تغييب الوعي : الدور الخفي لوسائل التواصل الإجتماعي
عبدالرحيم أزنزوم
لا شك أن مواقع التواصل الإجتماعي أصبحت جزءا لا يتجزأ من حياة الأفراد والمجتمعات، وأصبحت المزود الرئيسي بالمعلومة ومصدر الخبر الأول، بل وحتى المسلط البديل للضوء على بعض القضايا التي لا يثيرها الإعلام الرسمي أو الموازي، وهي حسنات وإيجابيات أملاها التطور الرقمي وحاجة الأفراد إلى مساحة أكبر للتعبير في ظل المنظومات والقوانين وأحيانا عدم القدرة على التعبير، سواء لحساسية المواضيع المطروحة أو للقيود المفروضة على حرية التعبير في كثير من الدول، لكن السؤال المطروح : هل كل ما تمثله وسائل التواصل الاجتماعي يعد صحيا أم أن هناك سلبيات لا نستطيع الوصول إليها؟
إن عشاق المقارنات يكتفون بتعديد حسنات مواقع التواصل الإجتماعي لتقرير أفضليتها ونجاعتها، لكن الخطير في الأمر أن الإنسان اليوم أصبح يكتفي بمواقع التواصل الاجتماعي فقط للنهل والإطلاع، وهو أمر كارثي للغاية، يؤدي إلى فوارق كبيرة في المدارك بين من يقرؤون التعاليق والأخبار، وأولئك الذين يطالعون الاطروحات وأمهات الكتب، وهو ما من شأنه أن يكرس ثنائية النخبة والقطيع، التي بدورها تفصل اكثر من نصف المجتمع عن الوعي وليس عن المعلومة، والوهم القائل بأحقية كل شخص في الوصول إلى المعلومة إنما يسجن العقل البشري في إطار تتبع الأخبار فقط، والواقع أن العقل البشري يحتاج إلى الأفكار والقدرة على تحليل مايدور حوله عوض انتقاذ الأوضاع الجاهزة، وبالتالي قد يستطيع الافراد يوما الحكم على السياسات عوض الحكم على الاشخاص وهو السمة السائدة في المجتمعات، خصوصا العربية ; حيث لا يستطيع الفرد اليوم تحليل الوقائع أو الأحداث ويكتفي فقط بالحكم على الأشخاص أو من بيدهم سلطة القرار وفق ما اطلع عليه في مواقع التواصل أو متأثرا برأي أحد من الإعلاميين أو القدوات الجوفاء التي اكتسحت العالم (المغنيون /اصحاب القنوات والمحتويات الفارغة /الراقصات…… وغيرهم).
كل ذلك يؤدي بالضرورة إلى نوع من الحركية والضجة السطحية يخلقها مجموعة من الاشخاص يتوهمون أنهم أقوياء لمجرد امتلاكهم موقعا أو صفحة داخل فضاء رقمي، يستطيعون من خلاله تغيير الأحداث والأوضاع وهو أمر مستبعد، لأن تغيير مسار الأمم يتم بالوعي والثقافة و بالإنخراط في العمل الميداني بعيدا عن الشاشات والشخصيات المزيفة.
الكل يملك هاتفا لكن الجميع لا يمتلك مكتبة.