بو بكر الغنجاوي المراكشي من "سْلكُوط" إلى مخبر سري لبريطانيا في مراكش
الكاتب:
ذ شمير أيت أومغار مراكش 24
ظلت وثائق المفوضية البريطانية بطنجة محفوظة بنفس المدينة إلى غاية بداية السبعينيات من القرن المنصرم، حيث تقرر نقلها إلى دار المحفوظات البريطانية الواقعة بمدينة كيو Kew جنوب غرب لندن، و كانت تعرف آنذاك ب Public Record Office ( تعرف حاليا بالأرشيفات الوطنية National Archives )، و صنفت تلك المراسلات تحت التسمية التالية: F.O.174: Embassy and Consular Archives, Morocco: Correspondence.
و خلال صيفي 1986 و 1987، عثر الدكتور خالد بن الصغير في رحلتين دراسيتين إلى لندن، على هذه الوثائق المحررة باللغة العربية و البالغ عددها 428 وثيقة، عمل على نشرها في كتاب يحمل عنوان ” المغرب في الأرشيف البريطاني : مراسلات جون دراموند هاي مع المخزن ( 1846 – 1886 )” و ذلك سنة 1992، ضمن منشورات ولادة بالدار البيضاء (582 صفحة)، ثم نشر طبعة ثانية للكتاب سنة 2009 ( دار أبي رقراق للطباعة و النشر، الرباط ) قدم لها بمقدمة جديدة تضمنت معطيات جديدة، و تدارك فيها بعض الهفوات.
لقد أثار اهتمامنا بهذه المجموعة رسالة تحمل رقم F.O.174/89 موجهة من بوبكر الغنجاوي إلى جون دراموند هاي، بتاريخ 24 رجب الفرد عام 17] 1290 شتنبر 1873] و تتجلى أهميتها في كشفها الجزئي عن أوضاع مراكش السياسية و الاقتصادية ليلة وفاة السلطان محمد بن عبد الرحمان في 18 رجب الفرد عام 1290 ] 11 شتنبر 1873 ] و ما تلاها من أحداث، خاصة بيعة السلطان مولاي الحسن.
و يتوجب علينا قبل عرض نص الرسالة، التعرف على كل من جون دراموند هاي و بوبكر الغنجاوي المراكشي محرر الوثيقة.
السير جون دراموند هاي : الشيطان المريد
ينحدر جون دراموند هاي من الارستقراطية السكوتلندية، و كانت ولادته بمدينة فلانسيين Valencienne الفرنسية في فاتح يونيو 1816، إلا أن نشاته كانت بمدينة ايدنبورغ عاصمة اسكتلندة، و في سنة 1832 التحق بطنجة التي كان والده ادوارد دراموند هاي يشغل بها منصب قنصل عام لبريطانيا منذ 25 غشت 1829.
و قد قادته مسيرته المهنية في البداية إلى الاستقرار بالعاصمة العثمانية استانبول سنة 1840، و الاشتغال بالسفارة البريطانية بها التي كان على رأسها اللورد بونسونبي، ثم اللورد كانينغ فيما بعد. و استغرقت إقامته بها زهاء أربع سنوات، انتقل بعدها إلى المغرب بصفة رسمية في 29 يوليوز 1844، و مباشرة بعد وفاة والده، وافق اللورد أبردين كاتب الدولة في الشؤون الخارجية على تعيينه سنة 1845 قنصلا عاما لبريطانيا في المغرب، وقد جاء جواب السلطان المولى عبد الرحمان على هذا التعيين في رسالة وجهها إلى بوسلهام بن علي كالتالي : “و ذكرت أن طاغية النجليز قدمت ولد القونص الذي ذهب إلى ابد الهاوية و أراح الله الإسلام من شره، للخدمة القنصلية بثغر طنجة المحروس بالله مكان أبيه”، أما بوسلهام نفسه فعبر في رسالة إلى محمد بن إدريس عن استيائه هو الأخر من هذا التعيين الجديد، و مما جاء فيها : “ورد علينا كتاب من ولده اللعين مخبرا بموت قونص اللنجليز. و بأنه تركه خليفة في أمور الخدمة لما كان حيا أخزاه الله. و كأنه أعطاه العهد بذلك احرقه الله، مع انه قرح مثله شيطان مريد، أقبح و أقبح من أبيه دمره الله، و لو تلاقى بسيادتك لعذفت ملاقاته لأنه خرق لا عقل له”.
كانت تلك بداية مرحلة طويلة قضاها جون دراموند هاي في المغرب لم تعرف نهايتها إلا في سنة 1886، تمكن خلالها من التوسط لتسوية الخلافات القائمة بين المغرب من جهة و الدنمارك و السويد و اسبانيا من جهة أخرى.
كما استطاع الحصول على موافقة السلطان عبد الرحمان بن هشام على معاهدة تجارية جديدة تم التوقيع عليها بتاريخ 9 دجنبر 1856، كما تمكن من التقرب من السلطان محمد بن عبد الرحمان أثناء المفاوضات العسيرة لاستعادة تطوان من أيدي الإسبان، و من كسب ثقته للدفع به في طريق الإصلاحات، كما نجح في كسب الخليفة المولى العباس و الوزير الطيب بن اليماني إلى جانبه، إلا أن علاقته مع النائب السلطاني محمد بركاش قبيل وفاة السلطان المذكور سنة 1873، لم تكن لتخدم مصالح بريطانيا بحكم النزعة الاستقلالية للنائب السلطاني و رفضه أي محاولة لتدجينه كما حصل مع سلفه محمد الخطيب التطواني.
و استغل دراموند هاي خلافا بين باشا مراكش ابن داوود و تاجر مراكشي محمي من طرف بريطانيا اسمه بوبكر الغنجاوي، لينتزع من السلطان موافقته على تعيين الغنجاوي وسيطا سريا بين السلطان و المفوضية البريطانية بطنجة. فمن هو هذا التاجر المراكشي المغمور الذي أصبح خادما للمصالح البريطانية في مراكش؟
بوبكر بن الحاج البشير الغنجاوي : طريق الشهرة و الثراء
يجهل أصل بوبكر الغنجاوي، و تاريخ ولادته و مكانها، و يصفه الانجليزي كونينغهام كرهام Cunninghame Graham في كتابه “المغرب الأقصى” سنة 1898 بأنه كان “معروفا من الأطلس إلى الريف و من الصحراء إلى الصويرة، مبغوضا و مهاب الجانب لكنه كان يحظى بالاحترام” كما وصفه بأنه ذو أصل مغمور و تطغى على بشرته سحنة من السواد.
كانت بداية الغنجاوي كسائق للجمال المتنقلة بين مراكش و مراسي الجديدة و أسفي و الصويرة، و مكنته هذه الوظيفة من ربط علاقات وثيقة مع التاجر الانجليزي يوناط Hunot الذي كان أخا للنائب القنصلي البريطاني في أسفي و ممثلا في مراكش لمصالح مؤسسة بيري من ليفربول، فكانت هذه العلاقة صلة وصل بينه و بين عالم السياسة و المال.
أصبح بوبكر الغنجاوي المراكشي في بداية سنوات السبعين من القرن التاسع عشر وكيلا لمؤسسة بيري البريطانية في مراكش، و مكنه هذا الموقع من ربط الاتصال برجالات المخزن بمراكش كابن و خليفة السلطان بمراكش سيدي حسن، و عامل مراكش احمد بن داوود، لكنها اتصالات كانت تتم باسم المصالح البريطانية في المدينة، و هو ما تسبب في توتر العلاقات بين الغنجاوي و ابن داوود الذي كان من أقطاب المعارضة للحضور البريطاني في المدينة، فكان أن منع هذا العامل سماسرة التجار الانجليز من شراء الصوف بمراكش طيلة 8 أيام، كما أسكن العالم النباتي الانجليزي هوكير Hooker في خربة بدل إنزاله في دار مناسبة للإقامة فيها.
سيحل الغنجاوي في شهر ماي 1872 بطنجة، ليقدم شكاية إلى النائب القنصلي البريطاني هوارس وايط، يخبره فيها بأن العامل ابن داوود زج في السجن أناسا كانوا يشتغلون معه في الأعمال التجارية لصالح مؤسسة بيري، و أضاف انه فر ليلا من مراكش بعدما أصبحت حياته مهددة بسبب خصمه ابن داوود، فتدخلت المصالح البريطانية في طنجة للضغط على السلطان حتى يوفر الحماية لعملائها و سماسرتها بمراكش.
فوجد السلطان نفسه مرغما على تحقيق هذه المطالب، ليصبح بوبكر الغنجاوي الذي وصفه السلطان في إحدى رسائله إلى بركاش (ماي 1872) بـ “السلكوط”، قادرا على مواصلة مهامه كوكيل للتجار البريطانيين و راع لمصالحهم في مراكش تحت حماية خليفة السلطان و في مأمن من كل اعتداء محتمل من عامل مراكش و أعوانه.
إن وضعية الغنجاوي الجديدة في مراكش قد تمكنه دون شك من نسج علاقات زبونية مع عناصر فاعلة داخل التشكيلة المخزنية المحلية و المركزية تمهيدا لتسخيرها في خدمة المصالح البريطانية و خدمة لمصالحه الشخصية بهدف جمع ثروات طائلة ترتقي به من مجرد سلكوط إلى تاجر كبير بمراكش.
و نتساءل هنا عن علاقة العميل السري بوبكر الغنجاوي بـ “فندق الغنجاوي” الموجود بطريق سوق الجلد، رقم 18، و البالغة مساحته 150 متر، و المملوك إلى يومنا هذا من طرف ورثة الغنجاوي. هل الفندق من ممتلكات ذلك التاجر المراكشي الذي تمكن بدهائه خلال القرن التاسع عشر من تسلق المناصب و مراكمة الثروات ؟
وصل جون دراموند هاي إلى مراكش بتاريخ 5 ابريل 1873 و تمكن بعد نقاش دار بينه و بين السلطان بحضور الحاجب احمد بن موسى من ترقية الغنجاوي، و جعله محميا بريطانيا و نائبا سريا عن رئيس المفوضية البريطانية بطنجة في إبلاغ المراسلات السرية إلى السلطان مباشرة، و نقل الأجوبة السلطانية عنها إلى طنجة بكل ما يتطلب ذلك من السرعة و الكتمان، و كان هذا التعيين/ الترقية يوم 13 ابريل 1873.
كان دراموند هاي قد اتفق مع السلطان محمد بن عبد الرحمان، في آخر زيارة لبلاطه بمراكش في ربيع 1873، على التحضير لتنفيذ برنامج إصلاحي أولي يتعلق بمد خط تلغرافي بين المغرب و أوربا، و بناء رصيف في مرسى طنجة و حاجز لحصر مياه البحر في مرسى الدار البيضاء..و كان الغنجاوي يستعد لنقل وجهة نظر المخزن المركزي بخصوص هذه القضايا إلى رئيس المفوضية البريطانية في طنجة، غير أن وفاة السلطان المفاجئة في شتنبر 1873، حالت دون قيامه بذلك.
و على إثرها بعث الغنجاوي إلى جون دراموند هاي في طنجة ثلاث مراسلات، تتعلق جميعها بموضوع وفاة السلطان و عقد البيعة لابنه المولى الحسن الذي كانت له معرفة خاصة و وثيقة بالغنجاوي منذ كان تاجرا متواضعا يلهث وراء لقمة العيش.
و ننشر هنا نص إحدى هذه الرسائل الثلاث السرية، لأهميتها في الكشف عن الأوضاع العامة بمراكش عشية وفاة السلطان محمد بن عبد الرحمان.
رسالة سرية من بوبكر الغنجاوي إلى د.هاي (F.O.174/89)
الحمد لله.
إلى حضرة صاحبنا المحتريم، المعتبر المعظم، منصطير السلطانة الفاخمات أكرت ابرطن، صَرجان هي درامنض هي.
السلام عليك و رحمة الله عن تمام الخير و دوام العافية، هذا موجب السؤال عنك و عن كافة أحوالك و أعيالك، و من يطوف بجانبك الكل يكون بخير إن شاء الله.
و قد أرسلنا لك مكاتبا عديدة على يدي الخليفة بالجديدة. و على يدي الخليفة بأسفي و على يدي الخليفة بالصويرة. و بينا لك فيهم وفات السلطان سيدي محمد قدس الله روحه، و شرحنا لك فيهم بان ولده الخليفة مولانا الحسن نصره الله قد بايعاه أهل مراكش و نواحيها، و اتفقوا الجميع أهل الآفاق بايالة مراكش على نصره.
و توجهت له البيعة لمروءته و ديانته و خيارته، مع انه من ذوات الفضل طول مدة خلافته، مع صغار سنه حصلت منه النتيجة و النجابة الكثيرة، و ظهر منه الزهد في أمور الهزل.
و على كل حال لا يأتي إلا فيما يوافق الصواب، نطلب الله يسهل أموره و يوفق مرغوبه و يكون مبارك مسعود على العباد جميعا.
و كان وقع الاتفاق مع السلطان المقدس رحمه الله، على قدومنا يوم السبت لحضرتك بقصد المشافهة معك في أمور مصلحة السلك و بناء المون بمرسة طنجة و حصر البحر بالدار البيضة، و تبين كفاية فصال الديون الذي على الولات. و بعد الاتفاق معك و المشافهة تقع الكتبة بكفاية ما اقتضاه نظرك في ذلك، و تتوجه للمقدس تغمده برحمته و يكون في ذلك سددٌ كما تشير، حتى قضى الله أمرا كان مفعولا قبل يوم السبت المذكور، و هو يوم الخميس الذي توفي فيه السلطان.
و تأخرنا عن القدوم حيث وقع تشويش في تلك الساعة في البلاد، و أمرني الفقيه السيد موسى بعد دفن السلطان بعدم السفر لنجلس حتى يقدم السلطان مولانا الحسن، و يتجدد الأمر من انبدائه، لنشرح له كفاية كما كان مع أبيه و كفاية تأخير قضيته مع من ذكر.
و على كل حال يقضى الغرض مع هذا السلطان الجليل، فانه عائق و فائق و رائق المعنى و من ذرة أهل العلم و الفقه و له نجابة، و لنا اتصال و معرفة و محبة أكيدة معه في الخلافة إلى الآن.
و الفقيه سيدي موسى و سيدي عبد السلام البقالي لا زالين في محلهم، و جميع الري كله بيدهم، و مراكش و نواحيها كلهم هانين من فضل الله و لا وقع فيهم تشويش و لا روعة من فضل الله، و كذلك في البوادي باحواز مراكش.
و يوم توفي السلطان تلك العشية، كان القمح بثمانية مثاقيل و وصل إلى ثلاثون مثقالا للخروبة، و الشعير بثمانية عشر مثقالا، و كان قبل بثلاثون وقية، و الملح كانت بمثقالان رجعت إلى خمسون مثقالا. و الاحمل من الفاخر كان بثلاثون وقية رجع بخمسة عشر مثقالا، و الحمل من الأعواد كان بثمانية أواقي رجع إلى خمسون وقية.
و صباح الجمع ذهبت ذلك الغلا و أتوا البواد، و رجعت الأسعار لمحلها الأول بالرخى، و لا وقع تشويش ما عدى تلك العشية. و اليوم الهنا و عدم الروعة في هذه الساعة نطلب الله اللطف لنا و لجميع العباد كلها.
و نحن ملازمين الفقيه و معينين له كما أمرتنا في أمور مصلحة، و شهدنا له في نصر السلطان نحن من الأولين في البيعة، و كذلك جميع أصحابنا و لا قصرنا من الوقوف فوق النهاية.
و إن وقعت تعدير في أمور الذي تحتاج في طنجه أعلمنا بها في الحين لنبعثها لك في البحر و ناتيك في الحين، و أما الشعير و القمح الذي لك وجهت للدار البيضة و الجديدة لأصحابنا ليبعثوها لك في البابور الأول، نطلب الله يصلك و أنت بخيرّ. و إن احتجت للزيت التي كتبنا لك أو غيرها أعلمنا به نشتريه لك و نبعثه لك، و الحاصل جميع ما تريد ها نحن موجودون للخدمة إليه.
و يوم الخميس القابل لتاريخ هذا يكون مولانا الحسن بمراكش، و مع وصوله لمراكش نعلمك. و الشرفاء إخوانه و أعمامه كلهم أعطوه البيعة و نصروه و اتفقوا على نصره، و قد يسر الله و وقع التسهيل الكثير من فضل الله و رضا أسلافه، و جميع العباد كلهم اقبلوه، و علامة التيسير هي عدم الروعة و تيسر الهنا الحمد لله.
و بهذا يجب إعلامك، و على المحبة و الخدمة، و السلام.
و في 24 رجب الفرد عام 17 ] 1290 شتنبر 1873 ].”
(خالد بن الصغير، المغرب في الأرشيف البريطاني : مراسلات جون دراموند هاي مع المخزن 1846)- 1886)، دار أبي رقراق للطباعة و النشر، الرباط، الطبعة الثانية، 2009،ص. 421).
تقدم لنا هذه الرسالة التي تم تحريرها بعد مرور ستة أيام على وفاة السلطان محمد بن عبد الرحمان، عدة معطيات تاريخية تفيد في رسم صورة نسبية للأوضاع بمراكش عشية وفاة السلطان المذكور.
فإلى جانب إخباره لدراموند هاي بوفاة السلطان يوم الخميس (18 رجب الفرد عام 1290هـ/ 11 شتنبر 1873)، يعلن الغنجاوي عن مبايعة ابنه و خليفته المولى الحسن الأول من طرف أهل مراكش و نواحيها.
كما يخبره بإقامته القسرية بمراكش بطلب من الحاجب احمد بن موسى (الفقيه السي موسى) في انتظار وصول السلطان الجديد إلى المدينة. و هو إجراء يعكس تخوف الحاجب من الغنجاوي الذي كان يعمل لصالح بريطانيا بمراكش، و استباقه لأي عمل قد يقبل عليه الغنجاوي.
و يبرز الغنجاوي في رسالته بعض الانعكاسات التي تركتها وفاة السلطان على الأسعار بمراكش، فقد ارتفعت بوتيرة سريعة في يوم واحد، ليصل سعر القمح إلى 30 مثقال للخروبة بعدما كان بـ 8 مثاقيل للخروبة الواحدة. و نفس الارتفاع في الأسعار عرفته مجموعة من المواد الأساسية الأخرى بالمدينة كالشعير و الملح و الفاخر و الخشب.
لكن الأسعار عادت إلى سابق عهدها صباح اليوم الموالي لوفاة السلطان ( الجمعة 12 شتنبر 1873)، بعد تأكد أهل مراكش من استقرار الأوضاع نتيجة مبايعة مولاي الحسن. و هذا يدل على أن الأسعار بالمدينة كانت تخضع لمجموع المتغيرات السياسية التي كانت تلقي بضلالها على مراكش إيجابا أو سلبا.
و يأتي التأكيد في الرسالة على عودة الرخاء و الهنا و عدم الروعة في سياق طمأنة الغنجاوي للمفوضية البريطانية على مصالحها التجارية بمراكش.
إضافة إلى ذلك يخبر الغنجاوي دراموند هاي في رسالته السرية بتاريخ وصول المولى الحسن إلى العاصمة الجنوبية مراكش، ربما بهدف الإعداد للقاء مع السلطان الجديد لمناقشة البرامج الإصلاحية المتوقفة بسبب وفاة السلطان محمد بن عبد الرحمان.
و حول بيعة أهل مراكش للمولى الحسن الأول و خبر وصوله إليها، يقول المشرفي الذي عاصر هذه الأحداث (1839-1916) : “بموت سيدي محمد حاز نجله مولانا الحسن كرسي الملك التي هي مراكش حوزا تاما، بلغ مقصوده فيه بحافظ لذلك، و متخوف منتظر لوقوعه من أعيان الدولة، و هو الفقيه الأشهر السائس الأكبر، السيد موسى بن احمد – رحمه الله – من نصوح أود، و ذلك انه لما صار لعفو الله المولى الإمام، المقدم في كل فضل إمام، أذن من حينه في جمع الأعيان، و أوصى مواليه و العبيد بضرب الرقاب لمن بان منه امتناع أو مناقشة و عتاب، أو بدا منه ما يشعر بالمخالفة فيما يقول من نصر المولى الحسن، ثم قام بعد الاجتماع، و تشوف الكل لما يأمر به و ما يلفظه من الكلام، فحمد الله و صلى على نبيه عليه الصلاة و السلام، ثم اخبرهم بموت السلطان، و أعلن بيعة نجله المولى الحسن، و كان حينئذ بالسوس مأمورا بإصلاحه من والده، فتتابع الناس على نصره، و لم يجد احد بدا من موافقة واحد عصره، و أسرع بالمكاتبة للآفاق، و انتشر الخبر و سقط في أيدي من بقلبه نفاق، و كانت بيعته بمراكش يوم موت والده، و لم يختلف في أهليته لها اثنان، ثم انه لما وصله خبر ما وقع في السير من السوس إلى مراكش، فكان بين موت والده و دخوله لمراكش منصورا و حوزه إياها ثمانية أيام “.
( محمد بن محمد بن مصطفى المشرفي، الحلل البهية في ملوك الدولة العلوية و عد بعض مفاخرها غير المتناهية، دراسة و تحقيق إدريس بوهليلة، منشورات وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية-المملكة المغربية، الطبعة الأولى 2005، الجزء الثاني، ص. 109.)
المراجع المعتمدة :
• خالد بن الصغير، المغرب في الأرشيف البريطاني : مراسلات جون دراموند هاي مع المخزن (1846 – 1886)،دار أبي رقراق للطباعة و النشر، الرباط،الطبعة الثانية 2009.
• خالد بن الصغير، المغرب و بريطانيا العظمى في القرن التاسع عشر (1856-1886)، منشورات كلية الآداب و العلوم الإنسانية بالرباط، سلسلة رسائل و أطروحات رقم 34، الطبعة الثانية 1997.
• خالد بن الصغير، بريطانيا و إشكالية الإصلاح في المغرب 1886-1904، منشورات كلية الآداب و العلوم الإنسانية بالرباط، سلسلة رسائل و أطروحات رقم 62، الطبعة الثانية 2011.