والشفافية، ويجب على المؤسسات توفير إطار قوي للتنظيم.

هذا ويشغل المغرب، من خلال مبادراته وتوصيات الدليل، مكانة فاعل ملتزم في هذه المعركة العالمية ضد التضليل. ومع ذلك، لا يزال الطريق طويلًا، وطالما استمرت الأخبار الكاذبة في الازدهار في بيئة رقمية يُسيطر عليها العاطفة والمصالح المالية، يجب أن يظل الحذر قائمًا.

وتُعد مكافحة الأخبار الكاذبة في المغرب، على الرغم من صعوبتها، تحديًا أساسيًا للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي ومصداقية المؤسسات. ومع دليل الهيئة كخارطة طريق، تمتلك المملكة الأدوات اللازمة لخوض هذه المعركة بعزيمة. يبقى فقط تحويل هذه التوصيات إلى إجراءات ملموسة لبناء مجتمع مُسلح بشكل أفضل في مواجهة مخاطر التضليل، أمرا ضروريا للمساهمة في معالجة هذه الآفة.