الطريقة القادرية البودشيشية ومؤسسة الملتقى تنظمان ليالي الوصال في نسختها السابعة “ذكر وفكر “
مداغ/بركان _أيوب الهداجي
نظمت مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية بشراكة مع مؤسسة الملتقى ليالي الوصال في نسختها السابعة بإستعمال تقنية المباشر تحت عنوان ذكر وفكر عبر صفحة مؤسسة الملتقى على موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك
وشهدت الليلة فقرات متنوعة من سماع ومديح وشهادات لمريدي الطريقة من كل بقاع العالم ومشاركة فريدة ووازنة لمجموعة من العلماء والمثقفين حيث ألقى الدكتور منير القادري بودشيش مدير مؤسسة الملتقى العالمي للتصوف كلمة تناول فيها موضوع “الحاجة الى التصوف لتأهيل المجتمع وتحصينه”
بين من خلالها أن تربية الناشئة على القيم المجتمعية الأصيلة ومبادئ الرجولة هو خير ما يمكن تقوم به دولة لشعبها، وهو ما ينبغي أن تتضافر من أجل تحقيقه جهود مختلف الفعاليات من إعلام، ومسجد ومدرسة وزاوية، عبر وجود منهج تعليمي وإصلاحي، يؤهلهم للثبات أمام مختلف الأزمات التي تهدد الوحدة الوطنية للبلاد، موضحا أن الحاجة تقوم إلى الرؤوس المفكِّرة التي تخطط، والقلوب الكبيرة التي ترعى، والعزائم القوية التي تنفِّذ، وليس إلى المعادن والثروات، واستحضر في هذا الصدد تفسير ابن كثير لكلمة “رجال” الواردة في الآية الكريمة (رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ) (سورة النور الآية 37) بأن فِيهِ إِشْعَارٌ بِهِمَمِهِمُ السَّامِيَةِ، وَنِيَّاتِهِمْ وَعَزَائِمِهِمُ الْعَالِيَةِ، فالرجولة الحقة تعني أن تكون لله ذاكرا وعن ذكر الناس مجافيا.
وأضاف أن التصوف الذي هو ثابت من ثوابت الهوية الدينية المغربية، اهتم ببناء الإنسان وتأهيله على كافة المستويات، لصناعة شخصية مؤمنة متوازنة، من خلال منهج تربوي أصيل، يقوم على أسس ومبادئ مقام الإحسان الذي: “هو أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك”، وزاد بأن التصوف هو تربية روحية مبنية على إتباع كتاب الله وسنة رسوله (ص)من خلال جهاد النفس وتطهيرها من الأخلاق السيئة، وتحليتها بالأخلاق الحسنة، وهو ما سماه النبي (ص) “بالجهاد الأكبر”، بينما سمى جهاد الأعداء بـ“الجهاد الأصغر”، مع أن كلاهما واجب في بابه بشروطه وضوابطه، معتبرا أن الرجال يُمتحنون في المواقف والمعاملات، ومستدلا بما وصفت به أمنا خديجة رضي الله عنها زوجها سيدنا محمد (ص) بقولها : “فَوَاللَّهِ لاَ يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقّ”.
وأوضح أن التربية تكون بالقدوة، فالصحبة لها أثر عميق في تهذيب شخصية المرء وأخلاقه وسلوكه، من خلال التأثر الروحي والاقتداء العملي بالمصحوب ، فالصحابة رضوان الله عليهم ما نالوا هذا المقام السامي إلا بمصاحبتهم لرسول الله (ص) ومجالستهم له، كما أن التابعين أحرزوا هذا الشرف باجتماعهم بالصحابة ، وهكذا سندا تربويا ووراثة محمدية من خير سلف إلى خير خلف، مذكرا في هذا الصدد بما بأقوال مجموعة من الأئمة عن التصوف، من ضمنها ما جاء عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في فتاواه ورسائله، والتي برأ من خلالها ساحة السادة الصوفية من تهمة القول والعمل بالبدع .
كما بين أن كبار المستشرقين أكدوا على أن التصوف قائم على القرآن و السنة، مقدما أمثلة في هذا الصدد لمجموعة من كبار المستشرقين ، من ضمنهم المستشرقة الألمانية آن ماري شيميل في كتابها “مستيكل ديموشين اوف إسلام” التي بينت أن التصوف يرجع في أصله إلى نبي الإسلام ويستمد حياته من الكلمة الإلهية التي أوحيت إليه في القرآن الكريم..
وعند حديثه عن التصوف بالمغرب، أورد ما جاء عن شيخ الطريقة القادرية البودشيشية، الدكتور مولاي جمال الدين القادري في مؤلفه “مؤسسة الزوايا بالمغرب، بين الأصالة والمعاصرة”، والذي يستفاد منه أن التصوف عند أهل المغرب يتميز بمجموعة من الخصائص أولها: شمولية هذا التصوف، وثانيها: ابتعاده عن التجريد الفقهي الكلامي والفلسفي وثالثها: عدم اشتغاله بالسياسة وارتباطه بالجماعة والمجتمع.
وزاد بأن ميزة التصوف المغربي انه سني أخلاقي، يعتمد على تعاليم المدرسة الجنيدية في صيغتها الغزالية، و في كونه اتجه اتجاها زهديا عمليا بعيدا كل البعد عن المؤثرات الفلسفية، لذلك فهو يتسم بالفعالية داخل المجتمع في العلم والجهاد وفي ما يتعلق بالحياة اليومية في التجرد والكسب، مما جعله ثابتا من ثوابت الهوية الدينية المغربية على مر التاريخ ،حيث دأب ملوك الدولة العلوية على اعتبار الزوايا والتصوف دعامة أساسية للأمن الروحي للمملكة، وعملوا على تثبيث مبادئه في المعتقد الديني للمجتمع المغربي، تمنيعا له من كل الاختراقات وتحصينا له من خطر وآفات التعصب والتطرف.
وأبرز بعض مظاهر وتجليات عناية أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله بالزوايا والطرق الصوفية بالمغرب وبإفريقيا، بتقديمه دعمه الدائم للزويا، وحرصه على تكوين الأئمة والقيمين الدينين على مبادئ الوسطية والاعتدال، والسهر على تأطير العلماء الأفارقة داخل مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، مشيرا إلى أن عطاء الزوايا والشيوخ والصلحاء في المغرب الذي هو بلد الأولياء، لم ينضب إلى اليوم معينه ، لذلك يحظى أهل الله بتقدير كبير من عموم المغاربة، فالزوايا الصوفية في المغرب تملك رصيداً روحياً وأخلاقيا وتربوياً زاخراً بالكثير من القيم والمبادئ، مما أهلها إلى أن تؤثر في النفوس والأرواح بما تتوفر عليه من رقائق وأذواق وأشواق، مشيرا إلى إسهامها بالدعم و التوعية وحث المغاربة على الالتزام بقواعد الحجر الصحي في زمن الوباء.
ليخلص إلى أن التصوف يعتير أحد أعمدة تاريخ الأمة الإسلامية وكذا حاضرها ومستقبلها، وأننا في هذا العصر أحوج إلى تجلياته ومعانيه التي تألقت فيما مضى، وأعطت للأمة الإسلامية رجالات طهر باطنهم بالإخلاص والمراقبة وزيين ظاهرهم بإتباع السنة والمجاهدة .
تجدر الاشارة إلى أن المداخلات الفكرية تخللتها وصلات للسماع أبدعت في إنشادها الفرقة الوطنية للطريقة القادرية البودشيشية ومجموعة سماع الطريقة القادرية البودشيشية بليبيا والكوت ديفوار وهولاندا علاة لمواويل فردية للمنشد السوري بلال حمودي ومنشدين من المغرب