كمال اشكيكة
لابد أن بنكيران، المعروف بشخصيته المرحة، وبخطاباته الكوميدية التي لاتخلو من قصص وأمثال شعبية.. يعلم جيدا قصة الديك الذي أمره ذات صباح صاحبه بالتوقف عن الصياح عند الفجر، مهددا إياه بالذبح إن صاح مجددا. وهو الأمر الذي أطاعه الديك، خوفا من الموت. إلا أنه وبعد توقف الديك عن الصياح لمدة، أتاه صاحبه منوها بقدرته على إطاعة الأوامر. وأمره بأن يقلد صوت الدجاجة في النقنقة، متوعدا إياه بالذبح إن لم يفعل، فما كان من الديك إلا أن أطاع أمر صاحبه من جديد. لكن وبعد مدة من النقنقة، جاء صاحبه هذه المرة بأمر أكثر غرابة من السابق. وأمره بأن يبيض. وهو ما رآه الديك مستحيلا، مما يعني له الموت الحتمي. وهنا وقف الديك متأملا في سير قصته، وندم على خنوعه، وطاعته لأوامر صاحبه منذ الوهلة الأولى، وتمنى أن تعود عجلة الزمان للوراء حتى يموت وهو يصيح كالديوك.
وبالرجوع إلى كرونولوجيا الأحداث السياسية بالبلاد، سنرى أن بنكيران ربما قد توقف عند مرحلة النقنقة، وعلم أنه مبعد من تدبير الشأن العام، رغم تقديمه لمجموعة من التنازلات، وهي التنازلات التي ستظل تتكاثر إلى الوصول إلى المستحيل. لكن ربما أن بنكيران قد فهم اللعبة مبكرا، قبل الوصول إلى الموت السياسي وهو منهوك القوى من شدة التنازلات، كما وقع لمن سبقوه، وفضل الموت مع بعض الكرامة السياسية. لكن وبطبيعة الحال، فمن كان يطالبه بتلك التنازلات لن يقبل بإخراجه من اللعبة بهذه السهولة، كما لن يسمح له بتغيير نص المسرحية التي عمرت منذ عقود، وهي تلعب بنفس الطريقة القديمة، لكن بملابس عصرية، ووجوه جديدة تتناسب مع كل زمان. ورغم أن المخزن الذي يلعب دور المخرج وجد نفسه مضطرا إلى تغيير ترتيب بعض الفصول وديكور الركح حتى يتناسب مع دستور 2011، فإنه وجد من بين النخب السياسية أشخاص يفضلون الدخول في تحالفات أبعد ما يكون عن الواقع. من أجل حماية مصالحهم الشخصية. وهو الشئ الذي سهل عمله، ومكنه من إعادة التحكم بزمام الأمور بطريقة أحسن، وربما أنه سيفوز بالمعركة بجهد وبمصاريف أقل مما كانت تكلفه قبل.
إن ما يحاك داخل صالونات الفيلات الفخمة، من خدع سياسية، وانقلابات على الديموقراطية، لن يؤدي إلا إلى مزيد من العزوف السياسي، كما يعطي الشرعية لإحداث المزيد من الخروقات لفصول الدستور، مما سيترتب عليه زعزعة الإستقرار العام، وهروب المستثمرين الأجانب، والعودة بالمغرب إلى ما كان عليه من فقر وهشاشة في سابق الأوان. وإعلان الموت السياسي لمن بقي يحتظر من الأحزاب والزعماء السياسيين.