مراكش وتارودانت ,,,, التوأمة الحقيقية والفوارق الشكلية
علي هرماس
كثيرة هي أوجه التشابه بصفة عامة بين مدينة تارودانت الحبيبة ومدينة مراكش العزيزة، عديدة هي التقاسيم الاجتماعية والبصمات العمرانية المشتركة بينهما بصفة خاصة، بل يمكن الحديث عن حالة طبيعية تتميز بها المدينتين لا دخل للإنسان فيها، طبيعة المناخ ما بين قر الشتاء وحر الصيف .
من خلال هذه المعطيات يمكننا الحديث عن وجه من أوجه التوأمة الحقيقة بصم بها التاريخ القديم والوسيط وجه المدينتين، قبل أن يصل قطاره إلى العصر الحديث، وأصبحنا نسمع الإعلام يتحدث عن التوأمة الدولية بين المدن لا تحمل من الاسم سوى موضوع توقيع بروتوكول ورقي، ولا يتعدى الفعل السياحة المتبادلة بين الطرفين الموقعين عليه، تغلف بستار تبادل الخبرات والتجارب وزيارات العمل المشترك.
تارودانت بنت الشام – كما يقال- بما كانت تجمع من الخصائص العمرانية المشرقية، لم يبقى منها إلا نماذج وعينات قليلة داخل بعض الدور والدروب، في زمن ما انتقلت الصور منسوخة طبق الأصل إلى مراكش ،على اعتبار أن مدينة تارودانت سابقة في الخط الزمني من التاريخ المغربي، محطة للمرابطين ومهد الموحدين الذين أسسوا مدينة مراكش وأخيرا قبل ستة عقود دولة السعديين الذين أغنوا المدينة حضاريا قبل انتقال عاصمة ملكهم الى مراكش.
للأسف الشديد الرصيد التاريخي بتارودانت لم يتم استثماره على الوجه الأكمل بشكل يمكّن المدينة من التطور وتحقيق تقدم نوعي خارج حزام السور، مع المحافظة وصيانة ما هو خصوصية تاريخية داخله؛ بل الأدهى والأمر يتم الإجهاز على ذلك عينة تلو الأخرى، إما خلسة في جنح الظلام أو نهارا بغض الطرف من قبل الجهات الإدارية المراقبة والمسؤولة. نذكر هنا أشجار النخيل التي كانت تعج بها تارودانت بخاصيته التكاتفية- نموذج حي البلاليع- وليس الفردية كما هو موجود في مراكش، أيضا الصابات التي كانت تتجاوز المائة عينة إحصاء حددته مندوبية الشؤون الثقافية بتارودانت، توسع هذه الأخيرة بشكل غير مهيكل فيما كان بالأمس يعتبر حزاما اخضرا…
بينما مراكش سلكت سياسة حضرية واعدة حافظت من خلالها على الأصالة داخل المدينة القديمة بالرغم اكتظاظها حد الاختناق، وفي ذات الوقت تبنت سياسة عمرانية عصرية مكنت من التوسع بالمدينة الحديثة، أولا بشكل يسهل انسيابية السير والجولان للمركبات والأشخاص، ثانيا اعتماد الجمالية العمرانية كعنصر تكميلي من خلال واجهات البنايات والساحات الفسيحة، والمدارات الكبيرة عبارة عن مساحة خضراء نضرة مصغرة، والنافورات بحمامها البري، والشوارع الطويلة العريضة برصيف يستوعب ممشى الراجلين والإنارة العمومية والأشجار… قد يقول قائل يتعلق هذا بحي كيليز ومحيطه فقط، نقول ان مراكش الى الأمس القريب- التسعينات- توسعت بمحيط المدخل الجنوبي – طريق الأوداية – على عشرات الهكتارات التي كانت تعد مناطق فلاحية خلف حي المسيرة 1 و 2، وضمن ما تقرر أثناءها شوارع بعرض 20 متر بمنطقة الفيلات و 30 الى 40 متر بين العمارات، وهذا العرض يعطينا صورة عن طول الشوارع وعرض الأرصفة … بصفة عامة تقييم السياسة العمرانية المحلية بكل مدينة والساهرين على ذلك، يمكن أن نستشفه من خلال هيكلة مداخلها الرئيسية، هو الذي يولد انطباع الاستحسان والارتياح أو الاستهجان في عين السائح/الزائر، هذا ما أهل مدينة مراكش لتسوق صورة مزدوجة مدنية عصرية وسياحية أصيلة، وتحتل بذلك صدارة الواجهة المغربية ضمن ستة مدن مغربية كبرى مهمة ، بل تتقدم على العاصمة العلمية مفخرة الفاسيين اعتبارا لتاريخ المدينتين، بدليل احتضان مراكش على الدوام للقاءات ذات صبغة سياسية عالمية .
إن ما نحتاج إليه في تارودانت لرفع الحيف والغبن عن آن ومستقبل المدينة ، هو قرارات مماثلة شجاعة تسطر مخطط هيكلي يضع قطيعة مع منطق التردد والتخوف من جهة والمحابات الشخصية من جهة أخرى، واعتماد مخطط شمولي وليس جزئي أو مرحلي . يتذكر الجميع أحد رؤساء السلطة المحلية وهو العامل محمد طريبة الذي كان يوجب على الدوام المدينة ليل نهار، وأحدث بها تغييرا جدريا ملموسا ، بمختلف الادارات العمومية، أيضا إعادة هيكلة الحديقة العمومية اليتيمة، وفتح ورش ترصيف الشوارع الرئيسية، وأهم شيء سجل له، توحيد لون صباغة واجهة المنازل، حيث أن إحدى شركات الصباغة بالدار البيضاء ابتكرت لأجله لون خاص سمي “بيج” تارودانت على غرار “بيج” كتبية لمدينة مراكش و”بيج” صحراء لمدينة العيون، لكن بعد مغادرته/تقاعده بدأ كل شخص يصبغ واجهة منزله باللون الذي يحلو له، بل بعض المحلات “التجارية” تختار عن قصد ألوانا مثيرة ، دون الحديث عن احتلال الملك العمومي، وتزايد البناء العشوائي بالمحيط، ظاهرة ستطرح مستقبلا من دون أدنى شك مطلب حق الربط بالتجهيزات الحضرية … ظواهر اجتماعية مشاهدتها نادرة جدا بمراكش، وان كانت فهي مرتبطة بلحظات/ساعات معلومة، بينما تستفحل وتتناسل بتارودانت في كل مكان وزمان وتسيء لوجه المدينة، التوأم الشقيق تاريخيا لمدينة مراكش، وهو ما جعل الفرق في الصورة الحضرية بين المدينتين يزداد خرقا اتساعا سنة بعد أخرى .