في زمن الكورونا : .. تنبؤات قبل سنوات، حول ظهور فيروس كورونا سنة 2020. فهل هي مؤامرة؟ (الحلقة الثانية)
عبد الوافي الحراق
تعددت الروايات والآراء حول الأسباب التي كانت وراء ظهور فيروس كورونا، فثمة من يرجئها إلى سوق ووهان، المعروف ببيع لحوم الحيوانات والزواحف والطيور والحشرات، وآخرون ربطوا ظهور الوباء بمختبرات الأوبئة والفيروسات، وروايات أخرى تحدثت عن صراعات بيولوجية، وآراء ذهبت إلى تداعيات الحرب الاقتصادية، واستنتاجات أرجعت ذلك إلى أسباب بيئية، واخرى أوعزت ظهور الوباء إلى سخط المعتقدات الدينية.
والغريب في الأمر هو أن هذه الروايات والفرضيات برمتها لها ما يبررها لدى مناصريها، فكل جماعة أو حزب أو مذهب صنع سبيلا لدعم فرضياته، ودليلا لتأكيد خلاصاته. وسنقف عند كل وعاء فكري بما ينضح، وكل فريق فني بما يصدح، في قادم حلقات هذا الطرح. وسنبدأ هذا الاختلاف في الروايات حول مصدر وباء كرونا، بالتنبؤات التي جادت بها مخيلات المبدعين والفنانين، والشعراء والروائيين والسينمائيين. على اعتبار أن هذا الفيروس عرف طريقه إلى مخيلة الإنسان وتخميناته، قبل أن ينتقل إلى جسده ورئته.
لقد ظهر الفيروس في الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية، الأمريكية والروسية والصينية، وهي الدول الأوفر إنتاجا للصناعات البيولوجية، والأكثر تقدما على مستوى تخصيب المواد الكيماوية والنووية، والتجارب والاختبارات الفيروسية، والأوبئة القاتلة والمعدية. ففي المسلسل الكرتوني الأمريكي المشهور بتنبؤاته للمستقبل، والمعروف باسم “عائلة سيمبسون”، والذي تنبأ مؤلفوه بفوز دونالد ترامب رئيسا لأمريكا في سنة 2020. فإن ذات السلسلة كانت قد بثت في إحدى حلقاتها سنة 1993، أن الشعب الأمريكي أصيب بفيروس اسمه كورونا، قادما من الصين عبر السلع المستوردة.
كما أن السلسلة الدرامية الكورية ” MY SECRET TERRIUS ” التي تعرض الآن على نيتفليكس، والتي تم إنتاجها سنة 2018. تحدثت في إحدى حلقاتها بشكل دقيق عن فيروس كورونا. بكل التفاصيل التي تداولتها المنظمة العالمية للصحة، وكافة دول العالم حول جائحة كورونا التي تجتاحنا في مطلع سنة 2020. حيث تطرقت السلسلة لمدة الاحتضان للفيروس في جسم الانسان ما بين يومين إلى 14 يوما، ومهاجمته للجهاز التنفسي، وقوته في الانتشار ونقل العدوى، وأنه فيروس متحول، يرفع درجات الحرارة إلى ما فوق 38، وليس له علاجا أو لقاحات متوفرة. والأغرب من ذلك هو أن السيد وزير الصحة حسب أحداث السلسلة، ذهب إلى إحدى مدارس التعليم الابتدائي، ليلقن الأطفال في حملة تحسيسية، كيفية غسل اليدين، وحثهم عن ضرورة تنظيفها بشكل دائم. وذلك لأنه كان مهددا حسب البناء الدرامي للأحداث، من طرف إرهابيين بيولوجيين، مدعمين من إحدى لوبيات شركات الأدوية.
وفي ذات السياق كتبت سيلفيا براوون رواية بعنوان “نهاية الأيام” سنة 2008، تحدثت فصولها عن نهاية العالم عام 2020، بسبب مرض ينتشر في ووهان الصينية. يصيب الجهاز التنفسي (شبيهة بأعراض كورونا)، وليس له علاج. وللإشارة، أن هذه الرواية عرفت إقبالا في المبيعات هذه الأيام منقطع النظير، بسبب معالجتها لموضوع الساعة، يستأثر باهتمام الراي العام الدولي.
وهذه المعطيات الهامة والخطيرة في نفس الوقت، بالنظر لتنبؤاتها الواقعية والحقيقية، التي تضمنتها هذه الأعمال الفنية الدرامية، هل أتت من فراغ؟ أم أن مؤلفيها ومخرجيها متآمرون؟ أو أنها معتمدة على بحوث علمية، تم استقاها في إطار البحث الفني الدرامي؟ أو أنها من صنع خيال وبنات أفكار الروائيين والمخرجين؟ ام أن الأمر لا يعدو أن يكون محل صدفة؟
أسئلة وأخرى، تفرض نفسها في الظرفية الحالية، وتشكل لغزا لدى أغلب المحللين السياسيين والاقتصاديين، والمثقفين والإعلاميين. وتأجج بشكل أوسع الراي العام الدولي. والتي أغلبها تكاد تتمحور حول أن جائحة كورونا، هي نتيجة حرب بيولوجية، أفرزتها الحرب الاقتصادية.
والواقع أن هذه الفرضيات والظنون مستبعدة، إذا ما استندت إلى التنبؤات المطروحة في الأعمال الفنية التي تطرقنا لجزء منها أعلاه، على سبيل المثال لا الحصر. فالتجارب الإبداعية، قد عكست لنا أعمالا مشابهة، في مجالات أدبية وفنية متنوعة. كانت إيحاء علميا ومنطلقا لابتكارات علوم تطبيقية وبيولوجية، وطبية وفزيائية. تعتمد على التكنولوجيات العلمية، والمعادلات الرياضية، والاختبارات المعملية. فالعلم يولد في جحر ملكة التعبير والإلهام، ومخيلة التفكير والأحلام. فيستفز اللاوعي لدى الإنسان، ويفرز إيحاءات وتخيلات لا حدود لها، مرتبطة بشكل قوي بالتنبؤات والقراءات المستقبلية. فأفلام الخيال العلمي كانت وراء عدة تنبؤات واكتشافات، قبل أن تصل إليها يد العلوم والصناعات.
فالكاتب جون فيرن ألف رواية بعنوان : “من الأرض إلى القمر”، والمؤلف جورج هربرت ويلز كتب رواية “حرب العوالم”. وثقافة السفر في الفضاء من خلال هذه العمال الروائية، ألهم جورج ميلييس إلى تأليف وإخراج أول فيلم في الخيال العلمي، صامت بالأبيض والأسود، بعنوان : “رحلة إلى القمر” سنة 1902. وهذه الإبداعات الأدبية والفنية ستشعل الصراع والسباق على أشده، بين الاتحاد السوفياتي آنذاك والولايات المتحدة الأمريكية، نحو اكتشاف الفضاء والصعود إلى القمر. وكذلك عملية الاستنساخ التي ظهرت في الرسوم المتحركة وأفلام الخيال العلمي، لتتحقق على أرضية الواقع، باستنساخ أول حيوان ثدي، معروف باسم “النعجة دوللي” في معهد رزلين بجامعة اسكتلندا بالمملكة المتحدة سنة 1996.
فكيف يمكننا التصديق بمثل هذه التنبؤات المطروحة في الخيال العلمي والأدب الفني، والصاقها بالمؤامرات العلمية، واتهامها بافتعال أو التحريض على حروب بيولوجية، وانتساب إليها أحداث واقعية وحقاق مادية، تحتاج إلى براهين علمية وتقنية، ونتائج مخبرية ومعملية.؟ حقيقة، من الصعب تصديقها، مهما كانت إسقاطاتها ومنطلقاتها الأدبية والعلمية. ولكن في الآن ذاته، انصافا للتأويلات، ثمة تساؤلات موضوعية تفرض نفسها، حول كيفية تلاقي جميع هذه الأعمال الأدبية والفنية، في سياق واحد واختيار واحد لنوعية الوباء وأعراضه واسم المدينة والبلد المتواجد بهما.
وما يعزز فرضية هذا التوجه لدى أهل الفن والأدب حول هذا الوباء وعلاقته بمدينة ووهان، هو الطبيب الصيني “لي وينليانغ” الضحية والشاهد في نفس الوقت، الذي طالت معاناته العالم، وهو يحاول اكتشاف حقيقة مصدر بؤرة انتشار وباء كورونا من مدينة ووهان، وشبهه بفيروس سارس، الذي يحدث نفس تداعيات وتأثيرات فيروس كوفيد 19. ولكن السلطات الصينية حاولت إخراسه، من خلال إدانته بتهمة نشر معلومات كاذبة، تهدد الأمن العام. فمات ضحية للفيروس ذاته، قبل قضاء العقوبة الحبسية.
ويبدو أن هذه المدينة وعلاقتها بفيروس كورونا، قد شغلت أذهان حتى علماء الطب والأخصائيين في علم البيولوجيا. وظلت الفرضيات والقراءات معلقة بين من يرجح مصدر فيروس كوفيد 19 إلى وجبات لحوم الثعابين وحساء الخفافيش، وبين من ذهب إلى أن الفيروس خضع للتحاليل، بعد استخلاصه من الحيوانات. ثم تسرب من إحدى المختبرات الصينية المتواجدة بمدينة ووهان، بسبب ضعف الأمن والسلامة الوقائية.
فما قصة هذه المدينة ووهان وعلاقتها بهذا الفيروس، ك…و…ر…و..نا؟