معاناة في قاعات المحاكم يا سيادة وزير العدل
عبد الله الشرقاوي
نتوجه إليكم السيد وزير العدل – مرة أخرى – من هذا المنبر، لنشتكي لكم معاناتنا من عدم تجهيز قاعات جلسات المحاكم، ونعطيكم على سبيل المثال لا الحصر بعض قاعات محكمة الاستئناف بحي الرياض في عاصمة المملكة المغربية، والقريبة من وزارتكم – المريحة التجهيزات – باعتبار أني شبه مداوم على مواكبة الملفات بهذه المحكمة، كصحفي مٌعمر ارتبط عمله بالمحاكم منذ 1990، حيث يمكنكم القيام بزيارة ميدانية بعيدة عن البروتوكولات، لتكتشفوا كمواطن ومتقاضي غياب المكيفات، وتعطلها إن وجدت، مما يجعلنا نعاني من جهة صيفا من فرط الحرارة التي تزداد حدة مع صغر وضيق قاعات جلسات المحاكم، بموازاة كثرة المتقاضين، وغياب أماكن مخصصة للصحفيين، ومن جهة أخرى نعاني شتاء من شدة البرودة، وكذا غياب وانعدام مكبرات الصوت، والتي يتم تشغيل الموجود منها في المناسبات وبعض الملفات دون أخرى، علما أنه حينما تكون الحرارة مفرطة والقاعة مليئة بالمتقاضين فإن الأمر يصبح شبيها بحمام شعبي لا ينقصه إلا “الكيس” و”الكسال” للشروع في “تحميمة” تزيل الأوساخ، دون الحديث الروائح الكريهة نتيجة العرق والازدحام، كحالة القاعة 1، والقاعة 3 المخصصة لجرائم الأموال، التي لا تطاق هذه الشهور في ظل معالجة الهيئة القضائية منذ أشهر ملف المخدرات والأمنيين المتابع فيه 45 متهما، يحتجزون جناحا كاملا من القاعة، ونازلة التلاعب بشواهد التوظيف بالوقاية المدنية، المتابع فيه 108 شخص، أغلبهم يظل خارج القاعة.
ومن الغريب أن المكيف المبثوث بصقف قاعة الجلسات رقم 3 معلق يوضع “كديكور” تتطلع إليه الآعين والأعناق كلما استفحل لهيب “الصهد” رغم التأكد من تعطله، في الوقت الذي يلاحظ البعض يلوح بأوراق بيده “لاقتناص التهوية” حتى من طرف القضاة… أي ظروف للعمل مثل هاته يا سيادة وزير العدل؟
وهنا تمنيت لو أن سي أوجار زارنا بصفته الوزارية “بشحمه ولحمه”، أو أي مسؤول ممن “يطربوننا” بالتحديث عن إصلاح منظومة العدالة، ويأتي للوقوف معنا في الطابور، أو الجلوس جنبنا فوق الكراسي الخشبية، ليعيش الواقع بعيدا عن التنظير من فوق الكراسي الوتيرة والمكيفات المريحة، ولكي يتخذ الإجراءات الضروريات من خلال المعاينة الميدانية، بما في ذلك شم روائح العرق، وإمكانية التعرض لمضايقات بعض المتقاضين… وبعيدا عن مثل هذه المتمنيات، نرجع لموضوعنا لنقول إن القاعة الفسيحة المخصصة لقضايا مكافحة الارهاب بملحقة سلا، تعرف نفس الوضع، علما أنها كانت أنيقة وجميلة إبان عرض ملف فضائع “إكديم إزيك” على امتداد سبعة أشهر، لكن ذلك كان من أجل سواد أعين الوفود الأجنبية، التي واكبت أطوار المحاكمة، من حقوقيين ومحامين وصحفيين دوليين، والذين وفرت لهم حتى المراحيض المتنقلة بالمجان داخل بناية المحكمة، وفضاء لتناول القهوة، المؤدى عنها طبعا، لكن بمجرد انتهاء المحاكمة عادت حليمة لعادتها القديمة، وكأن المتقاضين لا يستحقون هذه المعاملة، علما أن تكلفة المحاكمة وتكلفة التجهيزات تؤدى من جيوب دافعي الضرائب من المغاربة.
وإذا كانت أغلب هذه المعاناة نتقاسمها مع جميع المرتفقين لفضاء العدالة، فإننا لا بد أن نتحدث باسم هؤلاء، بمن فيهم القضاة “الجالس والواقف”، والمحامون، وكتاب الضبط، والعدول والموثقون والخبراء وضباط الشرطة…لأن فضاء العدالة كبنايات، يفترض أن تكون من أرقى مؤسسات الدولة، خصوصا وأن قطاع العدل من أهم القطاعات الحيوي المدرة للدخل على خزينة الدولة، والذي خصص لفائدته في التسعينيات صندوق لتجهيز المحاكم وتحسين بنياتها.
ويمكن أن نتحدث هنا، ونذكر بما سبق أن أثرناه مرارا- دون كلل ولا ملل – عن غياب، وشبه غياب أعوان المحاكم داخل جلسات قاعاتها، والذين تمت تسوية وضعيتهم دون تقديم بدائل، مما عقد وضعية اشتغال بعض الهيئات القضائية التي يمكن أن تجد أحيانا نفسها في ورطة وحرج من حيث تسلم وتبادل وثائق ملفاتها، وهو موضوع سبق ان أثرناه، لكن وزارة العدل أبت إلا أن تصم آذانها لحد الساعة، عملا بمقولة : “كم حاجة قضيناها بتركها” وهي مسألة تزيد من تعقيد الوضع وترفع كلفة الإصلاح، وتكون لها نتائج عكسية على المردودية، لأن عدم توفير إمكانيات العمل له نتائجه وانعكاساته، التي لا تتناطح حولها عنزتان.
في هذا السياق وجهنا أيضا للإدارة العامة للأمن الوطني سؤالا حول السند القانوني لاشتغال بعض رجال الأمن مهمة “شواش” داخل قاعة محكمة، من خلال مد الوثائق لأطراف الدعوى، وتمكين رئيس الهيئة القضائية من توقيع محضر الجلسة في كل ملف، وبالتالي هل هناك تعويض عن هذا العمل إن كان ضمن وظيفة عناصر الأمن داخل المحاكم؟ وما هي الإجراءات المترتبة في حالة رفض رجل أمن القيام بمهام “الشواش” التي هي ليست من صميم عمله؟ إلا أن الإدارة العامة للأمن الوطن تجاهلت هي الأخرى تساؤلاتنا، وها نحن نعيد طرحها وسنظل إلى أن يتضح الخيط الأبيض من الأسود.
ولن أعيد، السيد وزير العدل، الحديث عن الكراسي المهترئة ببعض قاعات الجلسات، ومواء القطط داخل المحكمة، والقيام أحيانا بأشغال الحفر إبان انعقاد جلسة قضائية كما حدث ذات أربعاء بملحقة سلا، وضيق مكاتب القضاة وعموم موظفي العدل، وتجهيزاتها، وقاعات المداولات وشروطها، وعدم انتظام أوقات انطلاق الجلسات، وغير ذلك مما هو معلوم منذ عقود، من قبيل الورقة التي كان وزير العدل الأسبق عمر عزيمان قد أعلن عنها، ولم يرقه أن كشفت جريدة «العلم»، عنها، لأنه كان يريد الإعلان عنها في «حفل بهيج»….
كما سبق أن تحدثنا بإسهاب عن أزمة وإشكالية المراحيض داخل محاكم المملكة، وهي مسألة في غاية الأهمية، ويتوجب حلها، علما أن استئنافية الرباط بمقرها المركزي في حي الرياض تفاعلت مع نداءاتنا، وفتحت مرحاضا -على الأقل- بجانب أحد أبوابها، والذي يعرف إقبالا، حيث يمكن أن تجد أحيانا طوابير المتقاضين ورجال الدرك والأمن ينتظرون دورهم.
ملحوظة: أين هي ميزانية المحكمة الوطنية لمكافحة الارهاب بالرباط؟
إذا كانت هناك مساعدات دولية مخصصة لمكافحة الإرهاب بالمغرب ورصد ميزانية عامة لمكافحة هذه الجريمة العابرة للقارات، فلماذا لا ترصد ميزانية خاصة للمحكمة الوطنية لقضايا مكافحة الإرهاب بمحكمة الاستئناف بالرباط، والتي يتوجب أن تشمل بنايتها، وتكوين ليس فقط قضاتها بمختلف درجات التقاضي، والشرطة القضائية المكلفة بهذا المجال، وإنما تمتد لتعم من جهة كتاب الضبط والمحامين من خلال التنسيق مع هيئاتهم وجمعية هيئات المحامين بالمغرب، ومن جهة أخرى المساهمة في تكوين صحفيين متخصصين، دون الحديث عن توفير خزانة تضم العمل القضائي المغربي، والمقارن، وأمهات الكتب والدراسات والأبحاث، بعيدا عن مراكز بحوث تنتج أوراق فارغة.
كما يجب أن تخصص تحفيزات لرجال الأمن العاملين في هذا المجال، وليس فقط المشتغلين بالمكتب المركزي للأبحاث القضائية، التابع ل”ديستي”، والفرقة الوطنية للشرطة القضائية، وإنما لعناصر الأمن العاملين بمحكمة الاستئناف بملحقة سلا، الذين هم في احتكاك مباشر ويومي مع المعتقلين في هذا النوع من القضايا، التي تتطلب ساعات مضنية من العمل، خصوصا يومي الأربعاء والخميس من كل أسبوع، وإبان التحقيق بشكل يومي، دون إغفال عناصر القوات المساعدة وحراس السجن الذين لهم علاقة بهذه الملفات.
كما أن التحفيزات المادية يفترض أن تشمل جميع العناصر الأمنية التي تشتغل على هذا الملف، سواء بالبوادي والحواضر، وفق مقاربة تراعي مثل هذا المعطى البشري والإنساني، لأن عملية التحفيز والتشجيع، والتكوين، والتكوين المستمر في إطار التخصص مسألة جوهرية وحتمية. وأتنمى أن لا نكرر مثل هذه “المسلمات” مع وزير العدل المرتقب في حكومة ما بعد سي العثماني، إن كان في العمر بقية. وبه وجب الإعلام.