خلال سنة 2022.. الفعل الثقافي ينبعث من رماد الركود بعد سنوات عجاف
مريم الرقيوق – و م ع: باتت الحياة الثقافية تستعيد رونقها خلال سنة 2022، بعد ركود استمر لسنيتين جراء الأزمة الصحية الناجمة عن كوفيد 19، الأمر الذي حدا المبدعين والجمهور للأمل في رفع القيود الصحية حتى يتمكنوا من التردد على دور السينما والمسارح والمتاحف والفضاءات الثقافية الأخرى، التي هجروها على مضض للمساهمة في منع تفشي الوباء.
وبتوالي التظاهرات الثقافية، من مهرجانات وعروض ومعارض ومتاحف وندوات وموائد مستديرة، تمكنت البانوراما الثقافية، بكل تلاوينها، من استعادة بريقها، بعد عامين حالكين لم يسهما سوى في فتح شهية المغاربة في الأعمال الفنية والفكرية.
واستمتع عشاق الثقافة، بالمعنى الواسع للمصطلح، من طنجة إلى الكويرة، بمجموعة من المناسبات والتظاهرات الفنية على مدار العام.
وهكذا، شنف عشاق الموسيقى أسماعهم بنسخة استثنائية جديدة من مهرجان كناوة، الذي استفاد من سنتين من التوقف لتجديد نفسه والعودة في حلة جديدة هي “جولة مهرجان كناوة”، التي كان لها موعد، من 3 إلى 24 يونيو 2022، مع جمهورها في مدن الصويرة ومراكش والدار البيضاء والرباط.
وخلال هذه المحطات الأربع الجديدة والجريئة والفريدة من نوعها، تمكن عشاق هذه الموسيقى الرائعة والمتعددة التأثيرات من الاستمتاع بـ 13 حفلا موسيقيا، ضم أكبر الأسماء في موسيقى الجاز والبلوز والموسيقى الإفريقية و(الفولك) و(الفانك) والموسيقى الكوبية والأفرو-بلوز، وغيرها.
وفي وجهة أخرى، وأولوان غنائية أخرى، يستوقفنا مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة، في نسخته السادسة والعشرون، التي نظمت في الفترة من 9 إلى 12 يونيو، والتي زينت سماء العاصمة الروحية بإيقاعات الأغاني والابتهالات التي يتردد صداها في كل بقاع العالم.
وحضر برنامج هذه النسخة، التي أقيمت حول موضوع “المعمار والمقدس”، فرق فنية من حوالي خمسة عشر دولة، بما في ذلك سلطنة عمان وكازاخستان والهند وفرنسا وإيطاليا والسنغال.
وفي الرباط، خففت الألحان الدافئة للموسيقى الإفريقية والعربية، وتلك القادمة من أمريكا الشمالية، خلال النسخة التاسعة لمهرجان “فيزا فور ميوزيك”، من برودة أولى أيام الخريف.
وقد أقيمت هذه النسخة من المهرجان والملتقى الدولي للموسيقى الإفريقية والشرق أوسطية في الفترة من 16 إلى 19 نونبر، في إطار الاحتفال بالرباط عاصمة الثقافة الإفريقية 2022، وقدمت للجمهور أربعة أيام مكثفة من اللقاءات الفنية وحفلات موسيقية لا تنسى، إلى جانب أنشطة للتبادل الثقافي وأوراش العمل وحلقات نقاش جمعت 202 فنانا ومهنيا من 70 دولة، ضمنهم حوالي 30 إفريقيا، بالإضافة إلى 19 مؤتمرا وشبكات للتواصل وحوالي 16 ألف متفرج.
كما تنسم عشاق السينما، من جهتهم، هواء عليلا في عام 2022، وذلك مع إعادة فتح المسارح واستئناف التصوير وعودة المهرجانات، هذه المرة بصيغة حضورية كاملة.
وبمجرد حلول فصل الربيع، رافق عودة دفء الشمس اخضرار مروج الفن السابع، إذ بدأت الآلة السينمائية في الاشتغال من جديد، مما أسعد روادها التواقين لاكتشاف أحدث ما في السينما الوطنية والعالمية، بعد عامين من “التوقف”.
ومن المواعيد البارزة في البرنامج السينمائي للسنة الجارية، مهرجان السينما الإفريقية بخريبكة، الذي احتفى في نسخته الثانية والعشرون (من 28 ماي إلى 4 يونيو) بالسينما البوركينابية، وشهد تتويج السينما الوطنية بنيل المخرج المغربي محمد مفتكر الجائزة الكبرى للدورة عن فيلمه “خريف التفاح”.
ومن بين الأحداث الثقافية البارزة الأخرى، نذكر المهرجان الوطني للفيلم بطنجة (من 16 إلى 24 شتنبر)، والذي عاد في نسخة “22” غنية بشكل خاص، كما لو تعلق الأمر بتعويض عن الوقت الضائع بسبب التوقف الذي فرضه سياق الجائحة.
وشهدت التظاهرة منافسة بين 105 أعمال سينمائية، أي 85 ساعة من العرض، وحوالي 10 آلاف متفرج، خلال هذه الدورة التي حققت نجاحا كبيرا على المستوى التنظيمي والفني والسينمائي، والتي عكست دينامية ونضج الفن السابع الوطني، الذي يتقدم ويغزو العالم ببطء ولكن بثبات.
ولأن السينما مرآة لتنمية المجتمع وقناة قوية للتثقيف في مجال حقوق الإنسان، وحليف قوي لقضية المرأة، فكان من الضروري تسليط الضوء على الدورة الـ 15 للمهرجان الدولي لفيلم المرأة بسلا، الذي أقيم في الفترة من 26 شتنبر إلى 1 أكتوبر.
وتنافس خلال هذه النسخة، التي منحت جائزتها الكبرى للفيلم الروائي الطويل “نينجا بيبي” لمخرجته النرويجية، ينجفيلد سف فليك، 26 عملا سينمائيا من 19 دولة أوروبية وأمريكية جنوبية وإفريقية وآسيوية، مع منح السينما الإفريقية مكانة مشرفة من خلال أفلام روائية طويلة وأفلام قصيرة، تقارب أوضاع المرأة في مختلف المجتمعات الإفريقية.
موسم أصيلة الثقافي الدولي، بدوره لم يخلف موعده، وهو حدث بارز آخر في الموسم الثقافي، واختار حلة جديدة في عام 2022، حيث اختار المنظمون إقامة الدورة 43 للموسم في دورات الصيف والخريف، بدءا من 30 يونيو.
وخصصت الجلسة الأولى (30 يونيو – 24 يوليوز) للفنون التشكيلية بورشة عمل للرسم بمشاركة 12 فنانا في أزقة المدينة العتيقة بأصيلة. أما الدورة الثانية (16 أكتوبر – 5 نونبر) فقد شهدت تنظيم عدة مؤتمرات في إطار الدورة السادسة والثلاثين لجامعة المعتمد بن عباد الصيفية، بمشاركة باحثين ومثقفين وخبراء أفارقة وعرب ودوليين.
واستمتع عشاق الكتاب من جانبهم بعودة المعرض الدولي للكتاب والنشر المرموق، الذي أقيم هذه السنة في الرباط، التي أعلن عنها “عاصمة الثقافة لإفريقيا والعالم الإسلامي 2022”.
كان مكانا استثنائيا للنسخة السابعة والعشرين الاستثنائية، التي تركت بصمة بارزة، بزوارها الذين بلغ عددهم 202.089 زائر، و100 ألف عنوان، ومليوني نسخة معروضة من قبل 712 ناشرا من 55 دولة، و1.5 مليون كتاب تم بيعها في نهاية العشرة أيام من هذا المعرض الكبير.
وكان 2022 عاما جيدا كذلك بالنسبة لمتاحف المملكة التي سارعت، مستفيدة من تحسن الوضع الصحي، إلى فتح أبوابها للترحيب بالجمهور المتشوق لاكتشاف الثروة الثقافية والفنية والأثرية في المغرب.
وفي هذا الصدد، يستضيف متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر بالرباط معرضا للمصور الفوتوغرافي التهامي النضر، بعنوان “قصيدة سوداء” في الفترة من 22 يونيو 2022 إلى 30 يناير 2023.
كذلك، سيقام المعرض الافتتاحي للمتحف الوطني للموسيقى، الوافد الجديد على المشهد المتحفي بالمغرب، والذي افتتح أبوابه في مارس المنصرم بمكناس، ومعرض “نساء فوتوغرافيات”، الذي أقيم في الشهر نفسه في المتحف الوطني للتصوير الفوتوغرافي بالرباط.
وبخصوص الشراكات الدولية، تجدر الإشارة إلى الشراكة التي جمعت بين المؤسسة الوطنية للمتاحف هذه السنة ومتحف الآثار الوطني في مدريد، والتي نتج عنها تنظيم معرض حول “أعمدة هرقل.. العلاقات الألفية بين المغرب وإسبانيا”.
كما تميز العام الحالي بتنظيم الدورة الأولى لليلة المتاحف والفضاءات الثقافية، وهي مبادرة جديدة تتمثل في منح الجمهور حرية الولوج، لليلة واحدة، إلى حوالي أربعين متحفا وفضاء ثقافي في تسع مدن كبيرة بالمملكة بغية تشجيع المغاربة على زيارة المتاحف، التي تعد قبلة بالنسبة للثقافة.
وبالحديث عن التراث، لا يفوتنا التذكير بأنه في سنة 2022 أصبحت فيه الرباط عاصمة العالم من خلال استضافة أشغال الدورة الـ 17 للجنة الحكومية لصون التراث الثقافي غير المادي، التي انعقدت في الفترة من 28 نونبر إلى 3 دجنبر.
ولقت هذه الدورة، التي عقدت برئاسة المغرب، نجاحا هاما، ليس فقط بسبب عدد ونوعية المشاركين، بما في ذلك الوزراء وكبار المسؤولين وممثلي المجتمع المدني من 180 دولة، ولكن أيضا بالنظر لنتائجها: بإدراج 47 عنصرا جديدا، 39 منها في قائمة التراث الثقافي غير المادي للبشرية، بمبادرة 60 دولة.
وبهذا الحدث البارز، الذي عزز التأثير الثقافي والقوة الناعمة للمملكة، تكون سنة 2022 قد أعادت الثقافة إلى مكانها الصحيح، بعد فترة من الركود دام عامين من جراء الوباء.