بريطانيا تتيح للمرضى التداوي بالقرآن الكريم.. ماذا كانت النتائج التي شملت 20 مريضاً؟
بينما يتهكم بعض المثقفين المسلمين على فكرة العلاج بالقرآن، فإنه بات ممكناً للمسلمين الذين يعانون مشاكل نفسية توفير علاج لهم في ضوء تعاليم دينهم ومعتقداتهم.
وجرت العادة بين المعالجين النفسيين على تحاشي وتجنب موضوع الدين ضمن أي جلسة علاج نفسي.
لكن مشروعاً أطلقته خدمات الصحة الوطنية البريطانية يستند على بحث أجرته جامعة ليدز “يظهر علامات نجاح منفردة.”، حسب تقرير لموقع هيئة الإذاعة البريطانية BBC.
يقول الطاقم القائم على العلاج إن العديد من المسلمين لا يقبلون على طلب العلاج نظراً لوصمة العار المرتبطة بالأمراض النفسية.
“كنت محطمة”
تخوض سامية التي في أواخر الأربعينيات من العمر صراعاً مع الاكتئاب وتشارك في هذا المشروع. تقول “شعرت أنه عليّ دوماً الحفاظ على قوتي والتظاهر بالشجاعة، أما في أعماقي فقد كنت محطمة في الحقيقة.”
وتتابع “عندما تحطمت وهويت نحو الحضيض شعرت أني لربما فعلت شيئاً أغضب الله مني.”
تقول د. غزالة مير رئيسة فريق البحث في معهد علوم الصحة بجامعة ليدز أن هذا عارض شائع بين المسلمين الذين لا يتم تحويلهم بشكل كاف لتلقي المعالجة النفسية. وتتابع “وصمة العار تكمن في فكرة أنك إن كنت بحاجة لعلاج، فلعل ثمة خللاً ما في هوية إيمانك في المقام الأول.”
وتقول أيضاً “المشكلة ليست فقط في قلة تحويل هؤلاء لتلقي العلاج، بل كذلك في أن النتائج التي يحصل عليها من يتلقون العلاج فعلاً هي ليست بنفس الجودة كباقي السكان عموماً.”
وقد وجدت بيانات خدمات الصحة الوطنية البريطانية التي تقيم حالات من يحصلون على علاج نفسي سيكولوجي، وجدت أن الاكتئاب قد يكون مزمناً أكثر لدى المسلمين البريطانيين الذين يكون مستوى التحسن لديهم أقل.
جهاز الخدمات الصحية الوطنية ملزم قانوناً بتقديم الرعاية الصحية المتماشية ثقافياً مع المرضى، لكن د.مير ترى أن هناك صعوبات تواجهها دائرة الخدمات الصحية، إذ تقول “هناك الكثير من التفاوت والتضارب بين المعالجين في طريقتهم في تقدير الأسلوب الثقافي الأنسب.”
كذلك ترى د. مير بأن العديد من المعالجين يخطئون بعدم إدخالهم المعتقد الديني ضمن أجزاء ثقافة المرء.
فتقول “نعرف أنه في المجتمعات المسلمة يحصل الناس على نتائج أسرع في حال اتباع علاج يأخذ الدين بعين الحسبان يكون قد جُرِّب في أماكن أخرى من العالم. فهم [المسلمون] يستخدمون الدين وسيلةً للتأقلم أكثر من غيرهم من المجموعات الدينية الأخرى.”
وقد ساعدت د. مير في إنشاء نظام علاجي جديد مبني على أحد أشكال العلاج المسمى cognitive behavioural therapy (CBT) (العلاج السلوكي المعرفي) هو التنشيط السلوكي.
فبعد تجارب ناجحة شملت 20 مريضاً باتت إدارة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية تقدم هذا العلاج عبر مؤسسة خيرية تعنى بالصحة النفسية في ليدز.
وضمن هذا العلاج يُسألُ المرضى إن كان الدين جزءاً من حياتهم حينما كانوا في صحة جيدة.
فأما الذين توقفوا عن ممارسة شعائر دينهم بسبب الاكتئاب فتتم إعادتهم إلى المواظبة من جديد لكن ببطء وباستخدام كتيب مساعدة ذاتية يلفت نظر القارئ المريض لآيات قرآنية تذكره أنه “حتى المؤمنون الأقوياء” قد يصابون بالاكتئاب وأن هذا لا يعني أن الله غاضب منهم.
تقول سامية أن تلقيها العلاج على يد معالج تقليدي كان “أشبه برحلة ناقصة”، أما حينما بدأت تستخدم الكتيب الجديد فهنا بدأت حياتها تتغير.
تقول “هناك تعاليم هنا ساعدتني في التفكر بأن القرآن فعلاً يقر بوجود الاكتئاب والحزن والمحن والشدائد التي تصيبك.”
وتتابع “بالفعل يقدم الله لي هذه الأدوات، ما ساعد على تقوية إيماني. أشعر بالسعادة لأني أستطيع أن أعيش حياتي في ظل ديني وأن دعمي يأتي من تعاليم القرآن.”
البعض يرفض التجربة
يدير ريتشارد غارلاند الفريق في مؤسسة تتشستون الخيرية للصحة النفسية التي تقدم العلاج لبعض المراجعين المسلمين.
يقول أن العديد من المعالجين النفسيين غادروا التجربة الأولية لهذا العلاج لعدد من الأسباب.
فالبعض منهم قلق من فرض الدين على المراجعين، أما آخرون فقالوا أنهم لا يدرون كفاية عن الإسلام وأنهم ضد فكرة استخدام الدين ضمن العلاج النفسي أصلاً، أو شعروا أن الدين ليس إطار عمل يساعد على معالجة الاكتئاب.
لكن غارلاند يقول إن هذا النوع من العلاج المتمحور حول الدين يمكنه الإسهام بمساعدة.
يقول “إن ما نتج هنا هو نوع من العلاج يأخذ في كامل الحسبان المعتقد الإيماني للناس ودينهم الخاص ويربط ذلك بإطار قيم هؤلاء الناس، ولهذا هو تطبيق عملي جداً لنظام معتقدات المرء.”
ويقول القائمون على هذا العلاج أنهم يأملون في نشره وتطبيقه في أرجاء البلاد وحتى التوسع فيه ليشمل مجموعات دينية أخرى.