متحف دار الباشا .. نافذة على ثقافة مغربية بأوجه متعددة
مراكش – باعتباره أحد الفضاءات الرمزية بمدينة مراكش التي تستحق الزيارة، ما فتئ متحف الروافد – “دار الباشا” يضطلع بدور ريادي يضفي دينامية جديدة من شأنها إغناء الساحة الثقافية والمتحفية للمدينة الحمراء.
وبعد سنوات قليلة من افتتاحه منذ 2017، استطاع متحف دار الباشا أن يكتسب صيتا وأن يرقى إلى فضاء لا محيد عنه يقصده السياح الوطنيين والأجانب، لاستكشاف مختلف أوجه الثقافة المغربية الأصيلة والتاريخية والمتفردة.
ومما لا شك فيه أن إنشاء بنية متحفية كهذه، تقع في قلب المدينة العتيقة لمراكش وتتموقع ضمن قائمة الفضاءات التي تستحق الزيارة، كان بغية تسليط الضوء على الهوية المغربية، وكذا المساهمات التي شكلت هذه الحضارة القديمة والمتجذرة في تاريخ غني ومشوق.
ويكمن تفرد هذا الفضاء المتحفي المحمل بالتاريخ في كون دار الباشا كانت سابقا محلا لإقامة باشا مراكش الشهير التهامي الكلاوي بداية القرن العشرين، حيث بنيت وفق قواعد ومعايير الهندسة المغربية من إبداع حرفيين مغاربة دون إغفال المعايير الجمالية المستلهمة من أوروبا.
ومنذ سنة 2014، تمت إحالة متحف دار الباشا على المؤسسة الوطنية للمتاحف حيث قامت، في إطار استراتيجيتها لترميم و إعادة تأهيل المتاحف، بإعداد مشروع إصلاح متحف دار الباشا، بهدف جعله متحفا للروافد يكون ساعدا حيا على غنى الثقافة المغربية ومختلف مكوناتها.
وعند المدخل الرئيسي يجد الزوار ممرا طويلا يمكنهم من اكتشاف السقف المزين بالزليج الملون و كذا الطراز المعماري الأندلسي. تظهر بعد ذلك النجمة الرمزية المغربية منقوشة على باب من خشب الأرز. مع متابعة السير نحو اليمين يجد الزائر نفسه أمام ابواب من خشب الأرز، تيجان ذات أعمدة منقوشة و منحوتة و ملونة بصباغات طبيعية كالخشخاش النيلي والزعفران.
ويباري السقف الألوان والأشكال فيما بينها من خشب الأرز، مع انحناءات بزخارف هندسية وزهرية تحيل برسوماتها وألوانها على الأقمشة، ويكسو الزليج والمنحوتات الجبصية الأعمدة من مضلعات نجمية ذات هندسة دقيقة وأفاريز زهرية على شكل معين هندسي أو مخالب أسد تزين الأعمدة.
ولعل ما يشد انتباه الزائر عند مدخل هذا الفضاء المتحفي هو ديباجة دستور 2011 لتذكير كل زائر شغوف باكتشاف هذا المتحف بعراقة وأصالة هذه الأمة ومختلف الروافد التي غذت الهوية الوطنية (الإفريقية والإسلامية والعربية والعبرية والمتوسطية).
وتنقسم هذه البنية المتحفية إلى فضاء للعرض يمكن من الولوج إلى سلسلة من المعطيات التاريخية والأركيولوجية التي تظهر مختلف جوانب الثقافة المغربية، وفضاء آخرا مخصصا للفن الإسلامي تعرض به كتابات ولوحات وأدوات مختلفة تتعلق بالعلوم والمعارف الإسلامية.
وإذا كان هذا المتحف بمثابة “بوابة” للثقافة والحضارة التاريخية للمملكة، فإن هذا الفضاء يؤدي وظيفة أخرى لا تقل أهمية عن الأولى وتتمثل في تثمين مكون أساسي للتراث المغربي وهي مهن الصناعة التقليدية، باعتبارها مهنا تناقلتها الأجيال على مدى قرون وتستحق الحفاظ عليها ونقلها للأجيال اللاحقة.
كما يشتمل المتحف على فضاء مخصص لمجموعة أعمال فنية عالمية، تعود لباتي كادبي بيرش، والتي تمثل القارات الأربع (أمريكا، إفريقيا، أوروبا، آسيا)، وفضاء دائما للعرض يتضمن معطيات تاريخية وأركيولوجية تبرز مختلف أوجه الثقافة المغربية، وفضاء مخصص للمعارض المؤقتة.
وبالمناسبة، أكدت محافظة متحف الروافد – “دار الباشا”، السيدة سليمة آيت مبارك، أن المعارض المؤقتة المنظمة داخل هذا الفضاء المتحفي منذ افتتاحه، تميزت جلها بخصوصية إبراز غنى الثقافة المغربية في مختلف مكوناتها.
وذكرت السيدة آيت مبارك بأن المتحف احتضن معرضا تحت عنوان “أماكن مقدسة مشتركة .. تقاطع بين الديانات التوحيدية الثلاث”، شكل حدثا ثقافيا أكد مرة أخرى توجه المغرب كأرض للتعايش والحوار بين الأديان والحضارات.
وأوضحت أن هذا المعرض سلط الضوء على مكون أساسي في الثقافة المتوسطية وهو التعايش بين الأديان.
وكانت المؤسسة الوطنية للمتاحف قد أعلنت عن تنظيم معارض في كافة متاحفها، مع مراعاة التدابير الصحية الوقائية، وذلك بهدف “الاحتفاء بالحياة وتسليط الضوء على هذه الظرفية التي وسمها انتشار الجائحة”.
وأشار المصدر ذاته إلى أن متحف الروافد دار الباشا بمراكش سيحتضن معرضا بعنوان “من الخيط إلى الملح، من إفريقيا جنوب الصحراء إلى المغرب” من تصميم وإعداد الفنان لوسيان فيولا.
ويتوقف المعرض، الذي تستمر فعالياته إلى غاية 10 يناير 2021، عند غنى وتنوع الموروث الثقافي الوطني بمختلف تجلياته ودور الثقافة الاشعاعي كرافد من روافد التنمية.
(فؤاد بنجليقة)