شيوخ البيترودولار
كمال اشكيكة
منذ عقود خلت، والسعودية تجاهد لتنصيب نفسها كوصي على الدين الاسلامي. ومن أجل بلوغ هدفها، التجأت إلى استراتيجية تكوين أشخاص من دول مختلفة، وشحنهم بمجوعة من العقائد الدينية التي تتماشى وأجنداتها، مما يمكنها بحكم قبضتها على دول العالم الإسلامي، بدعم من أتباعها.
هؤلاء الشيوخ الذين يتم تزويدهم بموارد مالية ولوجيستيكية مهمة، وفتح مؤسسات تربوية دينية بأسمائهم، تحت غطاء تحفيظ القرآن الكريم، وتعليم السنة النبوية… يبدأون في تمرير الأهداف التي جاؤوا من أجلها، والتي ربما هم أنفسهم لا يستوعبونها جيدا. ولتسهيل المهمة، يبدأون في تكوين جيوش من الأتباع والمريدين، يتبعون الشيخ، ويقدسونه، ويلتهمون كل ما جاء على لسانه، دون تفكير ولا تقييم. ويهاجمون كل من خالفه الرأي، أو حاول تحليل نقاشاته. كما يعتبرون اجتهاداته وفتاواه كلاما مقدسا، لا يقبل النقاش، معللين قناعتهم هذه بالحديث النبوي: «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر».
وهذه الفئة من المواطنين، المريدين. تعتبر الفئة الأكثر استعدادا لاتباع الجماعات المتطرفة. وتكفير كل مختلف مع أفكارهم، وكل مشكك في كون السعودية هي مركز العلوم الشرعية والدينية، الواجب اتباعها. و يعتبرونه مرتدا إلى أن يؤمن بالسعودية وبشيوخها.
وفي مقابل هؤلاء، نجد علماء آخرين، منهم من كان ينتمي إلى مؤسساتهم، ومنهم من جاء من خارجها. تعلموا القرآن والعلوم الشرعية، و انفتحوا على علوم أخرى كالتاريخ وغيره، مما مكنهم من معرفة الحقيقة الغائبة عن نظرائهم. والتي تغيب مكانة السعودية كمركز للعلم والمعرفة والعلوم الدينية والشرعية. وفي المقابل تضع المغرب ومصر والعراق، على قائمة أقدم مراكز العلم في العالم أجمع، حيث أن جامعة القرويين بفاس والتي تعد أقدم جامعة بالعالم أحدتث في القرن الثامن عشر، هي السباقة إلى تلقين العلوم الدينية والشرعية، وتخرج منها عدد كبير من العلماء والفقهاء والشيوخ…
وهانحن اليوم أصبحنا ندرك أن الصراع القائم بين علماء العالم الإسلامي، سنة وشيعة وأكراد، ماهو إلا صراع حول القيادة، يدعم بأموال تفوح منها رائحة البيترودولار. وتستغل فيه شيوخ تتلمذت على أيدي أشخاص مدركين لما يريدون الوصول إليه. لكن كل هذا لن يؤدي إلا لمزيد من التفرقة والهشاشة بين صفوف المسلمين.