جون أفريك: المملكة المغربية تدبر بنجاح أزمة كورونا
أفردت مجلة “جون أفريك” الفرنسية ملفا للحالة الاقتصادية والسياسية والصحية بالمملكة المغربية، مشيرة إلى أن اللجوء إلى الحجر الصحي كان قد تقرر في أوانه مع مجموعة من التدابير الهادفة إلى دعم الاقتصاد وكذا تحسين المساعدة الاجتماعية، متسائلة في ذات السياق، “بما أن الفيروس أبان عن مقاومة هل تتمكن المملكة من الحد من آثاره المدمرة؟”
سيرورة إجراءات ناجحة لمحاربة وباء “كورونا”
شُرع في تطبيق هذه الإجراءات، تقول المجلة، يوم الخميس 12 مارس خصوصا عند الدول الأوروبية المجاورة، عندما بدأ وباء “كوفيد 19” يحصد حياة الآلاف من الأشخاص، حينها تبين بأن المملكة كانت أكثر واقعية حول قدراتها على مواجهة هذه الأزمة الصحية، متخذة جملة من التدابير القوية والسريعة.
وابتداء من نفس اليوم، تضيف المجلة الذائعة الصيت، شرعت المملكة في إغلاق حدودها وبعد أسبوع دخل المغرب كله تحت طائلة الحجر الصحي حيث بدأت المركبات المدرعة التابعة للقوات المسلحة تجوب الشوارع من أجل فرض احترام حالة الطوارئ الصحية. هذا الجو المروع جعل المغاربة يخشون الأسوأ، والكثير منهم كان بعيدا عن تخيل أن مملكتهم ستتخذ كمثال على المستوى الدولي نظرا لإدارتها للأزمة الصحية. لهذا وبسرعة وبخطى حثيثة وبعد أسابيع من الحجر الصحي، تمكن المغرب من إعادة بناء نفسه.
وبهذا قال أحد الأطر في السلطة التنفيذية “البلاد خرجت من الحجر الصحي، مع العديد من الإنجازات، في المجال الصحي تم تحديد، مثلا، عدد الأشخاص ذوي الوضعية الهشة، بالإضافة إلى العديد من الإنجازات على المستوى الصناعي وفي مجالات الرقمنة والدفع الإلكتروني، حيث أن هذه الأزمة الصحية كانت حافزا لتحقيق السرعة في الانجاز، والعديد من الأشياء التي كنا نظن أنها مستحيلة التحقيق تبين أنه يمكن إنجازها”.
كانت هذه الاستراتيجية النشطة والاستباقية ممكنة بفضل تولي زمام أمور إدارة الأزمة مباشرة من طرف القصر، وبدءا من الأيام الأولى حدد الملك مسار الأمور بعقد العديد من الاجتماعات، وتم تشكيل فريق عمل لإدارة مشاكل السلامة والصحة مسبقا بحيث تم إعطاء التعليمات على أن جميع الإدارات يجب أن تكون مبدعة وفعالة في سياق جديد.
وقد ترجم التدخل الشخصي للملك محمد السادس بالإنشاء السريع لآلية تضامن، ألا وهو الصندوق الخاص لإدارة جائحة كوفيد 19، والذي سيظهر فعاليته من حيث الرفع من مستوى الجهاز الصحي وتخفيف الآثار السوسيو اقتصادية. وقد ساهم العاهل المغربي من خلال الهولدينغ الملكي بهبة مالية قدرها ملياري درهم. ودخلت كل من المجموعات الاقتصادية الكبرى وكذا أصحاب الثروات الكبرى على الخط، وتم تزويد الصندوق بحوالي 35 مليار درهم.
وأبى العاهل المغربي إلا أن يضطلع بمسؤولياته بصفته أميرا للمؤمنين عبر إغلاق المساجد بعد استشارة مجلس العلماء إثر إعلان حالة الطوارئ الصحية يوم 20 مارس، وهي سابقة بالمغرب.
هذا وقد تم حشد جميع الفعاليات بما في ذلك العسكرية حيث انضم الأطباء العسكريون لتعزيز صفوف زملائهم المدنيين في المستشفيات العمومية، بالإضافة إلى ذلك، تم إحراز تقدم كبير من حيث تحديد هوية واستهداف الأسر الفقيرة. بالإضافة إلى العاملين المسجلين لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS) من قبل المؤسسات الذي وجدت نفسها في وضع صعب، وقد تمكنت السلطات من الإفراج عن المساعدات لدعم الأسر الفقيرة المستفيدة بالفعل في مخطط المساعدة الطبية (راميد)، وخصوصا العاملين في القطاع غير المهيكل.
الانقسام بين السياسيين والتكنوقراط
في جميع الفرق الحكومية التي تعاقبت في المغرب على مدى السنوات العشرين الماضية، يمكن ملاحظة الانقسام بين السياسيين والتكنوقراط ذوو الخبرة. تقول المجلة، الأوائل معظمهم يحصلون على الحقائب الوزارية بفضل موقعهم داخل الأحزاب – التي اكتسبت شرعيته من داخل صناديق الاقتراع- حيث يظلوا مخلصين في الغالب لخط تدريبهم، أما الآخرون فيتم تجنيدهم من داخل الأوساط التجارية لكفاءتهم وليست لديهم أية شرعية انتخابية، وعلى الرغم من أنه غالبًا ما ينتهي بهم الأمر بالانضمام تحت غطاء سياسي ما، ونادرا ما يختلطون بالحياة الحزبية.
وفي وقت الأزمات، اتسعت الهوة بين الاثنين، وفي نظر الجمهور العام ارتفع الشعور بأن “التكنوقراط” يعملون أفضل من “السياسيين” وقد تعزز الأداء الفردي للوزراء في الحرب ضد “Covid-19″، على مستوى المخططات الصحية والاقتصادية والاجتماعية، ويشعر المغاربة أنه لا يجب عليهم الاضطرار إلى الاختيار بين الشرعية الانتخابية والكفاءة، يبدو أنهم في الغالب يشعرون بالذهول أمام عجز الأحزاب لاستقطاب الكفاءات المختصة أو إعطاء فرصة لمن يستحق ضمن مناضليهم.
وفي ذات السياق أضافت الجريدة : “الانتخابات القادمة البلدية والإقليمية والتشريعية وانتخابات مجلس المستشارين، تم الحفاظ عليها كلها في عام 2021، ومن هنا جاءت مطالب قوية بشكل متزايد، لجزء من النخبة السياسية والمجتمع المدني من أجل تكوين حكومة التوافق الوطني حيث ستشكل طريقة للضغط على الأحزاب السياسية لتقديم وجوه أكثر كفاءة، مشيرة المجلة، إلى أن المروجين لهذا النموذج ذكروا أن الصيغة كانت فعالة إلى حد ما من 2002 إلى 2007، في غضون حكومة إدريس جطو. وقد كانت فرصة للأحزاب السياسية لاستقطاب كفاءات لم تكن لتلتحق بهم في ظروف أخرى، لذا قد تكون التجربة تستحق المحاولة مرة أخرى”.
من جهته قال عبد اللطيف الجواهري والي بنك المغرب عن الأزمة التي خلفتها جائحة “كوفيد 19” التي ضربت المغرب في مارس، “هذه أسوأ أزمة عرفتها البلاد، فهي أقبح من سابقاتها، هي كونية، صحية، اقتصادية، مالية واجتماعية”.
وقد اكتشفت المملكة الحالة الأولى لفيروس كورونا في 2 مارس وتم الإبلاغ عن حوالي 17000 حالة وأكثر من 270 حالة وفاة حتى 20 يوليو، ومنذ 20 مارس، قررت الحكومة فرض حالة الطوارئ الصحية وفرض الحجر الصحي الصارم والمعمم، التي تظل الطريقة الوحيدة لحماية السكان.
وأيضا لتفادي الاكتظاظ في المستشفيات بسرعة بسبب نقص الأسرة، وحسب مصادر صحية، بعد مرور 4 أشهر عن بداية الجائحة تبقى الحالة في المغرب نسبيا “حسنة” ولكن على المستوى الاقتصادي هناك تضرر كبير والعودة إلى الحياة العادية بدأ تدريجيا مند 11 يونيو و يلزم انتظار عدة شهور لتقييم مدى تأثير الأزمة الاقتصادية على الصحة السوسيو اقتصادية للمملكة، وما هو مؤكد هو أن “كوفيد 19” ستكون له انعكاسات على التقدم الحاصل الذي أحرزه المغرب خلال الأعوام الأخيرة.
بما أن الاقتصاد المغربي تضرر من الأثر المزدوج للجفاف والتدابير الصارمة للحد من تفشي جائحة كورونا سوف يظهر انكماشا نبسبة 5.2٪ في 2020 حسب عبد اللطيف الجواهري، الشيء الذي سيجعله أسوأ عام منذ عام 1996. ويجد هذا الركود أصله في إيقاف خطوط الإنتاج لأنه رغم أن بعض المجالات قد ظلت تشتغل عادية مثل الصحة والتجارة والتوزيع، إلا أن الاقتصاد قد تضرر كثيرا بسبب التوقف المفاجئ للكثير من الأنشطة، حوالي 6 شركات من أصل عشرة قد توقفت مؤقتا أو أغلقت نهائيا أبوابها. مما أدى إلى فقدان 72600 منصب شغل، حسب المندوبية السامية للتخطيط.
وللحد من هذه التداعيات، وبمبادرة ملكية، تم خلق وبسرعة صندوق ضد الأزمة والذي تم تزويده بحوالي 35 مليار درهم، فيما سارعت الحكومة بدورها إلى وضع لجنة يقظة اقتصادية برئاسة محمد بن شعبون وزير المالية من أجل مساعدة الشركات ومساعدة العائلات الهشة.
أما في ما يخص قطاع النسيج فقد شهدت صناعة المنسوجات في المملكة تحسناً استثنائيا، بعد أن أصبح القناع إلزاميًا في 6 أبريل. وفي اليوم الموالي، ولتلبية احتياجات السكان، حشدت السلطات 34 مصنعاً بمعدل إنتاج 5 ملايين وحدة يوميا. والأفضل من ذلك، بما أنه تمت تلبية الطلب الوطني بالكامل، سرعان ما أثبتت المغرب نفسه كبطل عالمي في تصدير أقنعة لعامة الناس، والتي وصل إنتاجها اليومي الآن إلى 7 ملايين وحدة.
مجال الاتصالات والتوزيع
الاتصال بالأقرباء، العمل عن بعد، والتداول عن طريق الفيديو، فقد تمكنت الشركات الثلاث المحلية اتصلات المغرب إينوي وأورانج من اجتياز امتحان أزمة محاربة “كوفيد 19” بنجاح حيث تمت ترقيتهم “خدمات الاحتياجات الأولية” إذ أنهم عرفوا خلال الحجر الصحي ضغطا كبيرا وصل إلى 40 في المائة لدى الشركات الثلاث. تقول المجلة.
وقبل الإعلان عن الحجر الصحي قام المغاربة باقتناء كل الحاجيات الضرورية، حيث أن مبيعات الأرز والقطاني قد تضاعفت خلال الأسابيع الأولى للأزمة، وبالنسبة لمبيعات لوازم النظافة فقد انفجرت برقم معاملة مضاعف ثلاث مرات عن الأيام العادية.
وخلال هذه الأزمة عرفت التجارة الإلكترونية إقبالا كبيرا وإقلاعا مهما، وكذا عدد من الشركات والمحلات التجارية التي ترغب في تجهيز نفسها بوحدة الدفع عبر الإنترنت. وبالنسبة إلى المركز المصرفي بين البنوك (CMI) فقد كانت نتائج الربع الأول من العام 2020 مرتفعة بشكل صاروخي بنسبة زيادة وصلت إلى 25.3٪ مقارنة في الربع الأول من عام 2019، بما عدده 2.8 مليون معاملة.
يمثل رقم معاملة أكثر من 1.4 مليار درهم (127 مليون أورو)، بحسب ميكائيل الناصري، المدير العام ل (CMI)، وقد قفزت المعاملات عبر الإنترنت ب 60٪ بين بداية أبريل ومنتصف ماي مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وبحيث سوف يكون هناك القليل من الآثار في عادات استهلاك المغاربة.
تأثير “كورونا” على مجال السيارات
إن إغلاق خطوط إنتاج اثنين من مصانع “رونو” وواحد من “PSA” لمدة شهر ونصف كان لها تأثير سلبي على قطاع السيارات بأكمله، وعلى وجه الخصوص على 250 من مصنعي معدات العمل في أعقاب الذين يعملون في اثنين من الشركات المصنعة والتي توظف حوالي 180 ألف شخص.
القطاع الذي يمثل 6.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي، و27٪ من صادرات الدولة ورقم معاملة لأكثر من 7 ملايير أورو في عام 2019 يعرف استئنافا خجولا للنشاط منذ نهاية أبريل. لا يمكن للأزمة تشجيع البنائين لزيادة مستوى التكامل، الذي لا يتجاوز 60٪ في أحسن الأحوال.
لذلك لن تؤثر مساعدات الطوارئ على مستوى الدين العام القروض، ولا سيما تلك من البنك الدولي (325 مليون بالدولار) وصندوق النقد العربي (211 مليون دولار) الفلاحة الأمطار لم تكن في الموعد والقطاع الزراعي (12 في المائة من الناتج المحلي) سيعرف أسوأ موسم حصاد منذ مدة مع انخفاض ب44 في المائة بالمقارنة مع سنة عادية، حسب توقعات وزارة الفلاحة. من المتوقع أن تكون الحصيلة في حدود 30 مليون قنطار، فإنتاج الحبوب سوف يعرف تراجعا ب42 في المائة بالمقارنة مع سنة 2019 و60 في المائة بالنسبة للخمسه أعوام الماضية.
إن السياحة هي أحد القطاعات التي عانت أكثر من غيرها فالقطاع يمثل 7٪ من الناتج المحلي الإجمالي في المغرب، حيث أن جل الفنادق تقريبا قد أغلقت أبوابها لعدم وجود زبائن. ففي بداية يوليوز تلقى المشغلون بعض الإشارات المشجعة حول استئناف لاحق محتمل. الهيئة الوطنية للسياحة (CNT) قيمت خسائر القطاع إلى أكثر من 34 مليار درهم عام 2020 (مقابل 78.6 مليار درهم) درهم إيرادات عام 2020 م) مع حوالي نحو 6 ملايين سائح أقل.
حتى لو افترضنا، تقول المجلة، بأن الانخفاض في أرقام الزوار الأجانب سيتم تعويضه بالسياحة المحلية، يعتقد البنك التجاري (CFG) أن عدد الإقامات الليلية سوف ينخفض ب 30٪ في عام 2020 (25.2 مليون في عام 2019). خصوصا في الوقت الراهن حيث أن استئناف تشغيل المؤسسات لن يتم سوى ب 50٪ من قدرتها من أجل احترام القيود الصحية والتباعد الجسدي المعمول به في المملكة.
وقالت المجلة إن المغرب سوف يخرج من هذه الأزمة الصحية بخبرة إضافيةوثقة في قدراته الجوهرية. و يمكن للمملكة أن تفخر بمهارتها في إدارة الأزمات، حيث استخدمت الدولة ترسانتها الكاملة للحفاظ وحماية اقتصاد البلاد.
فالدولة المغربية قامت بتخفيضات وتأجيلات مالية واجتماعية للاقتصاد المنظم ودعم من أجل الحفاظ على سيولة البنوك حتى تستطيع الشركاتالإقلاع من جديد، بتأجيل تاريخ الاستحقاقات وقروض نقدية لمرة واحدة، مع منح القطاعات غير المهيكلة أو غير القادرة على الاستفادة من الحلول لمذكورة أعلاه؛ ومساعدة مباشرة لملايين الأسر بدون تغطية، فالكثير من الإجراءات تستحق التحية.