صابون تازة ,,, عبارة شعبية بمراكش تحمل دلالات تاريخية لمدينة منسية
عبد الحميد زويتة
عادة ما يستعمل المراكشيون عبارة “صابون تازة” لوصف أشكال المكر والخديعة والمؤامرة ووصف الحلول المعقدة أو المستحيلة في الحياة اليومية وخصوصا عندما يتعلق الأمر بالمؤامرات المحبوكة مسبقا بطرق ماكرة تجعل الضحية يتيه بين عدد من الزوايا دون أن يتمكن من الدفاع عن حقه أو حتى إيجاد صيغة مناسبة للدفاع عن موقفه وكسب تعاطف من لدن المقربين وأشهر المقولات الأ كثر تداولا هي “هادشي خاصنا معاه ..صابون تازة ” تلميحا من أهل مراكش للمسائل المعقدة أو تلك التي يستحيل حلها
ومن جانب أخر هناك طبقة أخرى من المراكشيين تستعمل كلمة صابون تازة لوصف الشروط التعجيزية التي يضعها المسؤولون لحل مشكلة أو أخرى دون أن يتمكن الطرف المتضرر من إحراز أي تقدم لا على مستوى الحوار ولا على مستوى المكتسبات
وحتى إن إختلفت القصص الشفهية العديدة التي تناقلها الأجداد حول “صابون تازة ” إلا أن أقربها للتصديق لدى المغاربة هي تلك التي تحكي أن المقاومين القاطنين بمدينة تازة والضواحي كانوا أيام الإستعمار شرسين في التصدي للمستعمر و رجال أوفياء بالعهد لدرجة قصوى ولا يمكن في أي حال من الأحوال أن يتراجعوا عن عهودهم
وتحكي القصة أن قوات الإستعمار الفرنسي إحتجزت أحد رجال المقاومة الذي كان يتزعم فرق مقاومة الإستعمار الفرنسي ويعمل في مجال صناعة الصابون الشهير بإسم صابون تازة وبعد أن شاع الخبر وسط الساكنة تنقلت حشود غاضبة من الجماهير التازية نحو الثكنة العسكرية التي تم بداخلها إحتجاز المقاوم المذكور وهو ما فاجأ الضابط العسكري الفرنسي ووضعه في محنة لا يحسد عليها خوفا من إشعال فتيل مواجهات بين المغاربة والمستعمر الفرنسي
الضابط العسكري الفرنسي كان يعرف مسبقا أن المغاربة القاطنين بمنطقة تازة يحترمون عهودهم بشكل حازم ولا يمكن أن يتراجعوا عن إلتزاماتهم مهما كلف الثمن , فإعتمد هذه المعلومة للإيقاع بكافة الغاضبين في دوامة شيطانية ماكرة وقال للغاضبين أن سبب توقيف المعني بالأمر راجع لموقفه الرافض لصناعة صابون تازة الحقيقي وتقديمه لسيدة فرنسية كان قد وعدها بذلك وأن الشرط الوحيد لإطلاق سراحه هو إحضار صابون تازة الحقيقي
الكلام الذي أدلى به الضابط الفرنسي للحشود الغفيرة أصابهم بنوع من الغرابة كيف أن إبن مدينتهم المعروف بمصداقيته داخل كل الأوساط سقط في خطأ مثل هذا ما دفعهم لتقديم مقترح على شكل عهد جماعي لضابط الإستعمار الفرنسي يقضي بإحضار صابون تازة الحقيقي والأصيلي في اليوم الموالي مقابل إطلاق سراح المعتقل دون أن يمسه أي مكروه
وفي اليوم الموالي حضر السكان لمكتب الضابط العسكري الفرنسي مثلما تم الإتفاق عليه حاملين عشر أكياس من أجود ما تمت صناعته من صابون تازة الأصلي والحقيقي قبل أن يفاجأهم المتحدث الفرنسي بأن له وثيقة قديمة ونادرة صادرة عن إمام مسجد مشهور تبرز أن صابون تازة الحقيقي الموجود في المغرب له 5 خاصيات أهمها على الإطلاق هو أن له خصائص منح الحيوية والإحساس بالراحة لمستعمله ’ وثاني الخصائص هو أن صابون تازة يصلح أيضا لتلميع شعر المٍرأة والخاصية الثالثة هو أنه يداوي التقرحات الجلدية والخاصية الرابعة هو أنه مضاد للإصابة بالتقرحات الجلدية والخاصية الخامسة هو أنه يطيل شعر المٍرأة بشكل مبهر
وإشترط الضابط الفرنسي على مفاوضيه إنتظار 3 أيام لتجريب الصابون وإن أظهر صابون تازة نتائج فعلية فسيتم إطلاق سراح المعتقل ,,,,, وبعد مرور 3 أيام حضر المفاوضون ثقة منهم في نتائج صابون تازة غير أن الضابط الفرنسي سيكشف لهم بالملموس عبر إحضار سيدة فرنسية أن النتائج الحقيقية صادمة وأن ما تم إحضاره ليس صابون تازة بل هو صابون أخر بعيد كل البعد عن صابون تازة الحقيقي
النتائج الصادمة جعلت المغاربة الغاضبين في حيرة من أمرهم بين من قرر القيام بتظاهرة مسلحة ضد الجنود الفرنسيين وبين المصرين على ضرورة إحترام العهد الذي سبق وقدموه للضابط الفرنسي بإحضار صابون تازة
ومرت الأيام والأسابيع دون أن يتمكن السكان من إحضار صابون تازة وإزداد الضغط النفسي والإحساس بالندم على التسرع في إعطاء وعد بناءا على معطيات فضفاضة غير دقيقة ترتكز على أقوال حماسية لا يمكن إعتمادها كمعيار لإطلاق سراح إبن المنطقة المعتقل
ومرت الشهور والسنين وقدم السكان المئات من النماذج مما أبدعه صناع الصابون بالمنطقة دون أن يحرزوا أي تقدم يذكر قبل أن يعلموا أن المعتقل قد توفي وسيتم تسليم جتثه لذويه وأهله بسبب عدم إحضار صابون تازة الحقيقي من طرف الساكنة وسرت الإشاعة بشكل خطير وأصبح السكان الذين إلتزموا بالوعد محط إنتقادات واسعة من طرف العديد من السكان الذين كانوا يجهلون أن السبب الرئيسي في وفاة المعتقل ليس هو غياب صابون تازة ولكنها الشروط التعجيزية والماكرة التي وضعها الفرنسيون بإستغلال الوازع الأخلاقي لسكان تازة والذي يقضي بالإلتزام بالعهد وإحترام كلمة الشرف
العبرة التي إستنتجها عموم المغاربة من درس “صابون تازة” هو أن الشروط التعجيزية التي لا يضعها إلا الطرف الأخر دليل واضح على المكر والخديعة وإستغلال الثقة العمياء
وفي يومنا هذا ورغم إحراز المغرب للعديد من المكتسبات التنموية الرائدة في أغلب المدن والقرى إلا أن مدينة تازة لا زالت واحدة من المدن التي تعيش حركة من الجمود التنموي يجعلها مدينة منسية بكل المقاييس فلا المنتخبين المتعاقبين على تدبير شؤون المدينة نجحوا في إخراجها من الشلل التنموي ولا رجال السلطة أفلحوا في العمل وتنفيذ التوجيهات الملكية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس
وعلى العموم نتمنى صادقين أن تفرز الإنتخابات البرلمانية القادمة نخبة جديدة من نواب الأمة قادرين على تخطيط برنامج تنموي فعال وناجع يعتمد على برامج حقيقية لا علاقة لها ب”صابون تازة”