الرئيسية » 24 ساعة » كلمة السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية بمناسبة الاحتفاء باليوم العالمي لحقوق الانسان

كلمة السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية بمناسبة الاحتفاء باليوم العالمي لحقوق الانسان

كلمة السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية بمناسبة الاحتفاء باليوم العالمي لحقوق الانسان
* تحت شعار
“نشر الوعي وتعزيز القدرات. رافعة أساسية للتمكين الحقوقي”
الأربعاء 11 دجنبر 2024

بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله وصحبه أجمعين

السيدات والسادة الحضور؛
يحتفل العالم في العاشر من دجنبر من كل سنة بالذكرى السنوية لإقرار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تلك الوثيقة المرجعية التي شكلت عند اعتمادها عام 1948 قاعدة مشتركة للحقوق الأساسية للإنسان التي تتقاسمها مختلف الشعوب، باعتبارها حقوقاً طبيعية كونية لا يؤثر فيها اللون ولا العرق
ولا الجنس ولا الانتماءات الإيديولوجية للأفراد أو وضعياتهم الاجتماعية. ولذلك فإن الاحتفال بهذا اليوم يعتبر فرصة للتأمل في الوضع الحقوقي للأمم، ولتقييم المكتسبات التي حققتها في مجال تعزيز وحماية حقوق الإنسان.
ويعتبر هذا اليوم، بالنسبة لنا كذلك فرصة لاستعراض ما حققته بلادنا من إنجازات في مجال حقوق الإنسان، والاعتزاز بتلك المنجزات. كما يعتبر كذلك مناسبة للوقوف على جوانب النقص والقصور، من أجل العمل على تجاوزها وإصلاح ما يجب منها وتطويرها. ولذلك يتعين أن نعتز بمصادقة المملكة على أهم الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، بما فيها الشرعة الدولية والمعاهدات التي تعنى بحقوق المرأة، الطفل، والأشخاص في وضعية إعاقة. وكذلك بالعمل التشريعي الجبار الذي تحقق أو هو في طور الإنجاز في مجال ملاءمة التشريعات الوطنية مع تلك الاتفاقيات، والذي ساهم في تكريس مبادئ دولة الحق والقانون والمؤسسات. كما يحق لنا أن نعتز بانخراط بلادنا في حوارات بناءة مع آليات الأمم المتحدة واستجابتها لمختلف التوصيات الصادرة عن تلك الآليات، وهو ما يرسخ استشراء ثقافة حقوق الإنسان والممارسة الديمقراطية على المستوى الوطني. كما يتوج الرؤية الملكية الاستراتيجية التي تربط التنمية الحقيقية باحترام كرامة الإنسان وحماية حقوقه في مختلف أبعادها.
السيدات والسادة الحضور؛
إن المجلس الأعلى للسلطة القضائية إذ يسعد بمشاركتكم في الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان، ليجدد التزامه الثابت بدعم الجهود الوطنية الرامية إلى النهوض بحقوق الإنسان وحمايتها، بما يتوافق مع التوجيهات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، الذي أرسى مشروعاً حقوقياً طموحاً، يرتكز على تعزيز الحريات وحماية الحقوق، ودعم استقلال السلطة القضائية باعتبارها سلطة فاعلة في الحقل الحقوقي بما توفره للمؤسسات القضائية من تأهيل وتأطير وإشراف، يؤهلها لحماية حقوق الأفراد والجماعات، وربط المسؤولية بالمحاسبة القانونية، وتلازم الحق مع الواجب. وفي هذا الصدد كان جلالة الملك قد دعا في الرسالة السامية بمناسبة الذكرى 70 لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، “جميع المؤسسات والهيآت المعنية لمواصلة الجهود من أجل القيام بدورها في الدفاع عن حقوق الإنسان في كل أبعادها، وزيادة إشعاعها، ثقافة وممارسة، وذلك في نطاق الالتزام بروح المسؤولية والمواطنة، التي تتلازم فيها ممارسة الحقوق والحريات، بأداء الواجبات”.
حضرات السيدات والسادة؛
لقد أصبحت هذه الذكرى مناسبة للوقوف على الإنجازات التي يتم تحقيقها في المجال الحقوقي. ولأن المقام لا يتسع لاستعراض ما تم تحقيقه من طرف السلطة القضائية، باعتبار الأمر يتعلق بكلمة مبدئية في الجلسة الافتتاحية لهذا اللقاء المبارك، فإن المناسبة تدعو لتقديم بعض الإشارات الدالة على انخراط مؤسسات السلطة القضائية في السياسات العمومية الرامية إلى نشر ثقافة حقوق الإنسان، وبلورة تطبيقاتها على أرض الواقع. وأكتفي بالإشارة في هذا الصدد إلى برنامج واحد تشتغل عليه السلطة القضائية، من منطلق اهتمامها بتعزيز الوعي الحقوقي لدى القضاة، ودعم قدراتهم في تطبيق مبادئ حقوق الإنسان، والذي تجلى في إطلاق رئاسة النيابة العامة لبرنامج “تعزيز قدرات القضاة في مجال حقوق الإنسان” منذ أربع سنوات يوم 10 دجنبر 2020 بمناسبة الذكرى الـ 72 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي انضم إليه المجلس الأعلى للسلطة القضائية في منتصف سنة 2021. وقد انتقل البرنامج إلى تنفيذ جزئه الثاني ابتداء من 10 دجنبر 2021. استفاد منه إلى غاية اليوم أكثر من ألف مشارك من بينهم أكثر من 900 قاض للحكم وللنيابة العامة، وأكثر من مائة مستفيد من انتماءات مهنية أخرى ذات علاقة بحقوق الإنسان (المجلس الوطني لحقوق الإنسان، المديرية العامة للأمن الوطني، قيادة الدرك الملكي، والمندوبية العامة لإدارة السجون).
وقد ركز البرنامج الذي يتم بتشارك بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة في مجمله على التعريف بالإطار الدولي والإقليمي والوطني لحماية حقوق الإنسان، والمواثيق والاتفاقيات الأساسية ذات الصلة، والهيئات والآليات المكلفة بتتبع تنفيذها، وعرض الاجتهادات القضائية الصادرة عن المحاكم الوطنية والدولية. والمقررات الصادرة عن آليات الأمم المتحدة المكلفة بمختلف الاتفاقيات. وهو ما يوسع درجة استيعاب القضاة لتطبيقات حقوق الإنسان ويطور فهمهم العملي لطبيعة التزامات الدولة بموجب الاتفاقيات الدولية.
وبطبيعة الحال فإن هذا البرنامج الذي يندرج في إطار التكوين المستمر للقضاة، ينضاف إلى التكوين الأساسي على حقوق الإنسان الذي يتلقونه في المعهد العالي للقضاء.
وقد كان من نتيجة هذه الجهود أن القضاة أصبحوا يلجؤون إلى استعمال المرجعيات الاتفاقية المصادق عليها من طرف المملكة في بعض أحكامهم. كما لوحظ تنامي التناسق في تأويل الحقوق الدستورية والقانونية وفقاً للمتعارف عليه على الصعيد الدولي.
كما أن اهتمام المجلس الأعلى للسلطة القضائية المستمر بحقوق الإنسان تم تأكيده من خلال إحداث بنية إدارية جديدة على صعيد إدارته العامة، تختص بتلقي ودراسة التقارير الوطنية والدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وتتبع العمل القضائي في هذا المجال. ويأتي إحداث هذه البنية في إطار تحسين آليات متابعة وتقييم تطبيق حقوق الإنسان في المنظومة القضائية بما يتماشى مع التطورات الدولية في هذا المجال.
حضرات السيدات والسادة؛
إن الاحتفاء باليوم العالمي لحقوق الإنسان لا يقتصر على التذكير بمسؤولياتنا المشتركة في نشر ثقافة حقوق الإنسان، بل يشكل أيضا فرصة هامة لتقييم ما تحقق في هذا المجال، وللتأكيد على ضرورة مواصلة الجهود من أجل النهوض بحقوق الإنسان. وفي هذا الإطار، تبرز أهمية اتفاقيات الشراكة والتعاون الثنائية المزمع توقيعها خلال هذا اللقاء، ومن بينها اتفاقية الشراكة بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية والمندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان. هذه الاتفاقية التي تأتي في إطار تعزيز التعاون بين المجلس ومحيطه المؤسساتي، وهو من التوجهات الاستراتيجية الكبرى في مخطط المجلس الاستراتيجي.
وإذا كان التعاون بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية والمندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان ليس وليد اليوم، بل هو استمرار لتعاون انطلق منذ تأسيس المجلس، فإن الاتفاقية التي سيتم توقيعها تعد تتويجا لهذا التعاون المؤسساتي، الذي يمكن المجلس من توفير المعلومة القضائية والقانونية للمؤسسات الوطنية بمناسبة إعداد التقارير الوطنية الدورية، والمساهمة بشكل إيجابي في إعداد الخطة الوطنية لتتبع تنزيل التوصيات الأممية. نتوخى منها تأطير التعاون وتنظيمه، لأجل تحقيق الاستمرارية والدوام. ونرجو الله أن يوفقنا جميعاً في حسن تنزيلها.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته