سكيزوفرينيا ونفاق مغربيين
كمال اشكيكة
قال وزير الصحة الحسين الوردي، خلال إحدى جلسات البرلمان، أن نصف المغاربة مرضى يعانون من أمراض نفسية. لا أعلم على أية دراسة بنى السيد الوردي كلامه، لكن لا يمكنني التشكيك فيه، بل سأقول ربما أزيد من النصف هم مرضى نفسانيون، وأغلبهم يعانون من مرض الإنفصام والنفاق الإجتماعي.
إن مسببات السكيزوفرينيا كما حددها العلم لحاضرة بقوة في مجتمعنا المغربي، والتي يذكر منها الأطباء البطالة الطويلة المدى، والفقر… ويمكن أن يضاف إليهم الجهل والأمية، لنصاب بالنفاق الإجتماعي. أما مظاهرهما فتتجلى في التقلب الشائع بين أفراد المجتمع، وهم مبدعوا المثل العامي ” الراس لي ميدور كدية”. فالبرجوع إلى الخمس سنوات الماضية، لاحظ الجميع كيف كان يتكلم جل المغاربة على خيبة أملهم في حزب العدالة والتنمية، الذي جاء حسب أقوالهم من أجل محاربة الفساد، وأكتفى بمحاربة جيوب الفقراء. وكيف أن الكثيرون منهم قد يسبون بنكيران مع كل خطوة يخطونها. مما قد يجعل كل متتبع لهذه الردود يراهن على الخسارة الكبرى لحزب العدالة والتنمية خلال أية انتخابات نزيهة يشارك فيها أفراد هذا المجتمع. إلا أن انتخابات 2015 وتلتها تشريعيات 2016، بين أن كل ذلك مجرد نفاق اجتماعي، وسباحة مع التيار. وأن انتقاد العمل الحكومي مجرد هواية يمارسها الجميع، حتى أولئك الذين يحبون شخص السيد بنكيران لكن لا يستطيعون الدفاع عن انجازاته فهم يسايرون منتقديه حتى لا يجدون أنفسهم مضطرين للدخول في نقاش لا يملكون وسائله. كما تظهر أعراض النفاق الإجتماعي للمغاربة وللدولة أيضا من خلال تعاملهم مع الدين الإسلامي، الذي يعتبر الدين الرسمي للدولة. وقد تابعنا مؤخرا كيف أن السلطات المحلية، والتي تعتبر إحدى مهامها صيانة الحريات الفردية، تمنع بيع وخياطة البرقع، الذي يعتبر أحد مظاهر اللباس المحتشم، فيما تسمح ببيع وخياطة ملابس تظهر أكثر مما تغطي… وتعد مواقع التواصل الإجتماعي أكثر مكان تعرض به مظاهر النفاق الإجتماعي، وسكيزوفرينيا أفراد المجتمع؛ بحيث نجد مثلا حسابا تحت إسم “المسلمة المتقية” وينشر صور خليعة. فيما نجد آخر يحمل اسم “عبدو الملحد” وينشر ايات من القران الكريم وأحاديث نبوية…
وقد طفت إلى السطح من جديد مظاهر السكيزوفرينيا على مواقع التواصل الإجتماعي، خلال هزيمة المنتخب المغربي لكرة القدم الأسبوع الماضي، مما جعل الفايسبوك يمتلئ بصور ومنشورات تشبه لاعبي المنتخب بالراقصات وتشكك في مستواهم وتدعوا لمحاسبة المسؤولين عن تسيير الشأن الرياضي بالبلاد، ليأتي فوزه هذا الأسبوع وتأهله للدور الثاني، وينسيهم فيما قالوا عنه من سب وشتم، ويكتبون من جديد مبروك لأسود الأطلس عوض شيخات الأطلس، كما كانوا يلقبونهم من قبل، ويفتخرون بلاعبي المنتخب ومهاراتهم القتالية… ولسان حالهم يقول عفا الله عما سلف، هذه الجملة التي سبق أن استكتروها على رئيس حكومتهم.
سنظل نعيش في بلد مصاب أكثر من نصف سكانه بأمراض نفسية، (والعدة على السيد الوردي). إلى أن يتوفر لهم الحد الأدنى من العيش الكريم، والثقافة، وتسير شؤونهم نخب لا تعاني من جشع المناصب، وغير مصابة بالسكيزوفرينيا، ولا بالنفاق الإجتماعي.