مراكش تستعد لتهيئة ظروف رفع حجرها الصحي
-محمد كرسي –
مراكش – إذا كانت مراكش في رأي كل مغربي أو أجنبي مدينة مليئة بالحياة في الليل كما في النهار مع حركية وأنشطة في مختلف المجالات فأمر واحد مؤكد: عودة المدينة الحمراء للحياة الطبيعية لما قبل جائحة كوفيد-19 أمر لا زال بعيد المنال.
فالعودة إلى الحياة السابقة للأزمة الصحية التي خلفها العدو غير المرئي في الوجهة السياحية الأولى للمملكة سيحتاج وقتا وسلسلة من الإجراءات الاستباقية لا سيما فيما يخص التباعد الاجتماعي والسلامة الصحية وتدبير الفضاءات العمومية والحركية خلال فترة ما بعد كوفيد.
هذا الرفع للحجر الصحي الذي يجب وفقا لآراء وتوقعات خبراء ومختصين ومختلف الأطراف المعنية أن يتم بشكل تدريجي. وفي هذا الإطار تعمل السلطات المحلية والفاعليين المؤسساتيين والمجتمع المدني على قدم وساق منذ أسابيع من أجل استباق السيناريوهات الممكن وقوعها بهدف ضمان تدبير أمثل لفترة ما بعد الحجر الصحي.
وقد أطلقت ولاية مراكش آسفي، باعتبار مهمتها في توحيد المبادرات التي تتطلب انخراط الجميع، دينامية فعالة من أجل توحيد الطاقات وحفز التفكير الجماعي والمنظم في إطار نقاش بناء يتناول ليس فقط خصوصيات وإشكاليات الوضع الحالي وإنما أيضا الجانب التوقعي بتحدياته وحدوده والتي تتطلب البحث عن حلولو مبتكرة ومبدعة للتأقلم بشكل أفضل مع فترة ما بعد كوفيد-19.
وهكذا تم إطلاق منتدى “مراكش ما بعد كوفيد-19” والذي برمجت في إطاره سلسلة من الجلسات الموضوعية وورشات النقاش وتبادل الآراء بهدف التشاور مع مختلف الفاعلين المعنيين حول أشكال التعاطي ما مرحلة ما بعد الحجر ولاسيما في ما يتعلق باستعمال الفضاءات العمومية وقضية الحركية.
ويتعلق الأمر بمقاربة تشاركية ودامجة تجمع الفاعلين المؤسساتيين والمجتمع المدني بهدف التفكير والتشاور حول آليات وسبل تطبيق رفع الحجر الصحي واستباق السيناريوهات المتوقعة وتحسين استعمال الفضاءات العمومية والنقل والحركية ضمن قضايا أخرى.
وقال والي الجهة، كريم قاسي لحلو، في كلمة خلال الجلسة الافتتاحية عبر الانترنت (ويبينار) لسلسلة اللقاءات المبرمجة في إطار هذا المنتدى، إن المنهجية المختارة لهذا المنتدى دقيقة جدا حيث تسمح بتجميع كافة التدخلات وفقا لاستراتيجية موحدة تتأسس على ثلاثة محاور أساسية.
ويهم المحور الأول، وفقا للوالي، الحماية ولاسيما الوقاية والسلامة الصحية في ما يهم المحور الثاني إعادة إطلاق القطاعات الاقتصادية والاجتماعية في أفق ضمان إقلاع جديد لها.
أما المحور الثالث ، يواصل السيد قاسي لحلو، فيتعلق بالابتكار عبر إعداد حلول وآليات جديدة للتدخل.
وأوضح والي الجهة أنه تم تماشيا مع هذه المقاربة تنظيم خمسة أوراش تفاعلية عن بعد بشراكة مع عدة فاعلين، هم الأول إطلاق دراسة عامة حول مراكش ما بعد كوفيد-19 من طرف جامعة القاضي عياض والمركز الجهوي للاستثمار، فيما هم الثاني مبادرة “تشالنج” (تحديات) التي تنظمها “إيمورجينغ بيزنيس فاكتوري” وشركاؤها.
أما الورش التفاعلي الثالث الذي أطلق من طرف فرع الاتحاد العام لمقاولات المغرب بمراكش آسفي فقد تمحور حول دراسة القضايا الاقتصادية وآفاق ضمان استمرارية القطاعات الاقتصادية خلال ما بعد كوفيد-19، فيما اتصل الورش التفاعلي الرابع المنظم من طرف المجلس الجهوي للسياحة حول النهوض بالقطاع السياحي، هذا زيادة عن ورش خامس منظم من طرف الوكالة الحضرية لمراكش حول موضوع الفضاءات العمومية وتحديات تدبيرها.
وفي هذا الإطار، نشطت الوكالة الحضرية لمراكش أول مؤتمر عبر طريقة vidéo conférence تحت شعار “أية فضاءات عمومية بعد رفع الحجر ؟ التفكير في ما بعد الحجر من خلال ممارسة ذكية للفضاءات العمومية ” ، التي كانت مناسبة لعدد للمشاركين (مسؤولين وفاعلين مؤسساتيين وأكاديميين وخبراء في المجال الحضري والتربية والتكوين والصحة والسياحة والهندسة والإسكان )، لتقديم وجهات نظرهم وآفق استعمال هذه الفضاءات بمراكش بعد انتهاء الحجر الصحي .
ولم يكن اختيار هذه التيمة اعتباطيا، وذلك بالنظر الى أن الفضاءات العمومية ستكون، بكل تأكيد، الأماكن الأكثر التي سيرتادها المواطنون بعد فترة طويلة من الحجر، الأمر الذي يستدعي ضمان تدبير مثالي وفعال لهذه الفضاءات، والتي تشكل القلب النابض للمدينة الحمراء خلال فترة ما بعد الحجر.
وأوصى المشاركون في الندوة بأهمية تلاقي أفكار مختلف المتدخلين بهدف تشجيع نهج فعال لوضع مفهوم جديد يتعلق بطرق استغلال الفضاءات العمومية قادر على ضمان سلامة الجميع في احترام التدابير الوقائية ما بعد رفع الحجر.
واقترحوا كذلك، بالخصوص، منعا مؤقتا لاستخدام هذه الفضاءات في الأنشطة التجارية والاقتصادية ، وإعادة التنظيم المؤقت لهذه الفضاءات، وتحويل الأزقة التي يقل عرضها عن 10 أمتار إلى ممرات مخصصة للراجلين ، ووضع خطة تتعلق بالأنشطة التجارية مع مراعاة التباعد الاجتماعي، والتحسيس ورفع درجة الوعي بالحاجة إلى الامتثال للتدابير الوقائية والصحية والحفاظ على الفضاءات العمومية ، بالإضافة إلى إحداث لجان مشتركة لضمان الامتثال للإجراءات المتخذة .
وأكدوا على أهمية الأخذ بعين الاعتبار العلاقة بين الصحة العامة والتخطيط الحضري في السياسات العامة بشكل عام.
وأوصوا كذلك بتخفيف ضغط حركة المرور والتنقل من خلال توسيع بعض الشوارع، وإعادة تنظيم المرور على مستوى بعض ملتقيات المرور وحظر دخول الشاحنات الى المدينة.
كما دعوا إلى إيلاء المزيد من الاهتمام لذوي الاحتياجات الخاصة ، من خلال تجويد الولوجيات ، وحث المواطنين على التقليص من تنقلاتهم ، مع التركيز على ضرورة إعادة التفكير في تدبير النقل العمومي مع ضمان فعالية وسائل الوقاية ، واعتماد ساعات عمل مختلفة ، حسب المناطق ، وذلك من أجل تفادي الازدحام في أوقات معينة وإعادة هيكلة وتجديد أسطول الحافلات.
وتكمن أهمية هذه النقاشات، في سياق رفع الحجر، التي أثارتها سلطات مراكش بمساعدة الفاعلين المؤسساتيين ، على أساس مقاربة تشاركية تشرك الهيئات المنتخبة والمجتمع المدني ، في كونها مبادرة حكيمة ينتج عنها ا ابتكار تعبيرات من قبيل العيش جميعا بعد فيروس كورونا.
ولا يمكن لمثل هذه النقاشات الهادئة والجادة بين الفاعلين المعنيين بفضل تبادل الآراء حول قضية حيوية مثل ما بعد الحجر الصحي، وميكانيزمات التدخل الاستباقي، إلا أن تضمن تدبيرا فعالا وأمثل للفضاءات العامة وإطارا ذكيا لحركة أفضل داخل مراكش بعد رفع الحجر الصحي