كناوة وموسيقى العالم..المهرجان الذي أوقد شعلة استمرارية تقليد تراثي عريق
في قلب الصويرة وحيثما ترن الإيقاعات، فإن الاطمئنان متحقق تجاه استمرارية الموسيقى والثقافة الكناوية، واتقاد شعلتها على الدوام. ولمهرجان “كناوة وموسيقى العالم” فضل كبير في ذلك. فمنذ 21 سنة، يواصل هذا الموعد إعلاء المشروع الذي دشنه من أجل فتح آفاق الاستمرارية أمام تقليد عريق يشفي انتظار عشاقه. أما الدليل على الميدان، فهذا الجيل الجديد من المعلمين الذين يرفعون هذا العام اللواء الكناوي على المنصة.
كل شيء يجري في قلب مهرجان الصويرة وحوله. هذه المنصة التي اكتست صيتا عالميا، بفضل تعبئة واسعة تقودها سيدة : نائلة التازي، مؤسسة هذه التظاهرة الموسيقية الكبرى.
تقول نائلة التازي في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء “على مدى الدورات العشرين الماضية، شهدنا العديد من كبار المعلمين وهم يرحلون عن عالمنا حاملين معهم جزءا من هذا التراث الشفاهي. إن إتاحة الفرصة أمام الشباب وفسح المجال أمامهم هو أفضل طريقة لتأمين استمرارية هذا التقليد”.
من الفكرة الى التطبيق. وها هي الشعلة الكناوية تتألق على يد شبابها في غمار الدورة الحالية لمهرجان كناوة التي ستتواصل من 21 الى 23 يونيو الجاري.
المعلمون الجدد من الدار البيضاء ومراكش والصويرة يوقعون حضورهم. ضمن الأسماء البارزة حسام غينيا، خالد سنسي، اسماعيل راحيل، ابراهيم حمام، مولاي الطيب الدهبي وسعيد بولحيماس.
وشددت نائلة التازي على “أننا أردنا تركيز برمجة الدورة 21 على الخلف، لأن هذه التظاهرة هي قبل كل شيء مشروع ثقافي يهدف الى تثمين تقليد شفاهي عريق، إفريقي مغربي. إنه تقليد يتوارث أبا عن جد”.
لكن الأمر لا يتوقف عند ربح هذا الرهان. فالدورة الجديدة حافلة بالمستجدات وفي مقدمتها حضور مجموعة لأول مرة بالمغرب “سناركي بوبي”، الفرقة الأمريكية الذائعة الصيت التي تتميز بإبداعاتها في “الفيزيون”، والحائزة على ثلاث جوائز غرامي.
وستقدم المجموعة عرضا مشتركا مع المعلم حميد القصري. وضمن مشاريع الأداء المشترك، يستقبل المهرجان المعلمة أسماء الحمزاوي التي تصدح بصوت المرأة في عالم ظل محصورا على الرجال زمنا طويلا. وستؤدي المعلمة عرضا مشتركا مع المالية فاتوماتا دياوارا، التي تألقت عام 2014 بمشاركتها في فيلم “تومبوكتو” الحاصل على سبع جوائز سيزار. وهو صوت تجاوز الحدود ليلهم العالم بأسره منددا بأوضاع اللاجئين وتجارة الرق وممارسات الجماعات المتشددة.
وذكرت نائلة التازي بأن الحدث سيغتني أيضا بمشاركة عازف الطبل الهندي ذاكر حسين في برنامج يقترح مواعيد شديدة التميز.
بالنسبة لمؤسسة المهرجان، “كناوة وموسيقى العالم” قصة جميلة تشكلت عبر مسار طويل من البناء وتوطيد المكتسبات، برمجة وتنظيما وقدرة على التجدد من أجل تشكيل قاعدة جماهيرية وفية للموعد واجتذاب رواد جدد من شريحة الشباب أساسا. وتضيف السيدة التازي أن “حضور جمهور حاشد يبرهن على نجاح المهرجان في تجديد نفسه على مستوى البرمجة كما على صعيد الرسائل التي يبعثها. رسائل الانفتاح الثقافي والتلاقح المجتمعي وتساوي فرص الولوج للثقافة والتفاهم بين الشعوب والثقافات”.
أبعد من الجانب الثقافي، لا يغيب عن ذهن مؤسسة المهرجان، وهي سيدة أعمال، البعد الاقتصادي للمهرجان بالنسبة لمدينة الصويرة. فالهدف هو ضرب عصفورين بحجر واحد: النهوض بالتراث الثقافي مع انعاش اقتصاد وتنمية مدينة بكاملها.
وأوضحت السيدة التازي أن “الآثار الاقتصادية للمهرجان قد خضعت لتقييم واضح من خلال دراسة أنجزها مكتب “فاليانس” في عام 2014، وبينت أن كل درهم يُستثمر في تنظيم هذا المهرجان يولّد 17 درهما مباشرة في الاقتصاد المحلي. وبالتالي فإن الأثر الاقتصادي للمهرجان واضح، ولا يقتصر على أيام المهرجان الأربعة، بل يمتد طوال العام”.
وإضافة إلى الجانب الاقتصادي، فإن تأثير التغطية الإعلامية كبير ومهم. وفي هذا الصدد، أعربت السيدة التازي عن ارتياحها لكون “مهرجان الصويرة يحظى بمواكبة إعلامية قوية، على الصعيدين الوطني والدولي”، مضيفة أن الأثر الإعلامي لهذه التظاهرة الثقافية كل عام يفوق 80 مليون درهم، في حين أن التنظيم لا يتجاوز 15 مليون درهم.
وشددت السيدة نائلة التازي على “أننا تمكننا من المضي قدما لأننا استطعنا إقناع الجماعات المحلية والسلطات والعمومية والمنتخبين بأن مهرجانا من هذا الحجم لا يمكن أن يستمر إلا من خلال إقامة شراكة أفضل بين القطاعين العام والخاص وضمان تخصيص حصة أفضل من التمويل العمومي”.
ولا تقتصر مؤسسة المهرجان على التحرك داخل حدود المملكة من أجل تكريس ثقافة وتقاليد عريقة، بل يشكل مسعى إدراج الثقافة الكناوية على قائمة التراث العالمي الشفهي وغير المادي للبشرية معركة أخرى تخوض السيدة التازي غمارها.
ولفتت السيدة التازي بهذا الخصوص إلى أن طلب إدراج الثقافة الكناوية على قائمة اليونسكو قُدم في عهد وزير الثقافة الأسبق بنسالم حميش، مشيرة إلى أن هناك اليوم التزاما من وزير الثقافة الحالي، السيد محمد الأعرج، بأن الملف قد قُدم لدى اليونسكو التي ستبت فيه في عام 2019.
وسجلت السيدة التازي أن البعض كان يعتقد في البداية أن مجرد وجود هذا المهرجان سيتيح حماية هذا التقليد الشفهي، لكن أيام المهرجان الأربعة غير كافية، وبالتالي فإن إدراج هذا التقليد الشفهي على تراث اليونسكو هو أفضل وسيلة لحمايته.
ولا تدخر رئيسة اللجنة الخاصة لاتحاد الصناعات الثقافية والإبداعية توجهها كسيدة أعمال في سبيل تشجيع العمل الثقافي بشكل شامل.
وأوضحت مؤسسة مهرجان الصويرة أن “عمل الاتحاد يتمثل في السعي إلى تخصيص مكانة أكبر أهمية للثقافة في النموذج التنموي المغربي. فالثقافة حوالينا في كل مكان في المغرب، في تقاليدنا، وممارساتنا، ومكتباتنا، وهندستنا المعمارية ومهرجاناتنا وأطباقنا … فالثقافة هي التي تجعل منا كائنات أفضل، وهي سر تفردنا وجمالنا”، مضيفة أن الاتحاد يهدف إلى العمل من أجل مساعدة هذا القطاع على تجاوز الطابع غير النظامي، وخلق جسور الحوار مع عالم المقاولات ومع النسيج الجمعوي ومع مختلف السلطات العمومية المعنية.
كما تعتزم المستشارة البرلمانية عن فريق الاتحاد العام لمقاولات المغرب في مجلس المستشارين إشراك المديريات الجهوية للاتحاد من أجل تخصيص مكانة أكبر للثقافة في الجهات، باعتبارها قطاعا ينطوي على مؤهلات هائلة لخلق فرص الشغل والقيمة المضافة.