بمناسبة اليوم العالمي للكتاب ” الكتاب .. روح العالم “
يوسف بورة
مثل باقي دول العالم وشعوبه يحتفل المغرب باليوم العالمي للكتاب كموعد سنوي لتقييم وتأمل حالة العلاقة بين الإنسان والكتاب، تأليفا وصناعة وقراءة، وما يعتري تلك العلاقة من فتور أو نشاط، من تفاعل وتقارب أو جفاء وتباعد. فعلى مدى أزيد وأكثر من ثمانين قرنا هو عمر الكتاب في التاريخ الإنساني، تباينت علاقة الأفراد والأمم بالوثيقة المكتوبة حسب الثقافات ومنشئيها وخلفيتها التاريخية. إذ نعثر على مجتمعات تعلي شأن الكتاب، وتجعل منه حاضنة وخزانا لتجربتها ومختلف اهتماماتها المعاشية والفنية والثقافية، ومجتمعات أخرى وصل بها الأمر إلى حد تدمير الكتاب والنفور منه وكره ومحق المشتغلين به.
ولأننا هنا بصدد الاحتفال بهذا المنتوج الفريد ذي الخاصيات والاعتبار المختلفين عما عداه من باقي ما أنتجه البشر، فإننا سنقتصر هنا على وصف ورصد بعض مظاهر علاقة الإنسان المغربي بالكتاب. ونقول بداية بأنها علاقة فاترة لم ترق بعد إلى مستوى العلاقة الحيوية والاستراتيجية بين مجتمع يعيش في فورة الثورة الرقمية واقتصاد المعرفة التي تتطلب حضورا مركزيا للوثيقة المكتوبة كأثر وكموضوع لاشتغال جميع العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. ويكفي هنا عقد مقارنة بسيطة بين معدلات القراءة والنشر والترجمة ليتبين أن أشواطا طويلة تفصلنا عن مجتمع المعرفة، وذلك لما نعرفه من أسباب كامنة وراء ذلك، خصوصا ما يرتبط بوضعية التربية والتعليم والكفاءة الاقتصادية للمجتمع، وأسباب أخرى سوسيو- ثقافية ليس هو مجال الخوض في شجونها.
مرصد المعرض الوطني للكتاب المستعمل
لعل من جميل الصدف أن يتزامن الاحتفاء العالمي بالكتاب مع فعاليات المعرض الوطني الذي ينظمه الكتبيون المغاربة منذ إحدى عشرة سنة، إذ يعتبر هذا الحدث بحق مرصدا لتتبع وتقييم مدى إقبال المغاربة على الكتاب، وللوقوف أيضا عند هموم ومشاغل الكتبيين كفاعلين في ميدان تداول المواد الثقافية المكتوبة بشكل عام.
ونسجل هنا أن هناك إقبال متزايد من طرف القراء من جميع أنحاء البلاد، وأن هناك تعطشا لمثل هذه التظاهرات في باقي المدن والقرى، خصوصا وأن الكتبيين يقدمون غرضا مغريا من ناحية الأثمنة، وأيضا من ناحية الكتب التي نفذت من الأسواق، أو دخلت في حكم القليل النادر. بالإضافة، طبعا، إلى الأنشطة الثقافية للمعرض التي تساهم في مد جسور التلاقي بين المبدعين والباحثين والجمهور. وهذا في حد ذاته تشجيع ليس على القراءة فقط، ولكن أيضا على الإبداع والتحصيل العلمي.
لكن هذه الصورة المشرقة نسبيا تخفي واقعا قاسيا يعاني منه الكتبيون في باقي أوقات السنة. ذلك أن وضعهم القانوني والاعتباري يبقى ملتبسا في غياب اعتراف وزارة الثقافة بمهنتهم كتراث وطني لا مادي يقتضي منها تشجيعهم ماديا وإداريا وقانونيا من خلال شملهم بالتغطية الصحية والاجتماعية وخلق فضاءات تليق بهم، لأن أغلبهم يمارس مهنته داخل أسواق هامشية أو في دكاكين لا ترقى إلى مكانتهم الثقافية.
إن طموح الكتبيين هو النهوض بالقراءة في شروط تزيد من جاذبية الكتاب، وتخلق فرصة للاحتفاء به طيلة السنة من خلال برامج تشاركية، وبذلك سنخلف ديناميكية ثقافية مستمر، وليست موسمية تختفي لئلا تظهر إلا بين فينة وأخرى، فالاستمرارية هي الشرط الأساسي للنجاعة. وبمناسبة هذا اليوم العالمي للكتاب ينادي الكتبيون إلى تكثيف وتشبيك العمل الثقافي، وإلى الالتفات إليهم كشريحة فاعلة في الميادين الثقافية والتعليمية والتربوية.
وكل عام والكتاب بألف خير.