ذكرى استرجاع إقليم وادي الذهب: محطة تاريخية مشرقة جسدت ملحة حاسمة في مسلسل استكمال الوحدة الترابية للمملكة
أكد المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، مصطفى الكثيري، اليوم الأربعاء بالداخلة، أن الذكرى الـ 45 لاسترجاع إقليم وادي الذهب يعد محطة تاريخية مشرقة جسدت ملحمة بطولية حاسمة في مسيرة النضال الوطني الموصول من أجل استكمال الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة الترابية.
وأوضح السيد الكثيري، خلال مهرجان خطابي نظمته النيابة الجهوية للمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير أن تخليد الذكرى الخامسة بعد الأربعين لاسترجاع إقليم وادي الذهب إلى الوطن يعد مناسبة سانحة، لاستحضار السياق التاريخي لهذا الحدث الخالد ولتدبر دلالاته واستخلاص الدروس والعبر، وللعودة بالذاكرة إلى محطات مجيدة من نضالات الشعب المغربي بقيادة العرش العلوي المجاهد، في مواجهة التغلغل الاستعماري وتسلطه.
وفي معرض استحضاره لبعض من الدرر والمحطات التي جسدت ذلك التلاحم المتين بين العرش والشعب، قال السيد الكثيري إن المغرب تصدى للأطماع الأجنبية وناهض أبناؤه الوجود الاستعماري منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى بعد فرض نظام الحماية عليه في ظروف دولية ومحلية دقيقة يوم 30 مارس 1912م، وتقسيمه إلى مناطق نفوذ موزعة بين الحماية الفرنسية بوسط المغرب والحماية الإسبانية بشماله وجنوبه وإخضاع منطقة طنجة لنظام حكم دولي.
وتابع أن الكفاح الوطني في سبيل نيل الحرية والاستقلال واستكمال الوحدة الترابية اتخذ مسارا متواصل الحلقات ومتعدد الأشكال والصيغ. فمن المقاومة المسلحة الأولى والانتفاضات الشعبية إلى النضال السياسي، فالمقاومة الفدائية وانطلاق عمليات جيش التحرير بشمال الوطن وشرقه إلى أن تحقق النصر بعودة بطل التحرير والاستقلال، جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله مثواه من المنفى إلى أرض الوطن يوم 16 نونبر 1955، وإعلانه رحمه الله انتهاء فترة الحماية وإشراقة شمس الحرية والاستقلال، ودعوة جلالته إلى مواصلة الجهاد الأصغر بالجهاد الأكبر من أجل بناء وإعلاء صروح الوطن وتنميته وتقدمه.
وأضاف السيد الكثيري أنه لم يكن انتهاء حقبة الحماية والاستعمار إلا بداية لملحمة الجهاد الأكبر لبناء المغرب الجديد الذي كان من أولى قضاياه تحرير ما تبقى من تراب المملكة من نير الاحتلال الأجنبي، مشيرا إلى أنه وفي هذا الظرف الحساس من تاريخ المغرب المعاصر، انعقد مؤتمر “أم الشكاك” بضواحي مدينة السمارة في 15 أبريل 1956، والذي حج إليه عدد كبير من أعيان وشيوخ وممثلي القبائل الصحراوية. وفي نهاية أشغاله، انتدب المؤتمرون وفدا مكونا من 39 شخصية يمثلون جميع قبائل الصحراء، للقاء جلالة المغفور له الملك محمد الخامس بالقصر الملكي بالرباط، حيث جددوا لجلالته فروض الطاعة والولاء والإخلاص للعرش العلوي المجيد.
وهكذا، يضيف السيد الكثيري، شكل انطلاق عمليات جيش التحرير بالجنوب المغربي سنة 1956 إشارة قوية، تعكس عزم المغاربة كافة وإصرارهم على استعادة باقي الأجزاء المغتصبة من أراضيهم. وشهدت ربوع الصحراء المغربية العديد من المعارك والملاحم البطولية التي تكبد فيها الاحتلال الأجنبي خسائر فادحة في الأرواح والعتاد.
وبعد أقل من سنتين فحسب على حصول البلاد على استقلالها، قرر أب الأمة ومحرر الوطن القيام بزيارة لمناطق درعة بما فيها إقليمي زاكورة وتنغير ما بين 20 و26 فبراير 1958، ودعا جلالته في هذه الزيارة لمواصلة الكفاح من أجل استكمال الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة الترابية، مذكرا بأن خطاب جلالة المغفور له محمد الخامس التاريخي بمحاميد الغزلان، كان بمثابة نداء لمواصلة التعبئة لتحرير ما تبقى من الأطراف المغتصبة والسليبة من الوطن.
وتابع أنه لم يمض على هذه الزيارة الملكية سوى شهر ونصف حتى تحقق استرجاع إقليم طرفاية في 15 أبريل 1958، ليتم بعد ذلك استرداد مدينة سيدي إفني إلى حظيرة الوطن يوم 30 يونيو 1969.
وأبرز أن مسلسل استكمال الوحدة الترابية تُوج بتنظيم المسيرة الخضراء المظفرة التي أبدعتها العبقرية الفذة لجلالة المغفور له الحسن الثاني لاسترجاع الأقاليم الصحراوية المغتصبة، ولترتفع راية الوطن خفاقة في سماء مدينة العيون في 28 فبراير 1976 إيذانا بإجلاء آخر جندي أجنبي عن الصحراء المغربية، وكذلك كان يوم 14 غشت 1979 إعلانا عن استرجاع إقليم وادي الذهب إلى حظيرة الوطن.وأكد أن الاحتفاء بهذه الذكرى المجيدة يعد مناسبة لتجديد التعبئة المستمرة والتجند الموصول لسائر فئات وشرائح المجتمع والقوى الحية والشعب المغربي قاطبة وراء صاحب الجلالة الملك محمد السادس من أجل الترافع على قضيتنا الوطنية الأولى، قضية الوحدة الترابية، التي تعدُّ بحق المنظار الذي يحدد من خلاله المغرب مسار علاقاته الخارجية، كما أكد ذلك جلالته في خطابه السامي بمناسبة الذكرى التاسعة والستين لثورة الملك والشعب، والذي ورد فيه قول جلالته: “أوجه رسالة واضحة للجميع: إن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات”.
وبهذه المناسبة، تم تكريم ستة من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، وهم من صفوة أبناء هذه الربوع المجاهدة، وذلك في إطار تكريس ثقافة الاعتراف والوفاء والعرفان برجالات المغرب الأبرار الذين أخلصوا للوطن وأسدوا وضحوا ذودا عن حريته واستقلاله ووحدته.
من جهة أخرى، خصصت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير إعانات مالية لعدد من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير وأرامل المتوفين منهم عرفانا بما أسدوه خدمة للوطن، وتعدادها 43 إعانة بغلاف مالي إجمالي قدره 142.000 درهم، يتوزع على مجالات الإسعاف الاجتماعي (41 إعانة مالية)، ودعم المشاريع الاقتصادية (02).
وعرف هذا المهرجان الخطابي، على الخصوص، حضور رؤساء المجالس المنتخبة، وعدد من المنتخبين ورؤساء المصالح الخارجية، وشخصيات مدنية وعسكرية، وأعضاء المقاومة وجيش التحرير المرافقين للمندوب السامي، بالإضافة إلى أفراد من أسرة المقاومة وجيش التحرير بالجهة وذوي الحقوق.
و م ع