عبد النباوي :الفضاء الرقمي أصبح مجالا للمساهمة في إرتكاب جرائم أو التحريض عليها
قال الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، محمد عبد النباوي أن “التحدي الأساسي الذي نواجهه اليوم يتعلق بكيفية تأمين الاستعمال الأمثل للتكنولوجيات الرقمية بما يسمح في نفس الوقت، بمواصلة مساهمتها في النهوض بحقوق الإنسان من جهة والتصدي لجميع أشكال الاستخدامات السيئة التي من شأنها أن تؤدي أو تساهم في حدوث انتهاكات لتلك الحقوق من جهة ثانية، وهو الأمر الذي لن يتم دون توفير الموارد التقنية والقانونية اللازمة لحماية حقوق الإنسان في سياق التكنولوجيات الرقمية”.
وأضاف عبد النباوي، في ندوة حول حقوق الإنسان والتحدي الرقمي بمقر منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة، صباح اليوم، أن “ما ينطبق على حقوق الإنسان من حيث ممارستها وضمان التمتع بها خارج الفضاء الرقمي، ينطبق عليها كذلك داخل هذا الفضاء، إذ بقدر ما تمكن هذه التكنولوجيات من تيسير الولوج إلى مختلف أنواع حقوق الإنسان المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، المحمية بمقتضى معاهدات حقوق الإنسان الدولية، بقدر ما يمكن أن يتحول استعمالها إلى أداة لانتهاك العديد من الحقوق والمساس بالنظام العام”.
وأوضح المتحدث ذاته، بأنه “إذا كانت الآثار والانعكاسات الإيجابية للتكنولوجيات الرقمية على حقوق الإنسان واضحة كما سبق، فإن هذه التكنولوجيات تحمل معها تحديات جديدة، تتجلى في ظهور أخطار وتهديدات يمكن أن تقوض أمن الدول والمجتمعات والمساس بحقوق الإنسان الأساسية للأفراد، بل قد يؤدي سوء استخدامها إلى حدوث انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في بعض الأحيان، هذا فضلا عن ترويج المخدرات والاتجار بالبشر والاستغلال الجنسي للأطفال، ودعم المواد الإباحية وأنشطة التنظيمات الإرهابية، حيث يتم استغلال انتشار وسائل الاتصال الحديثة وسهولة الوصول إلى الإنترنت والبرمجيات الرقمية للتجسس والاختراق وإخفاء الهوية”.
وتابع أن “الفضاء الرقمي أصبح مجالاً للمساهمة في ارتكاب جرائم أو التحريض على ارتكابها تكون ماسة بالحق في الحياة وبالسلامة الجسمانية للأفراد وممتلكاتهم والجرائم المالية، من خلال أنشطة الشبكات الإجرامية، وأشكال أخرى من انتهاكات حقوق الإنسان كالتحريض على التمييز والكراهية ونشر الأخبار الزائفة والسب والقذف والتشهير وأشكال التعبير المسيئة للأفراد وانتهاك الحياة الخاصة بهم”.
وأورد محمد عبد النباوي، “بما أن الاستخدام السيئ للتكنولوجيات الرقمية وخدمات الإنترنت يؤدي إلى تزايد الجرائم المعلوماتية، فإننا، في رئاسة النيابة العامة، نولي لموضوع مكافحة الجريمة المعلوماتية العناية التي يستحق وذلك على ثلاثة مستويات، الأول عبر تتبع الجريمة وإيلاء عناية خاصة للظواهر الإجرامية المستفحلة أو الجديدة، حيث تعمل رئاسة النيابة العامة على تتبع الجرائم المعلوماتية ورصد مظاهر تطورها وأشكالها، حيث تم تسجيل انتشار بعض التقنيات في مجال تشفير المواقع الإلكترونية وقواعد البيانات، والذي يجسد تقنية تسمح للمجرمين بالولوج إلى المواقع الإلكترونية وقواعد البيانات وتشفيرها مع ابتزاز الضحايا”.
وفي نفس السياق، أشار إلى أنه “تم التصدي لحالات قرصنة المعلومات الخاصة بالبطائق الإلكترونية المعروفة بـ “Skiming”، والتي تستعمل لقرصنة الأرقام السرية لبطائق بنكية، مما يمكن من الاحتيال وسرقة أموال أصحابها، إضافة إلى جرائم الابتزاز عن طريق الأنترنت من خلال استعمال تكنولوجيا المعلوميات، وتهديد الأشخاص بنشر أمور مشينة والمساس بحقهم في الصورة وفي الحياة الخاصة، حيث حركت النيابة العامة، برسم سنة 2019، 289 متابعة من أجل جرائم ذات صلة بهذا الموضوع، بالإضافة إلى 241 متابعة أخرى في جرائم تتعلق بالمس بالحياة الخاصة والحق في الصورة”.
وأكد المصدر نفسه، أن المستوى الثاني، هو تعزيز قدرات النيابة العامة للتصدي لهذه الجرائم، إذ بالنظر إلى خصوصية وأهمية البحث في الجرائم المعلوماتية، وإلى صعوبة جمع الأدلة الرقمية المرتبطة بها، فقد حرصت رئاسة النيابة العامة على مشاركة قضاة النيابة العامة الذين تم تعيينهم كنقط ارتكاز، في ندوات ودورات تكوينية بالمغرب والخارج حول الجرائم المعلوماتية والدليل الرقمي بالتعاون مع شركاء دوليين”.
وشدد أن “المستوى الثالث الذي تشتغل عليه رئاسة النيابة العامة الوفاء بالتزامات المملكة المغربية في مجال التصدي للإجرام السيبراني، فبعد المصادقة على اتفاقية بودابست للجرائم المعلوماتية ودخولها حيز النفاذ ابتداء من فاتح أكتوبر 2018، توصلت المملكة المغربية بطلبات ترمي إلى حفظ بيانات الكمبيوتر المخزنة في إطار شبكة 24/7 المحدثة من قبل الاتفاقية المذكورة، وتم التنسيق مع النيابات العامة المختصة لاتخاذ الإجراءات اللازمة قصد ضمان تنفيذها، كما تم إحداث شبكة من قضاة النيابة العامة للوفاء بالتزامات المملكة الدولية، في إطار شبكة 7/24 التي تقضي اعتماد ديمومة وطنية على مدار اليوم طيلة أيام السنة (24 ساعة/ 24 ساعة وسبعة أيام في الأسبوع)، للقيام بمهام التعاون القضائي الدولي للوفاء بالتزامات المملكة المترتبة عن المصادقة على الاتفاقية المذكورة”.