لهذه الأسباب نجح كرموس الرحامنة في الخروج للعالمية
عبدالمولى إسماعيل *
هناك في منطقة “بن جرير” التابعة لإقليم الرحامنة” بالمغرب، القريب من جهة مراكش وأسفي، تتركز العديد من النماذج الإيكولوجية الرائدة، وذلك على الرغم من المشكلات المناخية التي يعاني منها الإقليم الذي يتسم بمناخ قاري وارتفاع في درجات الحرارة، وسنوات ممتدة من الجفاف، وانخفاض في مستوى التساقطات المطرية التي تتراوح ما بين 200 إلى 500 ملم في المواسم الممطرة، مما يؤثر سلبيا على النشاط الفلاحي الذي يشكل القاعدة الرئيسية للنشاط الاقتصادي بالإقليم، والذي يعمل به ما يقرب من 80 بالمئة من السكان، وتقدر المساحة الصالحة للزراعة بـــ51 بالمئة من المساحة الاجمالية للإقليم التي تقدر بــ 548000 هكتارا.
في ظل هذا الجفاف الذي يعاني منه إقليم “الرحامنة” تأتي تعاونيات “الصبار” التي تدير بعضها سيدات من قرى مختلفة في الإقليم، من بينها تعاونية صبار الرحامنة، والهديان… إلخ، فهي تقوم بزراعة هذا النبات المعروف أيضا بـ “التين الشوكي” أو “الكرموس”، وذلك بهدف تعميق الاستفادة منه، من الناحية الإيكولوجية من جهة ومن الناحية الاقتصادية من جهة ثانية، فمن الناحية الإيكولوجية قامت تعاونيات “الصبار” بالتوسع في زراعته بسبب ضعف خصوبة التربة، وأيضا الاستفادة من نبات “الصبار” في تثبيت التربة، من خلال مقاومة عملية التجريف وعوامل التعرية والتصحر بمنطقة الرحامنة، بالإضافة إلى الاستفادة الكبيرة في مواجهة ظاهرة التغيرات المناخية، وذلك من خلال قدرة نبات الصبار على تخزين الماء في ظروف الجفاف الشديدة، أو عند التجمد في درجات الحرارة المنخفضة، حيث يقوم بتخزين الطاقة اللازمة لنموه عبر أشعة الشمس وثاني أوكسيد الكربون. على الجانب الآخر نجحت تعاونيات “الصبار” في تعظيم قيمته الاقتصادية من خلال استخدامه كفاكهة طرية في فصل الصيف،
عندما تشتد الحرارة تفقد فاكهة “الصبار” ما قيمته 50 إلى 70 بالمئة من المحصول، لذا قامت تعاونيات الصبار في منطقة بن جرير والرحامنة “بتصنيع” نبات الصبار، وذلك بهدف تعميق الاستفادة الكاملة منه، سواء بالاستفاده منه في صناعات غذائية من خلال استخدام ما تحتوى عليه الثمرة من المادة الطرية التي تستخدم في صناعة المربى وعصائر الصبار أو التين الشوكي، ولما له من أهمية كبيرة في عملية التمثيل الغذائي، فضلا عن ما تحتوي عليه من ألياف تساعد في عملية الهضم،
استخدام بذور ثمرة “الصبار” في انتاج أنواع مختلفة من الزيت الذي تصل قيمة الليتر الواحد منه إلى ما يقارب الــ 600 دولار أميركي، ويتم تصديره خارج المغرب، بالإضافة إلى إنتاج أنواع أخرى من زيوت التجميل، وصناعة صابون “الصبار” المنتج من مخلفات ثمرة “الصبار”، بالإضافة إلى استخدام فاقد الثمار التي لا تصلح للاستخدام الآدمي بعد عصرها كعلف للماشية، بالإضافة إلى استخدام ألواح الصبار في بعض الصناعات الغذائية كالمخللات، وأيضا كعلف للماشية لما تحتوى عليه هذه الألواح من مخزون كبير من الطاقة، ونسبة عالية من السكريات التي يتم خلطها بمخلفات النباتات لتعطي قيمة علفية كبيرة. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فمن من بين المزايا الاقتصادية الكبيرة هناك استخداماته في تربية النحل الذي يتغذى على أزهار “الصبار” وإنتاج أجود أنواع العسل،
ومن بين المزايا الهامة استخداماته في الطب العلاجي، وما تزال ذاكرة الشعوب تحتفظ باستخداماته في معالجة داء السكرى، وخفض نسب الكولسترول، والوقاية من تصلب الشرايين وأمراض السمنة وعلاج حالات الإسهال… إلخ. ونتيجة لنجاح تجارب زراعة “الصبار” سواء من حيث القيمة الاقتصادبة أو الإيكولوجية، فقد بدأ التوسع في زراعة “الصبار”، وبخاصة في المناطق غير الصالحة للزراعة والتي تتسم تربتها بانخفاض خصوبتها، سواء في الهضاب او المناطق الوعرة، ونتيجة لهذا التوسع في زراعة نبات الصبار زادت المساحة المزروعة بنبات الصبار إلى 120 ألف هكتار بالمغرب، منها 30 ألف هكتار بإقليم الرحامنة. تعاونيات الصبار ومواجهة الهشاشة الاقتصادية والبيئية من بين المزايا الاقتصادية لتجربة تعاونيات “الصبار” في منطقة “بن جرير” بأقليم “الرحامنه” إدماجها للعنصر النسائي في منطقة “بن جرير”،
من يدير أغلب تعاونيات “الصبار” هن من السيدات، ولا نبالغ إن قلنا أن عددا من التعاونيات أنشأتها سيدات وعضويتها كاملة من السيدات، وبالطبع مجالس إدارتها، حيث يتركز نشاط التعاونيات بالعديد من الأدوار، من بينها توعية المزارعين بأهمية زراعة “الصبار”، ولا سيما عملية الغرس، وبخاصة في المناطق القاحلة والتي تتسم بهشاشة بيئية، ومن ثم تحويل البيئات القاحلة والمعرضة للتصحر عبر استنباتها بنبات الصبار، بالإضافة إلى توعية السكان بأهمية استخدامات “الصبار” الغذائية والعلاجية والعلفية، والقيام بنقل المعارف سواء التقليدية أو ذات التقنيات العالية في التصنيع الكامل لنبات الصبار. مواجهة التغيرات المناخية: مصر نموذجا لعل الاستفادة الكبرى من تجارب تعاونيات الصبار بالمغرب تتركز في تعميم تلك التجربة في العديد من البلدان، ومن بينها مصر، وبخاصة في ظل الندرة المائية التي تعاني منها الأراضي المصرية، وهناك 96 بالمئة من مساحة هذه الأراضي صحراوية وشبه صحراوية، وأيضا في ظل التعديات التي تتعرض لها الاراضي الزراعية في الوادي والدلتا، والتي وصلت إلى ما يقارب ثلاثة ملايين فدان منذ عام 1950 حتى الآن، بحيث صارت أراضي الوادي والدلتا تتجاوز الخمسة ملايين فدان بالكاد، ولا شك أن زراعة نبات الصبار أو التين الشوكي في مصر سيساعد بدرجة كبيرة في امتصاص واختزان نسب كبيرة من ثاني أوكسيد الكربون، ليعاد استخدامه مرة أخرى في عملية التمثيل الضوئي، فضلا عن استخداماته الصناعية المختلفة، سواء في الصناعات الغذائية أو العلفية، وبخاصة أن هناك عجزا كبيرا في سوق الأعلاف المصرية الذي يتم تغطيته بمزيد من الاستيراد من الأسواق الخارجية. بالإضافة إلى أن زراعة الصبار لا تحتاج إلى استخدامات مائية كبيرة في زراعته تتراوح ما بين 300 إلى 400 ملم في السنة، الأمر الذي يمكن أن يساعد في التخفيف من الآثار المختلفة من التغيرات المناخية وفي القلب منها عملية التصحر. ملاحظة: تم الاعتماد في هذا المقال على عدد من الكتابات: -مقابلات ميدانية مع عدد من تعاونيات الصبار بمنطقة “بن جرير” بإقليم الرحامنة بالمغرب. -اهمية زراعة الصبار بمنطقة الرحامنة، المعهد الوطني للبحث الزراعي بالمغرب. -التعداد الزراعي في مصر 2009/2010، وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي. -الكتاب السنوى الإحصائي 2014، الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
* باحث في مجال البيئة والتنمية