لَالّّا كورونا ….
عبد الرحمان بلعياشي
لا أحد منا كان يتوقع كل هذا الإنتشار المبهر والسريع والمعجز، منذ أن شاهدنا أولى صور الوباء مباشرة من ووهان الصينية. لا أحد منا كان يعتقد أويتخيل أننا سنقع في المأزق؛ أن العالم كله سيجد نفسه فجأة في ورطة، دون سابق إنذار ودون أي استعداد قبلي مادي أو معنوي أو نفسي. ورطة محرجة جدا لهذا العالم الذي لطالما اعتقد أنه استحوذ على الكون وطاوع لصالحه الطبيعة، المتحرك منها والجامد.
لم يكن أحد منا في أسوأ الحالات يتخيل أننا سنقع أسرى دون أن نرى أو نشاهد ساجننا، ُنجلد دون أن نرى جلادنا. الإنسانية اليوم تتعذب، وفي صمت. لن أقول ما ذهب إليه البعض من أنه ابتلاء أو اختبار، أقول أننا أمام تحد لم يسبق أن رأيت مثله على الأقل فيما أتذكره أو عشته أو عايشته، رغم أن التاريح البشري حافل بمصائب وكوارث من هذا القبيل. ماذا عسانا إذن أن نعمله أو نزعم فعله؟.
لقد انكشف الأمر ولم يعد هناك من مجال للمزاعم ولا للتعالي أو للتبجح بما لنا وما لدينا. اليوم وقعنا في مصيدة لن أسأل عمن كان سببها لأن هذا لن يحل المشكلة، ولن يقدم الحل والبديل، لكن على الإنسانية أن تقف وتتوقف كثيرا وأن تعيد حسابات كثيرة وتراجع مفاهيم عديدة. إنها الفرصة التاريخية التي أتاحتها الطبيعة نفسها للإنسان وكأنها، أي الطبيعة، تعطيه فرصة أخرى، فرصة أخيرة؟، لينظر إلى ما يفعل بها، هي التي تعطيه دائما وبسخاء. على الإنسانية أن تتجرد من ذلك الإرث الذي يجعلها تتخيل أنها تملك الطبيعة ملكية مطلقة فتفعل بها ما يحلو لها، وتعبث بها وتفسدها وفيها وتبتزها دون رحمة أو شفقة. علينا أن نقف ونعيد تركيب الأفكار ونعيد ترتيب الأشياء و الأمور، حسب منطق جديد مغاير مختلف لما سبق. لقد ثبث الآن أن الطريق لم يكن أبدا صحيحا لتلك الدرجة التي يعتقد الكثير منا. حان الوقت للعودة إلى نقطة الصفر لنرى الأمور بمنظور أكثر إنسانية، أكثر تضامنا، أكثر واقعية، أكثر تعقلا وتبصرا.
أمام الإنسانية فرصة ذهبية للعودة إلى الذات والإنفراد بها والتحاور معها ومخاطبتها، لكن بكل صدق وجرأة. حوار الذات والمصالحة مع الذات ومراجعة منظومة القيم المهيمنة وإحداث تغييرات من داخلها، لكن يجب أن تكون جذرية. لأن ما نحتاجه اليوم، في عز الأزمة أو الورطة أو المصيدة، لم توفره هذه المنظومة، ولم تعط إشارات على ذلك. المنظومة أثبثت أنها مريضة وتحتاج بشكل آني إلى أن ننعشها وننقذها من الهلاك والضياع والموت. يجب على المجتمع الإنساني أن يعي هذا ليقوم بثورة علمية ومعرفية تقوم بتطهير المنظومة من الداخل، بحيث تستهذف الإستثمار أكثر في العنصر البشري، في الإنسان، بعيدا عن إرث لم يعد قادرا، ليس فقط على المواكبة، بل حتى على استيعاب ما يجري في محيطه.