مغاربة يقدمون القرابين للجن بحثاً عن الكنوز المدفونة حكايات مثيرة من تحناوت
قد يبدو التشبث بأوهام تسلّق سلم الغنى والثروة عن طريق استخراج الكنوز سخيفاً في عهد التكنولوجيا الرقمية الذي نعيشه في وقتنا الراهن، وقد يعتبر البعض كل ما يقال في هذا الباب ضرباً من ضروب الخيال وأساطير لا نجدها سوى في القصص والحكايات الشعبية، عكس البعض الآخر، دليله في ذلك تجارب شخصية أو لأشخاص نجحوا في إقناع الأرواح القيمة على الكنز وحققوا حلم الوصول إلى الثراء.
قصص وحكايات غريبة
بمدينة تحناوت بضواحي مراكش،;;;إبراهيم الروداني، شاب في أواخر عقده الثالث جاور العديد من الباحثين عن الكنوز وطارد هو الآخر حلم الوصول إلى الثروة لما يزيد عن عشر سنوات، دون أن يصل إلى مبتغاه .
يقول إبراهيم: “إن العديد من الحكايات والقصص التي تروى عن مغامرات البحث عن الآثار، تبدو غير منطقية ومن الصعب أن يصدقها إنسان، إلا أنها وقائع حقيقية عشنا الكثير منها ولازلنا”، قبل أن ينهمك في سرد فصول حكاية غريبة لرجل يدعى السوسي، وهو شيخ طاعن في السن ذو لحية ناصعة البياض يحمل السر كما يسميه أهل الحرفة، له قدرة عجيبة على استخراج الكنوز، ولا يتنقل إلا بوجود “تقييدة” أو خريطة موثوقة.
لكن المثير في قصة الرجل هو أنه لا يستعمل أي أداة أثناء عملية الحفر، بل يقوم بقراءة بعض التعويذات لتفتح الأرض أمامه بسهولة، لينزل إلى أعماق الأرض بخطوات واثقة، حيث يكتفي بزجاجة تحوي ماء له قدرات عجيبة، فيما يترك الذهب والياقوت لمرافقيه يقول إبراهيم.
أما الحاج مصطفى، فهو الآخر لم يخفِ تعرضه لمجموعة من الأحداث الغريبة طيلة العشرين سنة التي قضاها في البحث عن الكنوز، مشيراً إلى قصته المثيرة يوم تسبب خطأ ما أثناء عملية الحفر بحثاً عن إحدى الدفائن، ضواحي مدينة تنغير جنوب المغرب، في تعرضه وزملائه إلى ضربة عفريت أفقدتهم الوعي لساعات قبل أن يجدوا أنفسهم وسط أرض خلاء على بعد كيلومترات من مكان الحفر.
تقييدة معقدة وطرق مختلفة لرصد الكنوز
تَميز المغاربة القدامى بالذكاء في دفن كل ما هو قيم، فأغلب الكنوز تكون في أماكن مقدسة كالمساجد والأضرحة والزوايا، وهي أماكن لها قيمة روحية عند الناس، مع وضع علامات معقدة تُوثق وفق وثيقة تسمى التيتر أو التقييدة وتعني خريطة المكان الذي يحوي الكنز انطلاقاً من علامات مميزة.
يقول عبد الإله المنافي باحث في هذا المجال، “في الماضي كان الباحثون عن الكنوز يشتغلون بشكل مريح نسبياً نظراً لقلتهم وقلة المراقبة من طرف السلطات المغربية، عكس اليوم، فالسلطات الأمنية دخلت على الخط وأصبح ممتهنو هذه الحرفة تحت المراقبة، لأن الدولة تعتبر كل ما بباطن الأرض ملكاً لها، ما دفعهم إلى استعمال مصطلحات جديدة غير مفهومة لدى العامة درءاً للشبهة “.
وأشار المتحدث إلى وجود طرق تقليدية وحديثة للكشف عن واستخراج الكنوز، فالأولى تعتمد بشكل كبير على مهارات الفقيه أو المشعوذ في استخدام التعويذات من أجل تحديد مكان الكنز وإقناع الجن بتحويل ملكيته إلى الإنس، بينما تتحدد الوسائل الحديثة في آلات متطورة تستعمل في الجرد الجيولوجي لكشف طبقات الأرض وتحديد نوعية المعادن المتواجدة تحتها، وتتراوح أسعارها ما بين 2000 دولار و 70 ألف دولار.
قرابين ونصب باسم الجن
التمكن من قواعد علم السحر شرط أساس لأجل إقناع الجن بقبول انتقال ملكية الكنز منهم إلى الإنس، حسب قول الحاج مصطفى، والذي يؤكد على أن للجن طلبات غريبة كالذبائح، من قبيل جدي أو ديك أسود أو قلب طائر البوم، فيما يشيع بين المشعوذين أن الجن يفضلون دم طفل ذي خصائص معينة اعتماداً على بريق عينيه وخط الكف يطلق عليه اسم الزوهري.
ويرى عبد الإله المنافي أن كل هذه الأمور مجرد خرافات يختلقها المشعوذ من أجل تسهيل عملية النصب على ضحاياه، وإيهامهم بأن المهمة صعبة ولن يتقنها غيره.
ويشير أنه من السهل النصب على أشخاص في هذا المجال نظراً لإيمانهم بأن للجن طلبات مقابل رفع وصايته عن الكنز، ما يفتح الباب أمام المشعوذين لبيع مواد عادية بأسعار خيالية، كالبخور الذي يستعمل في الطقوس التي تسبق عملية الحفر وهي مواد لا تعرف مكوناتها تباع بحوالي 300 دولار، والماء العشري بـ 400 دولار، ثم “الحرز” وهي ورقة تكتب عليها طلاسم يزعم بائعوها أنها تقي حاملها من ضربات الجن أثناء عملية الحفر يتم بيعها بـ 300 دولار، فيما تبقى أكبر عمليات النصب في هذا المجال تحدث باسم مادة عجيبة اسمها الزئبق الأحمر روحاني .
أسطورة الزئبق الأحمر
يزعم رواد هذا المجال أن للزئبق الأحمر “الروحاني” قدرات عجيبة، وهي مادة ذات قيمة كبيرة تستخدم في أمور لها علاقة بتسخير الجن، حيث يعتقد أن إطعام العفريت غراماً واحداً من هذه المادة كفيل بأن يرجع إليه شبابه ويضاعف قدراته بشكل رهيب، ما يجعله قادراً على تحقيق جميع طلبات الإنس بما في ذلك المادية منها.
وهي مادة نسجت الكثير من القصص الغريبة حولها، تارة يقال إنها توجد بالقرب من أهرامات مصر، وفي كنوز تحت الأرض، ومناطق متفرقة عبر العالم، بالإضافة إلى استخدامها في صناعة القنابل النووية، حيث يصل سعر الغرام الواحد من هذه المادة لأزيد من 4 ملايين دولار.
وبين الحقيقة والخيال، يبقى هذا المجال مبهماً لدى الكثيرين نظراً لطغيان الخرافة والأسطورة على مجمل الحكايات التي تروى، إلا أنه ورغم ذلك، ما زال المنقبون في تزايد مستمر يستند كل واحد منهم على تقييدةيزعم بأنها قادرة على إرشاده لتحقيق حلم الوصول إلى ثروة الأجداد.