زاوية قانونية : ضباط الشرطة القضائية ….
بقلم : المختار السريدي
لايمكن لحياة الأفراد والمجتمعات أن تستقيم وتأخد مجراها العادي، إلا إذا كان هناك أمن وأمان وسكينة واطمئنان ، وهذا لايمكن أن يتأتى إلا إذا قامت تلك المجتمعات بتنظيم هياكلها وتجنيد فئات معينة من أفرادها مهمتها السهرعلى ضمان وتحقيق كل ذلك.
وهذه الفئات منها من يتدخل قبل وقوع الجريمة ومنها من يتدخل بعد وقوع الجريمة ، ولكل فئة اختصاصاتها وحدود مهامها ، فإذا كانت مهمة الفئة الأولى مهمة وقائية بحثة فإن مهمة الفئة الثانية علاجية محضة.
وحتى تكون هذه الأخيرة كذلك ويكون عملها مضبوطا ويتماشى ومقتضيات القانون والقرارات الجاري بها العمل ، فلا بد وأن تكون موسومة بسمة معينة أو حاملة لصفة معينة تسهل مأموريتها وتساعدها في أداء رسالتها على الوجه القانوني الأمثل والأكمل.
تلك إذن هي صفة “ الضبطية القضائية “ أو ما يسمى بصفة “ ضابط الشرطة القضائية “، وهي صفة شريفة ونبيلة تخول صاحبها أو حاملها أو المخولة إليه القيام بواجباته المهنية وفق ما تمليه القوانين والنظم دون إفراط ولاتفريط (1).
فبمجرد وقوع الجريمة – أي جريمة – أو على الأقل أثناء ظهور أفعال يحتمل أنها إجرامية أو تشتم منها رائحة الإجرام أو يشتبه في من لفقت إليهم أو نسبت إليهم ، ينطلق عمل ضابط الشرطة القضائية في جمع المادة الخام للجريمة من حيث ظروفها وملابساتها دون أن يغادركبيرة ولا صغيرة إلا أحصاها وعددها وحررمحاضر بشأنها لتكون العدالة هي مرساها.
هذه المحاضرالتي تعد غير ذات قيمة إذا لم يضمن فيها الضابط المذكور صفته القانونية كضابط للشرطة القضائية تمشيا مع أحكام الفقرة الأخيرة من المادة 23 من قانون المسطرة الجنائية التي جاء فيها بأنه : ” يجب أن تشير المحاضر إلى أن لمحررها صفة ضابط الشرطة القضائية “، بمعنى أوضح أنه يجب على ضابط الشرطة القضائية بعد الإنتهاء من كافة العمليات والإجراءات أن يضمن بمحضره اسمه الكامل وصفته ومكان عمله وتوقيعه ، طبقا لما هو منصوص عليه في الفقرة الثانية من المادة 24 من قانون المسطرة الجنائية ، لأن ذلك يعد دليلا على مسؤوليته وشهادة منه على صحة وسلامة ومضمون المحضر الذي أنجزه (2).
ومن تم فإن انتفاء صفة الضبطية القضائية عن محرر المحضر يعد من العيوب الشكلية التي تشوب المحضر وتؤثر في قيمته القانونية وتفقده قوته الثبوتية أمام العدالة (3) ، وتعرضه بالتالي للبطلان تمشيا مع أحكام المادة 751 من قانون المسطرة الجنائية التي تعتبر كل إجراء يأمر به هذا القانون ولم يثبت إنجازه على الوجه القانوني يعد كأنه لم ينجز.
وتتدرج صفة الضبطية القضائية من سامية إلى عادية وذلك باختلاف الضباط المخولة إليهم وكذا الجهة التي ينتمون إليها ، فمنهم من ينتمي إلى سلك القضاء ومنهم من ينتمي إلى سلك الإدارة العمومية ، وهذا ما تناولته المادتان 19و20 من قانون المسطرة الجنائية اللتان جاء فيهما مايلي :
المادة 19 : « تضم الشرطة القضائية بالإضافة إلى الوكيل العام للملك ووكيل الملك ونوابهما وقاضي التحقيق ، بوصفهم ضباطا سامين للشرطة القضائية :
أولا : ضباط الشرطة القضائية .
ثانيا : ضباط الشرطة القضائية المكلفين بالأحداث .
ثالثا : أعوان الشرطة القضائية .
رابعا : الموظفون والأعوان الذين ينيط بهم القانون بعض مهام الشرطة القضائية . »
المادة 20 : « يحمل صفة ضابط الشرطة القضائية :
المدير العام للأمن الوطني وولاة الأمن والمراقبون العامون للشرطة وعمداء الشرطة وضباطها.
ضباط الدرك الملكي وذوو الرتب فيه وكذا الدركيون الذين يتولون قيادة فرقة أو مركز للدرك الملكي طيلة مذة هذه القيادة.
الباشوات والقواد .
المدير العام لإدارة مراقبة التراب الوطني وولاة الأمن والمراقبون العامون للشرطة وعمداء الشرطة وضباطها بهذه الإدارة ، فيما يخص الجرائم المنصوص عليها في المادة 108 من هذا القانون .
يمكن تخويل صفة ضابط الشرطة القضائية:
لمفتشي الشرطة التابعين للأمن الوطني ممن قضوا على الأقل ثلاث سنوات بهذه الصفة بقرار مشترك صادر من وزير العدل ووزير الداخلية.
للدركيين الذين قضوا على الأقل ثلاث سنوات من الخدمة بالدرك الملكي وعينوا إسميا بقرار مشترك من وزير العدل والسلطة الحكومية المكلفة بالدفاع الوطني . »
من خلال قراءة متأنية لمقتضيات هاتين المادتين يظهر بجلاء أن ضباط الشرطة القضائية على نوعين اثنين : ضباط سامون ينتمون لسلك القضاء وضباط عاديون ينتمون لسلك الإدارة العمومية ، وكلاهما يكمل عمل الآخر في تناسق وانسجام خدمة للعدالة وتحقيقا للأمن في أوسع مفاهيمه وتجلياته ، وهذا ما سوف نتناوله من خلال الفقرتين التاليتين:
الفقرة الأولى : الضباط السامون للشرطة القضائية .
الفقرة الثانية : الضباط العاديون للشرطة القضائية .
الفقرة الأولى : الضباط السامون للشرطة القضائية
يقصد بالضباط السامين للشرطة القضائية الضباط المنتمين للسلك القضائي المنصوص عليهم في الفقرة الأولى من المادة19 من قانون المسطرة الجنائية وهم على التوالي :
الوكيل العام للملك بمحكمة النقض والمحامون العامون بمحكمة النقض .
الوكلاء العامون للملك بمحاكم الإستئناف ونواب الوكلاء العامين للملك بمحاكم الإستئناف .
وكلاء الملك بالمحاكم الإبتدائية ونواب وكلاء الملك بالمحاكم الإبتدائية .
قضاة التحقيق بمحاكم الإستئناف .
قضاة التحقيق بالمحاكم الإبتدائية .
والملاحظ أن الوكيل العام للملك بمحكمة النقض والمحامون العامون بنفس المحكمة والوكلاء العامون للملك بالمحاكم الإستئنافية ونوابهم لم يكونوا يتوفرون بصريح النص على صفة ضابط سامي للشرطة القضائية في قانون المسطرة الجنائية القديم ، وربما قد يرجع السبب في ذلك إما للظرفية التي وضع فيها النص المذكوروإما سهوا من المشرع المغربي ليس إلا ، وهذا ما تم تداركه بالقانون رقم 210.22 الصادر بتنفيده الظهير الشريف رقم 1.02.255 المؤرخ في 25 رجب 1423 الموافق 03 أكتوبر 2002 الذي خولهم صفة ضابط سامي للشرطة القضائية بموجب الفقرة الأولى من المادة 19 من قانون المسطرة الجنائية الجديد ، ولو أن هذه المادة لم تشر بصريح العبارة ووضوح الكلمة إلى تخويل تلك الصفة للوكيل العام للملك بمحكمة النقض والمحامون العامون بنفس المحكمة .
وعموما فإن هذه الفئة السامية من ضباط الشرطة القضائية والمنتمية للهيئة القضائية ، تنحصر مهمتها في الإشراف المباشر على عمل الضباط العاديين للشرطة القضائية ، والحلول محلهم والقيام بعملهم عند الضرورة ، ذلك أن وكلاء الملك بالمحاكم الإبتدائية هم من يسيرون أعمال الشرطة القضائية في دائرة نفوذهم الترابي وفق ما هو منصوص عليه في الفقرة الثانية من المادة 16 من قانون المسطرة الجنائية ، وهم من يشرفون على الأبحاث التي تقوم بها عناصر الشرطة القضائية وهم من يتلقون المحاضرالمنجزة من طرفها وجميع الوثائق والمستندات المتعلقة بها ( المادة23 ق م ج )، وأن الشرطة القضائية توضع دائما تحت سلطة الوكلاء العامين للملك ومراقبة الغرفة الجنحية في دائرة نفوذ كل محكمة استئناف طبقا لما جاء في المادة 17 من نفس القانون.
وتبرز تجليات هذا السمو في العمل الضبطي في قيام الضابطة القضائية بالتثبت من وقوع الجرائم وجمع الأدلة عنها والبحث عن مرتكبيها وتنفيذ أوامر النيابة العامة وأوامر وإنابات قضاء التحقيق تطبيقا لنص المادة 18 من نفس القانون.
كما أن العديد من الإجراءات التي يقوم بها الضباط العاديون للشرطة القضائية لاتصح إلا بعد إشعارالضباط السامين أوإخبارهم بذلك أو بعد إذن كتابي صادر عنهم وتلقي التعليمات الكافية منهم ، وهؤلاء الأخيرين هم من يتولى تنقيط الضباط العاديين الذين يعملون تحت إمرتهم أوالذين أجروا أبحاثا تحت إشرافهم وإحالة لائحة التنقيط على السلطة المشرفة عليهم إداريا من أجل أخذها بعين الإعتبارفي عملية التقييم العام لأداء المعني بالأمر (المادة 45 ق م ج) .
وهنا تطرح مسألة مهمة وتتعلق بالإزدواجية في تبعية ضباط الشرطة القضائية إلى صنفين اثنين من الرؤساء الأعلين ، رؤساء إداريين يمثلون الجهاز الذي ينتمي إليه الضابط كالأمن الوطني أو مراقبة التراب الوطني أو الدرك الملكي أو السلطة المحلية أو غيرهم … ورؤساء قضائيين سامين ينتمون لمختلف المحاكم ، حيث نكون في هذه الحالة أمام وحدة الشخص وازدواجية المهام ، وحينما تكون المهام مزدوجة أو متعددة تجمع ما بين الإدارية والقضائية فإن على ضابط الشرطة القضائية أن يستأنس ويتأقلم مع طبيعة هذا النوع من العمل ولو أن الرؤساء الإداريين غالبا ما يحاولون التدخل في الكبيرة والصغيرة والشاذة والفاذة ، وأحيانا قد يلومون مرؤوسيهم على عدم إخبارهم بما يصل إلى علمهم من جرائم و ما تلقوه من تعليمات في هذا الشأن ، وأحيانا قد تتعارض الأوامر والتعليمات ما بين تلك الصادرة عن الرئيس الإداري وتلك الصادرة عن الرئيس القضائي رغم أن كفة هذا الأخير هي المرجحة دائما بحكم انتمائه للهيئة القضائية صاحبة القول الفصل..
وفي هذا الصدد يمكن الإحتكام إلى المادتين 40و49 من قانون المسطرة الجنائية التي تقول بأن الضباط السامين للشرطة القضائية في شخص وكلاء الملك بالمحاكم الإبتدائية والوكلاء العامين للملك بمحاكم الإستئناف هم من يتلقون المحاضر والشكايات والوشايات ويتخذون بشأنها مايرونه ملائما ومناسبا ، وإحالة ذلك إما إلى هيئات التحقيق أو هيئات الحكم أو حفظ القضايا بمقررات يمكن التراجع عنها . وعلى الرغم من كل ذلك فدورالرؤساء الإداريين لايخفى في مؤازرة ومساعدة ضباط الشرطة القضائية التابعين إليهم في أداء مهامهم وفق مقتضيات القوانين والمناشير والدوريات والتعليمات ذات الصلة ، فمن يكون هؤلاء الضباط الذين اصطلح على تسميتهم فقها بالضباط العاديين للشرطة القضائية ؟ وما طبيعة عملهم ؟ هذا ما سوف تجيب عنه الفقرة الموالية .
الفقرة الثانية : الضباط العاديون للشرطة القضائية
إن الضباط العاديين للشرطة القضائية هم أولئك المنتمون للسلك الإداري الّذين تمت الإشارة إليهم بالمادة 19 من قانون المسطرة الجنائية وورد ذكرهم تباعا بالمادة 20 الموالية ، بصفتهم ضباطا للشرطة القضائية ، وقد اصطلح على تسميتهم في الفقه القانوني بالضباط العاديين للشرطة القضائية تمييزا لهم عن الضباط السامين المنتمين لجهاز القضاء الذين يقتصر دورهم على التسيير والإشراف والتوجيه والتتبع.
وهم رجال الميدان المعنيون مباشرة بالعمل الضبطي الذي يتجلى في القيام بمختلف الأبحاث والتحريات اللازمة قصد التثبت من وقوع الجرائم وجمع الأدلة عنها وايقاف مرتكبيها ، ودائما بتسيير وإشراف من الضباط السامين التابعين للسلك القضائي ، لأن التجربة قد أثبتت أن الإنفراد بالسلطة وتركيزها في يد واحدة غالبا ما يؤدي إلى الوهن والتهاون والتفريط مع ما يستتبع ذلك من مس بالحقوق والحريات وتعسف في القيام بالإجراءات وتوقيع الجزاءات ، وهذا هو السر في وجود هذا التسلسل في جهاز الضابطة القضائية من ضباط سامين إلى ضباط عاديين وضباط متخصصين ( ضباط الشرطة القضائية المكلفين بالأحداث ) إلى أعوان إلى مكلفين ببعض مهام الشرطة القضائية .
وحتى الضباط العاديين نجدهم يختلفون باختلاف الجهة الإدارية التي ينتمون إليها ، فمنهم من ينتمي إلى وزارة الداخلية ( المديرية العامة للأمن الوطني ، المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني ، السلطة المحلية ) ومنهم من ينتمي إلى الوزارة المكلفة بإدارة الدفاع الوطني ( الدرك الملكي ) ومنهم من ينتمي إلى وزارة الإقتصاد والمالية ( إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة ) ومنهم من ينتمي إلى وزارة الفلاحة ( المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر ) ومنهم من ينتمي إلى وزارة التجهيز واالنقل ( مراقبة الطرق ومراقبة الموانئ ومراقبة السكك الحديدية ) ومنهم من ينتمي إلى وزارة الشغل… وسنحاول فيما يلي تفصيل الموضوع على الشكل التالي :
ضباط الشرطة القضائية المنتمون لوزارة الداخلية .
ضباط الشرطة القضائية المنتمون للدرك الملكي .
الموظفون والأعوان الذين ينيط بهم القانون بعض مهام الشرطة القضائية.
أولا : ضباط الشرطة القضائية المنتمون لوزارة الداخلية : وهم الذين ورد ذكرهم في الفقرة الأولى من المادة 20 من قانون المسطرة الجنائية وهم ثلاثة أصناف صنف ينتمي إلى المديرية العامة للأمن الوطني وصنف ينتمي إلى المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني وصنف ثالث ينتمي إلى السلطات المحلية .
1- ضباط الشرطة القضائية التابعون للمديرية العامة للأمن الوطني DGSN : ويشمل هذا الصنف ما يلي:
– المدير العام للأمن الوطني.
– ولاة الأمن.
– المراقبون العامون للشرطة.
– عمداء الشرطة .
– ضباط الشرطة .
– مفتشو الشرطة التابعين للأمن الوطني ممن قضوا على الأقل ثلاث سنوات بهذه الصفة بقرار مشترك صادر من وزير العدل ووزير الداخلية . و حسب مرسوم 26 مارس 2010 المتعلق بالنظام الأساسي للأمن الوطني (4) يدخل ضمن عمداء الشرطة عمداء الشرطة الإقليميون وعمداء الشرطة الممتازون وعمداء الشرطة ، كما يدخل ضمن ضباط الشرطة ضباط الشرطة الممتازون وضباط الشرطة ، ويدخل ضمن مفتشي الشرطة مفتشو الشرطة الممتازون ومفتشو الشرطة .
2 – ضباط الشرطة القضائية التابعون للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني DGST: وهم على التوالي :
– المدير العام لمراقبة التراب الوطني .
– ولاة الأمن.
– المراقبون العامون للشرطة.
– عمداء الشرطة .
– ضباط الشرطة .
غيرأن اختصاص هذه الفئة من ضباط الشرطة القضائية ينحصر فقط في التثبت من الجرائم وجمع الأدلة عنها والبحث عن مرتكبيها فيما يخص الجرائم المنصوص عليها في المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية والمتعلقة بالتقاط المكالمات الهاتفية وكافة الإتصالات المنجزة بواسطة وسائل الإتصال عن بعد وتسجيلها وأخد نسخ منها أو حجزها ، إذا اقتضت ذلك ضرورة البحث ، أو إذا كانت الجريمة موضوع البحث تمس أمن الدولة أو جريمة إرهابية أو تتعلق بالعصابات الإجرامية أو بالقتل أو التسميم أو بالإختطاف وأخذ الرهائن أو بتزييف أو تزوير النقود أو سندات القرض العام أو بالمخدرات والمؤثرات العقلية أو بالأسلحة والذخيرة والمتفجرات أو بحماية الصحة ، أو في حالة الإستعجال القصوى ، ودائما تحت سلطة ومراقبة قاضي التحقيق أو الوكيل العام للملك بحسب الأحوال.
وكما هو الشأن بالنسبة للأمن الوطني يدخل ضمن خانة عمداء الشرطة التابعين لمراقبة التراب عمداء الشرطة الإقليميون وعمداء الشرطة الممتازون وعمداء الشرطة ، كما يدخل ضمن ضباط الشرطة ضباط الشرطة الممتازون وضباط الشرطة.
أما مفتشوالشرطة الممتازون ومفتشو الشرطة المنتمون لمراقبة التراب فقد سكت المشرع عن الإشارة إليهم بوضوح إما بسبب أنهم يشكلون جزءا لا يتجزأ من مفتشي الأمن الوطني الذين تكلمت عنهم المادة 20 من قانون المسطرة الجنائية وخولتهم صفة الضبطية القضائية بعد قضائهم لمذة لاتقل عن ثلاثة سنوات بتلك الصفة وعينوا بقرار مشترك لوزيري العدل والداخلية وإما أن المشرع قد تحاشى الحديث عنهم نظرا لوفرة الموارد البشرية من العمداء والضباط لدى المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني .
3 – ضباط الشرطة القضائية التابعون للسلطات المحلية Autorités Locales : ويشمل هذا الصنف ما يلي:
– الباشوات.
– القواد.
ويراد بالباشوات هنا الباشوات من الدرجة الأولى والباشوات من الدرجة الثانية ، كما يراد بالقواد كذلك القواد من الدرجة الأولى والقواد من الدرجة الثانية (5).
وهؤلاء ورغم صفة الضبطية القضائية المخولة إليهم بقوة القانون ، فإنهم غالبا ما “ يفضلون “ توجيه الجرائم المعروضة عليهم للبحث فيها سواء إلى ضباط الشرطة القضائية التابعين للأمن الوطني أو ضباط الشرطة القضائية المنتمين إلى الدرك الملكي وذلك بحسب الإختصاص الترابي لكل جهاز، كما أن النيابات العامة للمحاكم كثيرا ما تضطر في حالة توصلها ببعض المحاضر المنجزة من طرف الباشوات والقواد إلى إحالة هذه المحاضر من جديد على الضابطة القضائية التابعة للأمن الوطني أو الدرك الملكي قصد إعادة أو تعميق البحث فيها ، نظرا لما تتوفر عليه هذه الأخيرة من إمكانيات بشرية ومادية ولوجستيكية تؤهلها للقيام بعملها على الوجه المطلوب وبالسرعة المطلوبة وفي الوقت المطلوب .
ثانيا – ضباط الشرطة القضائية التابعون للدرك الملكي :
ويشمل هذا الصنف حسب ما جاء في المادة 20 من قانون المسطرة الجنائية والمادة 116 من قانون الدرك الملكي الضباط وضباط الصف وذوي الرتب التاليين :
ضباط الدرك الملكي Officiers de la gendarmerie royale.
ذوو الرتب في الدرك الملكي Gradés de la gendarmerie royale.
الدركيون الذين يتولون قيادة فرقة دركية أو مركز دركي طيلة مذة هذه القيادة (6).
ويقصد بضباط الدرك الملكي جنرالات الدرك ( Géneral de corps d’armée – Géneraux de division – Géneraux de brigade ) وكولونيلات الدرك (Colonels major – colonels – Lieutenants colonel ) ورواده ( Commandants) وضباطه الصغار(Sous lieutenants – Lieutenants – Capitaines)، ويقصد بذوي الرتب في الدرك الملكي ضباط الصف ( Sous-officiers) من مساعدين أولين ( Adjudants-chef) و مساعدين ( Adjudants) ورقباء أولين للدرك ( Mdl-chef) ، أما الدركيون (Mdl-gendarmes) (الذين يمارسون مهام قائد مركز للدرك أو قائد فرقة أوشرذمة أو كوكبة دركية ( CBT CBJ – CPM … ) فإن صفة الضبطية القضائية تخول لهم بشكل مؤقت وطيلة فترة ممارستهم لتلك القيادة فقط.
ويدخل هؤلاء جميعا في خانة ضباط الشرطة القضائية المدنية حسب ما هو منصوص عليه في المادة 116 من قانون الدرك الملكي المغربي ، وذلك تمييزا لهم عن ضباط الشرطة القضائية العسكرية المشار إليهم بالمادة 127 من نفس القانون (7)، رغم أنهم يتمتعون جميعا بالأهلية في تحرير المحاضر وتلقي الشكايات والوشايات والتصريحات والقيام بالتفتيشات وغيرها من الإجراءات … ، مع العلم أن هؤلاء الأخيرين يمتثلون عند ممارسة مهامهم للمقتضيات المتضمنة في قانون العدل العسكري.
إلا أن الملاحظة التي تبقى عالقة في الأذهان هي لماذا خولت المادة 20 من قانون المسطرة الجنائية صفة ضابط الشرطة القضائية للمدير العام للأمن الوطني وللمدير العام لمراقبة التراب الوطني واستثنت قائد الدرك الملكي ؟ فهل لكون هذا الأخيريدخل في زمرة ضباط الدرك الملكي طبقا للقوانين والضوابط العسكرية ، وهو ما لا يمكن أن يكون صحيحا دائما بالنسبة للمسؤولين الأولين لكل إدارة معنية بحيث أن المدير العام للأمن الوطني أو المدير العام لمراقبة التراب الوطني يمكن أن يكونا مدنيين ويمكن أن يكونا عسكريين ويمكن أن يكونا منتميين لنفس الجهاز الذي يشرفان عليه ؟ وهذا لايمكن أ ن نتصوره بالنسبة لجهاز عسكري كالدرك الملكي الذي لايمكن أن يقوده إلا ضابط دركي أو عسكري له ارتباط جد وثيق بالميدان ويعرف خباياه .
ثالثا : الموظفون والأعوان الذين ينيط بهم القانون بعض مهام الشرطة القضائية
بالإضافة إلى ضباط الشرطة القضائية المشار إليهم أعلاه وسواء كانوا منتمين إلى وزارة الداخلية أو منتمين إلى الوزارة المكلفة بالدفاع الوطني ، فإن هناك موظفين وأعوان تابعين لبعض الإدارات والمرافق العمومية الأخرى أسند إليهم القانون وعلى سبيل الإستثناء القيام ببعض مهام الشرطة القضائية ( المادة 27 ق م ج ) كولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم وأعوان وتقنيي ومهندسي المياه والغابات وأعوان وتقنيي ومفتشي الجمارك والضرائب غير المباشرة وغيرهم … ويبقى الهدف من هذا التنوع في الإنتماء لجهاز الضابطة القضائية هو البحث عن الفعالية وتسهيل المأمورية (8) لأن أهل مكة أدرى بشعابها وأعلم بخباياها وخفاياها.
ورغم تعدد هؤلاء الموظفين والأعوان الذين ينيط بهم القانون المغربي القيام ببعض مهام ضباط الشرطة القضائية ، فإننا سنقتصر على الحديث فقط عن الولاة والعمال التابعين لوزارة الداخلية والموظفين التابعين لإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة نظرا لأهمية وطبيعة العمل الضبطي الإست.
1 – ولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم :
يجوز للولاة والعمال التابعين لوزارة الداخلية ، في حالة الإستعجال ، عند ارتكاب جرائم تمس أمن الدولة الداخلي أو الخارجي ، أن يتولوا شخصيا القيام بالإجراءات الضرورية للتثبت من ارتكاب هذه الجرائم أو أن يأمروا كتابة ضباط الشرطة القضائية أصحاب النظر قصد القيام بذلك ، ما لم تتدخل السلطة القضائية في الأمر.
ويجب على الولاة والعمال في حالة قيامهم بهذه الإجراءات ، أن يخبروا فورا النيابات العامة المختصة والتخلي لها عن القضية خلال الأربع والعشرين (24) ساعة الموالية للشروع في الإجراءات.
ويجب على ضباط الشرطة القضائية عند تلقيهم لأوامر كتابية أو أوامر بالتسخير أو أوامر بالحجز صادرة من الولاة والعمال في هذا الشأن أن يمتثلوا لذلك وأن يخبروا النيابات العامة قبل الشروع في أي إجراء من الإجراءات المطلوبة .
فالوالي أو العامل بصفته موظفا تابعا لوزارة الداخلية هو ليس ضابطا للشرطة القضائية بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، كالمديرالعام للأمن الوطني أو المدير العام لمراقبة التراب الوطني أو ضابط الدرك الملكي أو الباشا أو القائد كما أتت على ذكرهم المادة 20 من قانون المسطرة الجنائية ، وإنما هو مكلف فقط ببعض مهام الشرطة القضائية ، وهي مهام محددة في النوع والزمان والمكان ولا يمكن أن تحيد عن الأمور التالية:
في حالة الإستعجال عند ارتكاب جرائم تمس الأمن الداخلي أو الخارجي للدولة المغربية .
إما أن يتولى شخصيا أو بواسطة الباشوات أو القواد التابعين إليه القيام بالإجراءات الضرورية للتثبت من ارتكاب الجرائم المذكورة ، أو توجيه أوامر كتابية إلى ضباط الشرطة القضائية التابعين للأمن الوطني أو مراقبة التراب الوطني أو الدرك الملكي قصد القيام بذلك .
أن يخبر بذلك النيابة العامة المختصة وأن يتخلى لها عن القضية داخل أجل الأربع والعشرين ساعة الموالية لشروعه في القيام بالإجراءات ، ما لم تتدخل هذه النيابة العامة من تلقاء نفسها .
ويمكن للنيابة العامة أن تتدخل في القضايا المعروضة عليها أو المحالة عليها إذا كانت من اختصاصها ، أما إذا كانت من اختصاص المحكمة العسكرية فإنها تقوم بتوجيه الوثائق ذات الصلة وعند الإقتضاء الأشخاص المشتبه فيهم والملقى عليهم القبض إلى السلطة الحكومية المكلفة بإدارة الدفاع الوطني قصد مواصلة إجراءاتها وفق مقتضيات القانون و طبقا لما منصوص عليه في المادة 28 من قانون المسطرة الجنائية.
وهنا نتساءل أيضا لماذا لم يحشر المشرع المغربي الولاة والعمال ضمن ضباط الشرطة القضائية العاديين الذين أتت على ذكرهم المادة 20 من قانون المسطرة الجنائية شأنهم شأن باقي نساء ورجال السلطة التابعين لوزارة الداخلية كالباشوات والقواد ؟ ولماذا تم تخويل صفة الضبطية القضائية بشكل دائم للمدير العام للأمن الوطني وللمدير العام لمراقبة التراب الوطني بصفتهما أعلى سلطة في إدارتيهما ولم تخول تلك الصفة وبنفس الشكل للوالي أو العامل بصفته أعلى هرم السلطة المحلية جهويا وإقليميا ؟ ولماذا يكلف القانون وبنص صريح الوالي والعامل ببعض مهام الشرطة القضائية في حين أن الباشا والقائد التابعين إليه إداريا يتمتعان بهذه الصفة ويمارسانها بشكل عادي وكلهم ينتمون لجهاز السلطة المحلية ؟
2 – مفتشو وتقنيو وأعوان الجمارك والضرائب غير المباشرة :
ويتعلق الأمر حسب القانون رقم 1.77.339 المؤرخ في 09 أكتوبر 1977 كما وقع تغييره وتتميمه بالقانون رقم 99.02 المؤرخ في 05 يونيه 2000 المتعلق بمدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة ، التي دخلت حيز التطبيق ابتداء من 31 دجنبر 1977 ، بمفتشي وتقنيي وأعوان الجمارك المحلفين والمؤهلين لتحرير المحاضروإثبات الأفعال المخالفة للقوانين والأنظمة الجمركية حيث يمارسون مهمامهم بمجموع التراب الجمركي المغربي بما فيه الطرق السيارة والسكك الحديدية ومجاري المياه وعلى طول الحدود البرية والبحرية كما هو مشار إلى ذلك بالمواد 24 و25 و233 من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة ، ويمكن لهؤلاء طلب مساعدة ضابط الشرطة القضائية كلما تعلق الأمر بمعاينة البضائع ووسائل النقل وتفتيش الأشخاص وتفتيش ومعاينة المساكن والمحلات المعدة للإستعمال المهني.
مسك الختام
إن دور الضابطة القضائية يقتصر على النقل بتجرد ومسؤولية لكل ما تعاينه أو تشاهده أو تسمعه ، وتترك التأويل والإستنتاج للسلطة القضائية ، ويتم هذا النقل بواسطة محاضر قانونية مضمنة بصدق ووفاء وحيادية ، على أن يكون إنشاء هذه المحاضر وكما جاء في المادة 73 من قانون الدرك الملكي واضحا ودقيقا ومفصلا وأن يكون عبارة عن بيان للوقائع مجردا عن كل حادث أو تأويل خارج عن الموضوع.
ومع ذلك فلازالت التساؤلات تطرح من البعض حول مضمون هذه المحاضر من حيث صحتها وصدقها ونقلها للوقائع والأحداث دون زيف أو زيادة أو نقصان …فكيف يتأتى مثلا لشخص تم الإستماع إليه داخل مخفر للدرك أوللشرطة رأسا لرأس مع ضابط أو أكثرللشرطة القضائية أن يثبت أمام المحكمة أن التصريح المدون بالمحضر لم يصدر عنه أو أن الجروح أو الكدمات الموجودة على جسمه هي من جراء الضرب أو اللكم أو التعذيب الذي تعرض له أثناء البحث معه وتدوين أقواله … إن المحاكم غالبا ما تأخذ بالتصريحات الواردة بمحاضرالضابطة القضائية ، سيما تلك المتعلقة بالجنح والمخالفات لأن ضابط الشرطة القضائية الذي تلقاها وحررها موظف عمومي مختص ومحلف ولكون الظنين أوالمشتبه فيه أو المصرح هو مجرد شخص عادي غالبا ما يحاول إخفاء الحقائق أوالتملص من مسؤوليته عن طريق خلق روايات مصطنعة أو خيالية أو لاتمت للواقع بصلة.
ومهما قيل فمحاضر الضابطة القضائية ليست محل إنكار دائما أو موضع زيف دائما ، ذلك أن هذه الأخيرة تتوفر على إمكانيات بشرية ومادية ولوجيستيكية تؤهلها لأن تجمع العديد من المعلومات وتقوم بجميع الأبحاث والتحريات وتلقي الإفادات عن المجرم والجريمة ، يساعدها في ذلك سرعة التحرك ، الشيء الذي يجعلها أقدر على اكتشاف الحقيقة أوعلى الأقل إنارة الطريق نحو ذلك وتسهيل مهمة العدالة.
وتبقى أخلاق وضمائر القائمين بالأمر، هي وحدها المعول عليها في الحفاظ على المشروعية ورعاية حقوق الأفراد وحقوق المجتمع ، ذلك أن القوانين ليست سوى أدوات، وعلى الذي يستعملها أن يستفتي في ذلك ضميره وأخلاقه ومسؤوليته الإنسانية قبل مسؤوليته القانونية .
هوامش :
1 – انظر مقالنا « لمن تمنح صفة الضبطية القضائية ، قراءة في أحكام المادتين 19و20 من قانون المسطرة الجنائية ؟. » المنشور بجريدة الأحداث المغربية عدد 849 بتاريخ 18 ماي 2001 الصفحة 8 ركن عدالة / دراسات .
2 – القوة الثبوتية لمحاضر الضابطة القضائية – بحث لنيل الإجازة في الحقوق من إعداد المختار السريدي وأحمد فرجية ، السنة الجامعية 1991/1992 كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية عين الشق بالدار البيضاء.
3 – انظر مقالنا “ محضر الضابطة القضائية : عيوب الشكل والجزاءات المترتبة عليها “ المنشور بجريدة الأحداث المغربية عدد 409 بتاريخ 11 فبراير 2000 ركن عدالة الصفحة 6 .
4 – مرسوم رقم 2.10.85 الصادر في 9 ربيع الأول 1431 الموافق 26 مارس 2010 بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي الأمن الوطني
5 – الظهير الشريف رقم 1.08,67 الصادر في 27 رجب 1429 الموافق 31 يوليوز 2008 في شأن هيئة رجال السلطة ، الجريدة الرسمية عدد 5677 بتاريخ 27 أكتوبر 2008 الصفحة 3889 .
6 – جاء في المادة 116 من قانون الدرك الملكي ما يلي : « إن ضباط الدرك ودوي الرتب فيه ورجال الدرك الدين قضوا مدة ثلاث سنوات على الأقل في خدمة الدرك والمعينين رسميا بعد تأدية امتحان بموجب قرار يصدره كل من وزير الدفاع الوطني ووزير العدل وكدا رجال الدرك الدين يرأسون مؤقتا إما فيلقا وإما مركزا من مراكز الدرك ، يعدون ضباط الشرطة القضائية ويساعدون وكيل الدولة المقيم بالدائرة التي يمارسون فيها عادة وظائفهم . »
7 – جاء في المادة 127 من قانون الدرك الملكي : « يعد ضباطا للشرطة القضائية العسكرية ضباط الدرك وقواد فيالقه ورجاله المعنيون بصفة قواد الفيالق . »