مراكش مدينة عريقة تتشبث ب “بهجة الحياة” ما بعد “زوال الجائحة “
عبد الحميد زويت -مراكش24
منذ تفعيل قانون الطوارئ الصحية في المغرب و حنين ساكنة مراكش العتيقة يتقوى لإسترجاع النمط السابق لحياة إجتماعية يطلق عليها في أوساط الصناع التقليديين “حياة البهوج”
وحتى إن كانت للوهلة الأولى هذه الجملة الصغيرة توحي ب”حياة بهيجة” أو “سعيدة” إلا أنها تلخص في الواقع سلوكا مجتمعيا أصيلا يعكس حلاوة الموروث الثقافي و يختزل بين تفاصيله فلسفة لفن العيش و تفادي التعقيدات التي لا يجني منها الفرد إلا التعاسة.و رزما من الهموم والنكد.
التشبت بروح الدعابة والنكتة سلوك روتيني تنهجه وتؤمن بنجاعته في الترويح عن النفس العديد من الأسر المراكشية العريقة بعد كل يوم عمل شاق , وهو الأمر الذي لم يعد في المتناول خلال الظروف الصحية الحالية التي يطغى عليها الإنضباط والتقيد بالإجراءات والتدابير الوقائية التي وضعتها الحكومة بشكل إحترازي للحد من تفشي وباء كورونا والسيطرة على العدوى في عموم التراب الوطني .
و تفتقد ساكنة المدينة خلال هذه المرحلة الحرجة وخصوصا تلك القاطنة بالأحياء الشعبية حس الدعابة وروح النكتة وخصوصا بعد إغلاق الحاضنات الإجتماعية لهذه الطقوس التي تتمركز عادة في الأسواق العتيقة والفنادق التقليدية حيث كانت تتم برمجة لقاءات يومية بعد صلاة المغرب تجمع “معلمين” يشتغلون في نفس “الفندق” حول كؤوس شاي منعنعة للدردشة الخفيفة وتبادل الدعابات حول شخصية الأسبوع التي يتم التركيز حول أخطاءها وهفواتها الإنسانية لإذكاء روح الفكاهة الجماعية وإنهاء يوم شاق من العمل على إيقاع الفكاهة قبل العودة للمنزل .وذلك في إنتظار يوم الجمعة الذي يُعد موعدا ثابثا يضربه جميع “المعلمين ” في إحدى الحدائق و “العراصي” المترامية على مقربة من أغلب الأحياء العتيقة وحتى الأحياء العصرية التي تنامت بشكل واسع خلال السنوات الأخيرة .
جائحة كورونا التي تواصل خلخلة سلوكاتنا الإجتماعية ستعمل بكل تأكيد على إرساء قواعد إجتماعية جديدة لن يتخلى من خلالها سكان مدينة مراكش عن هويتهم وأصالتهم المغربية الأصيلة , لكنها ستضع لهم حدودا جديدة للتواصل حيث ستختفي بعض السلوكات المعتادة منها العناق والمصافحة بالوجه وكثرة التقارب الإجتماعي وستظهر أيضا سلوكات فردية وضوابط مجتمعية تساير الوضع الصحي الذي يعرفه العالم لكنها عموما ستبقى تدابير صحية بلمسة مراكشية و ستستمر إلى ما بعد القضاء النهائي على الوباء
وعموما كل التقاليد والسلوكات الجماعية التي كان ينهجها ويتشبث بها المراكشيون ما قبل زمن كورونا باتت اليوم مطروحة للنقاش بهدف الحفاظ عليها وتحيينها تماشيا مع زمن ما بعد كورونا الذي سيكون زمنا تتوحد فيه أسس التواصل ما بين الأفراد في جميع بقاع العالم وخصوصا المدن العريقة في المغرب . وهي مهمة لن تتأتى بسهولة دون أجهزة حكومية قوية قادرة على صيانة وحماية موروثنا الثقافي والإجتماعي وجعله يساير الضوابط العالمية للصحة العامة و يستدعي بشكل عاجل تدوين وتوثيق هذا الموروث الثقافي و الحفاظ عليه لإرساء ركائز حضارتنا المغربية الأصيلة التي لم يتبقى منها في زمن العولمة إلا شذرات قليلة ترتبط فقط بالمعيش اليومي للأفراد في حين لم نتمكن من إحياء الضوابط المجتمعية المنبثقة أيضا من حضارتنا المغربية العريقة .والتي كانت تولي عناية خاصة بفن العيش المشترك.الذي كانت أول ركائزه “حياة البهجة” والإبتسام في وجه الأخر