مراكش تستعيد زمن المقاومة من خلال مذكرات المقاوم مولاي عبد السلام الجبلي «أوراق من ساحة المقاومة المغربية»
الكاتب:
إسماعيل حريملة
في أجواء مترعة بعبق الوفاء والاعتراف بتضحيات جيل من رواد المقاومة الذين استرخصوا الغالي والنفيس من أجل الدفاع عن استقلال البلاد، واسترجاع سيادته التي أهدرتها أطماع الاستعمار الفرنسي، وبفضاء أثثته قامات وطنية من رعيل الوطنيين والمقاومين، عاشت مراكش على امتداد ساعات مساء أمس السبت، شريط ذكريات هذه المرحلة من تاريخ المغرب. «أوراق من ساحة المقاومة» للمقاوم مولاي عبد السلام الجبلي، شكلت النافذة التي فتحت للإطلالة على هذه المرحلة، والتنقل عبرها بين ثنايا حدائقها المورفة بظلال الورود والأشواك معا، حيث تصدت لقراءة الكتاب أسماء عايشت جزء من نضالات المؤلف من عيار السفير محمد الأخصاصي. «التزوير الفاضح الذي طال جزء من ذاكرة المقاومة المغربية، بنيات مبيتة هدفت إلى تشويه الحقائق وتزييف الوقائع، بغية تحقيق مكاسب أنانية وأهداف فئوية، شكل الدافع الحقيقي لكتابة هذه الأوراق، أملا في المساهمة ولو بجزء في إنارة الحقيقة، وتنوير الأجيال اللاحقة بتاريخ بلادهم»، بهذه الكلمات التي كانت تخرج بطيئة لكن واثقة، لخص مولاي ادريس الجبلي الأسباب التي دفعته لركوب مغامرة هذا التوثيق لمرحلة تاريخية محفوفة بالمطاب والأنواء، مع التأكيد على قيم الصدق والنزاهة التي تبقى من أهم القيم التي تربى وترعرع عليها الرعيل الأول من رواد المقاومة، الذي حمل على عاتقه التأسيس لبنية المقاومة ضد سرطان الاستعمار وأذنابه من العملاء والمتعاونين. الكتاب الذي سهر على تجميع شتات أفكاره ودبج أسطره الروائي والأديب عبد العزيز آيت بن صالح، صيغ بلغة سلسة وبسيطة راوحت في شكلها بين الوثيقة التاريخية والعمل الإبداعي الفني، فمنحت القارئ إمكانية المتعة والتعليم، وفسحت أمامه عوالم عدة مطبوعة بإشباع اللذة والذائقة الفنية، وتلقف المعلومة التاريخية التي تؤرخ لكفاحات جيل من المقاومين، وتسلط الضوء على مرحلة مظلمة من تاريخ وطن اسمه المغرب، ورحلة كفاح أبنائه في سبيل الاستقلال وتقرير المصير. محمد الأخصاصي الذي تم انتدابه لتقديم قراءة في هذا المنتوج الفكري المراوح بين السيرة الذاتية لمقاوم ومناضل من جيل الرواد، والعمل الإبداعي المفتوح على عوالم وآفاق رحبة من تاريخ المقاومة وجيش التحرير، قدم قراءة سريعة لكن عميقة نبش من خلالها في تضاريس الكتاب. عملية الحفر انطلقت من محورين أساسيين حددهما الخصاصي في: السياقات الوطنية والتاريخية التي أطرت المسارات الحياتية لصاحب «أوراق من ساحة المقاومة»، والحوامل المعنوية التي دعمت هذا المسار ومنحته القدرة على ركوب قطار تجربته الكفاحية الطويلة. محوران سلط من خلالهما الضوء على ثلاثة أبعاد في حياة المقاوم مولاي عبد الجبلي، انطلقت من بعدها الوطني لتصل إلى بعدها النضالي مرورا بالبعد المقاوم، حيث نهل في الأولى من الوسط الأسري والعائلي الذي تشبع من داخله بالفكر الوطني والروح المقاومة من خلال سيرة الوالد وجمهرة رفاقه باعتباره أحد رموز المقاومة الوطنية وهي في مرحلتها الجنينية. شراسة المستعمر وقوة القمع المسلط على الوطنيين الذي امتد به إلى التطاول على رمز السيادة الوطنية ونفسه لعاهل البلاد، فتح الباب أمام البعد الكفاحي والمقاوم في مسيرة صاحب الكتاب، الذي عرفته ساحة الكفاح مخططا ومدبرا للعديد من العمليات الفدائية ضد رموز الاستعمار وزبانيته، قبل أن تفتح كوة البعد النضالي في سيرة هذا الشخصية مع استقلال المغرب، واختلاف الرؤى والتوجهات في تدبير مرحلة ما بعد الاستقلال. وخلال كل هذه المسيرة الغنية بالعطاء والبذل بنكران ذات منقطع النظير، وبصدق ونزاهة لامست حدود التضحية، قدم مولاي ادريس الجبلي – حسب الخصاصي- نموذجا في الوطنية، ما أحوج ممتهني السياسة اليوم إلى الاقتداء بها، باعتبارها النموذج الذي تحتاجه الأوطان الطامحة إلى صعود سلم الرقي وضمان مقعدها بين العالم المتحضر. اللقاء الذي سهر على إدارته حسن أوريد، عرف مشاركة امحمد الخليفة القيادي الاستقلالي الذي قدم بدوره قراءة تفصيلية لمحتويات “أوراق من ساحة المقاومة المغربية” قبل أن يعلن عن إسدال الستار عن فعاليات الملتقى الذي استعاد خلاله الحضور، شذرات من زمن المقاومة والنضال.
إسماعيل احريملة/