تاريخ المكتبات بمراكش : مكتبة محمد بن الهاشمي ..من سوق الشعرية إلى سوق الطيور
الكاتب:
ذ سمير أيت أومغار مراكش 24
نقصد من وراء هذا المقال إلقاء الضوء على تاريخ الكِتاب بمراكش زمن الحماية، من خلال التعريف بالفضاءات التي تخصصت في عرضه و طبعه أيضا. فالتواريخ التي وضعت لخزائن الكتب و الكتاب بمراكش، لم تلتفت الى تاريخ المكتبات التي تخصصت في بيع الكتاب العربي بمراكش منذ مطلع القرن العشرين. مساهمة بذلك في ربط القارئ المراكشي بالإنتاج الثقافي المغربي و المشرقي. و لعل دراسة دقيقة لهذه المكتبات من خلال إعادة رسم مسار تشكلها و تحديد نوعية الكتب المعروضة و المطبوعة بها سيمكن من التعرف على طبيعة الكتاب المقروء بمراكش زمن الحماية من طرف المُراكشيين.
و قد وقع اختيارنا لأسباب مرجعية بالدرجة الأولى، على مكتبة بالمدينة العتيقة توقفت منذ أمد بعيد عن عرض الكتب، لكن ذكراها لم تزل راسخة في ذهن كل من واضب على زيارتها و اقتناء الكتب منها. إنها مكتبة محمد بن الهاشمي التي كان محلها حسب منشورات المكتبة نفسها و حسب المُعاينة المُباشرة بسوق الشعرية القديم.
لم يكن محمد بن الهاشمي (وُلد على الأرجح سنة 1914) عالما من علماء مراكش أو متعاطيا لمهنة العدالة أو القضاء أو شيء من هذا القبيل، بل كان رجلا بسيطا، و تتجلى ملامح هذه البساطة في الوضع المادي لأسرته، فقد كان والد فلاّحا، و هو ما نعتقد انه حرمه من وضع متميز داخل المدينة. و يتأكد ذلك من خلال عجزه عن متابعة دروسه بالجماعة اليوسفية بمراكش، و تعاطيه لتجارة الكتب التي استغلّ دخلها لتامين لوازم إخوته (فاطنة، مينة و مليكة).
هل كانت تجارة الكتب ضرورة؟ أم اختيارا حُرّا من طرف محمد بن الهاشمي؟ و لماذا لم يشتغل بحرف أخرى كانت لتعود عليه بأجر أكبر؟ لا اعتقد أن الإجابة ستكون سهلة، مادام الشخص المعني بالأمر قد توفي، و بالتالي صار من الصعب معرفة الدافع وراء اختيار حرفة دون أخرى.
كان محمد بن الهاشمي يطوف بالكتب في صندوق خشبي بساحة جامع الفنا في سنوات العشرينيات، لكنه سينتقل في تاريخ غير معروف من لدُن ابنه الى سوق الطيور (سوق الصابرة حاليا) ليبتاع دكانا سيحوله الى مكتبة. ستعرفُ هذه الأخيرة إقبالا كبيرا من لدن أساتذة الجامعة اليوسفية و طلبتها، بسبب عرضه لمنشورات المطابع المغربية و المشرقية كذلك. و هذا راجع لعلاقاته المتميزة مع الناشرين المغاربيين و المشارقة، اللذين زودوه بمطبوعاتهم المتماشية مع الذوق الثقافي العام بمراكش. و قد أطلعني ابنه السيد الهاشمي بن محمد بن الهاشمي على رسالة بعثها محمد الصالح الخماسي مدير مكتبة الخماسي بتونس العاصمة، لمحمد الهاشمي في 27 فبراير 1946 يجيبه فيها عن استفساره حول منشورات المكتبة و حول كتب بعينها، يقول فيها: “الأجل الأديب سيدي محمد الهاشمي حفظه الله…أعلمكم أن مكتبنا أسس لكتابة الخطوط العربية و الزخرفة الشرقية. و قد عنّ لنا طبع يومية جيبية لهذا العام، و تذكار مولد الرسول صلى الله عليه و سلم بمناسبة ميلاده..أما الكتب و المعلقات الفنية التي استرشدتم عنها فخابروا عنها المكاتب العربية كمكتبة المنار و النجاح و الزيتونية و غيرها…هذا ما عندنا اخبرناكم به حسب رغبتكم و السلام. أخوكم المخلص امحمد الصالح الخماسي”.
التحول من بائع متجول الى بائع مستقر ذي علاقات تجارية متميزة مع المطابع المغربية والمشرقية، علامة على انتعاش مشروع محمد بن الهاشمي و تجاوبه مع وسط راغب في توسيع مدلول الكتاب. و ربما كان هذا هو السبب الذي جعله ينتقل للمرة الثانية من المحل المذكور بسوق الطيور الى محل جديد بسوق الشعرية. فالسجل التجاري الخاص بالمحل الجديد، يذكر أن محمد بن الهاشمي فتح مكتبة سماها “مكتبة النجاح المغربية” بالعنوان التالي : 63 زنقة الطالعة بمراكش المدينة، أما تاريخ التسجيل فهو 30 شتنبر 1946.
سيباشر محمد بن الهاشمي انطلاقا من هذه المكتبة بيع الكتب، و لعل تسميتها بالنجاح دليل على أن غالبية روادها آنذاك كانوا من الطلبة بالجامعة اليوسفية و من أساتذة المعهد نفسه. لكنه لن يقتصر على البيع فقط، بل سينخرط في عملية الطبع لمجموعة من النصوص.
من بين مطبوعات مكتبة النجاح الجديدة بمراكش التي وقفنا على بعض نماذجها لدى السيد الهاشمي بن محمد بن الهاشمي :
● القصيدة الفياشية لسيدي محمد البهلول، مكتبة النجاح المغربية. بدون تاريخ الطبع. 12 صفحة.
● كتاب قرعة النّساء، طبعت على نفقة مكتبة النجاح لصاحبها محمد بن الهاشمي الرجراجي الكُتبي، بالطالعة عدد 63 مراكش. فاتح جمادى الثانية سنة 1366هـ. مطبعة الأطلس باب تاغزوت، مراكش. 16 صفحة.
● قصة أبي يزيد البسطامي مع الرهبان، طبع على نفقة مكتبة النجاح بمراكش. بدون تاريخ الطبع. 20 صفحة.
● ابليس اللعين و أعماله في الدنيا و ما جرى له مع سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم حين سأله في أعماله منذ خلق الله سيدنا آدم و كيف كان يفسد في الأرض و يوقع بعباد الله و ما فعله مع الأنبياء و بني البشر. طبع على نفقة مكتبة النجاح بمراكش. بدون تاريخ الطبع. 16 صفحة.
● حساب المريض للحكيم ذو القرنين.
● طوالع النساء أو أبراجهن للحكيم ذو القرنين.
● انشقاق القمر.
● متن ابن عاشر.
● التوحيد (الحمد لله الذي خلقنا الخ).
● جميع أنواع المعلقات و الحجابات.
تجدر الإشارة في البداية الى غياب ذكر هذه المطبوعات في كتاب “المنشورات المغربية منذ ظهور الطباعة الى سنة 1956” للطيفة الكندوز، ربما لعدم وجود نسخ منها بالخزائن العامة، أو لسبب آخر أجهله.
يتضح من خلال لائحة منشورات المكتبة، أن العقيدة و الروحانيات و القصص الخرافية كانت الموضوع الغالب على منشورات محمد بن الهاشمي. و هي مواضيع ما كان ليُقبل على طباعتها لولا وجود طلب عليها بمراكش من فئة خاصة تتعاطى لهذا النوع من الكتابات، كان محمد بن الهاشمي احد أفرادها، إذ كان مُولعا بعلم الروحانيات و الطب الشعبي التقليدي حسب ما رواد لي ابنه الهاشمي. فهل أضافت هذه المنشورات شيئا جديدا للمشهد الثقافي بمراكش؟ يتجلى من خلال عناوين المطبوعات أن فِعل الطباعة لدى محمد بن الهاشمي لم يكن له أي أثر تقدمي على المجتمع، فالمطبوعات تعكس مرحلة ما قبل العِلم التي سادت فيها الأساطير و الخرافات و التجأ فيها الإنسان للطلاسم و الحجابات بدل العقل لحمايته من مختلف الأخطار المحيطة به.
تجدر الإشارة في النهاية الى اشتغال محمد بن الهاشمي باقتناء المخطوطات، التي ساهم بالبعض منها في مسابقة جائزة الحسن الثاني للمخطوطات و الوثائق. فقد أحرز سنة 2003 على الجائزة التشجيعية الأولى عن مشاركته بمخطوطات منها مؤلف في سر الحروف، ومخطوط في مصطلح الحديث، و صحيفة في علم الكيمياء..، و في سنة 2004 نال مجددا الجائزة التشجيعية الأولى عن مشاركته بمجموعة من المخطوطات أبرزها مجموع يشتمل على ثلاثة مؤلفات في علم التوقيت، و كتاب في النوازل تم جمعه عام 1180هـ من طرف أحمد بن إبراهيم التملي السوسي.
توفي محمد بن الهاشمي سنة 2009 و دُفن بمدينة المحمدية. أما مكتبته فأمست محلا لبيع المصنوعات الخزفية و النحاسية و البطائق البريدية للسياح..فضاعت بذلك حلقة من حلقات تاريخ الكتاب بمراكش.