منع الذبح الحلال يسائل التعدد الديني والثقافي في بلجيكا
يشكل المجتمع البلجيكي نسيجا غير متجانس من الثقافات المحلية (الفلامانية، والفرنكفونية، والجرمانية)، وأخرى ظهرت جراء موجة الهجرة التي عرفتها البلاد منذ خمسينيات القرن الماضي، خاصة من بلدان شمال إفريقيا، وتركيا، وألبانيا. فالأجانب يشكلون 11 في المائة من سكان المملكة، كما أن 19 في المائة ولدوا من أصل أجنبي.
هذه الهويات والانتماءات اللغوية المختلفة ما كانت لتعيش جنبا إلى جنب لولا وجود نظام قانوني واجتماعي يضمن لكل واحد الحق في ممارسة خصوصياته الثقافية من عبادات، وطقوس وعادات اجتماعية.
فالدستور البلجيكي يضمن لجميع المواطنين حرية الدين أو المعتقد، فضلا عن حماية الطوائف الدينية من تدخل الدولة في شؤونها الداخلية. كما أن مبادئ قبول واحترام الآخر سمة طبعت المجتمع البلجيكي منذ سنين مما جعله في منأى عن التمييز ضد الأجانب أو الفكر العنصري الذي يسود في بعض البلدان الأوروبية.
غير أنه في السنوات الأخيرة، طفت على السطح نقاشات داخل المجتمع البلجيكي، قادتها تيارات سياسية وفكرية، ومنظمات المجتمع المدني، تروم التضييق على حرية التعبد والحق في الخصوصية الثقافية، بدعوى الدفاع عن الثقافة الوطنية والحفاظ على الهوية الأوروبية.
استهلاك اللحوم من بين القضايا التي تثير اليوم جدلا دينيا وقانونيا واسعا في بلجيكا بعد حظر الذبح بدون تخدير الذي دخل حيز التنفيذ في الجهة الفلامانية مطلع 2019، وسيصبح ساري المفعول في فاتح شتنبر في جهة والوني – بروكسل، بدعوى التخفيف من آلام الحيوان.
المسلمون واليهود، الذين يشكلون 6 في المائة من إجمالي عدد السكان في بلجيكا، وجدوا أنفسهم أكثر المتضررين من هذا الإجراء بسبب التزامهم بطقوس خاصة في التعامل مع الأضحية، حيث اعتبروا القرار تقييدا للحريات وعدم احترام الخصوصية الدينية للمجتمعين، وبدرجة أكبر للجالية المسلمة بحكم تواجدها بكثافة بالمملكة، ولارتباطها بسنة عيد الأضحى الذي دأبت على الاحتفال به بحرية، رغم بعض القيود المرتبطة بالسلامة الصحية للذبيحة.
فالتشريعات البلجيكية كانت تشترط على المذابح الالتزام بطرق تجعل الحيوان لا يشعر بالألم )التخدير أو الصعق الكهربائي(، مع استثناءات بالنسبة لعمليات الذبح التي تخضع لطقوس دينية خاصة.
ويقول عبد الكريم بالرمضان، الباحث في الحضور الإسلامي في أوروبا، والذي له دراسة حول هذا الموضوع، إن جمعيات الرفق بالحيوان المعروفة بقوة تأثيرها، تضغط في اتجاه إلغاء الذبح الشرعي، مشيرا إلى أن النقاش حول الذبيحة “الحلال” أو ” الكوشر ” عند اليهود في بلجيكا امتداد لنقاشات عرفتها دول أوروبية أخرى كألمانيا، وهولاندا، والدول الاسكندنافية.
وأضاف أن ” الأوروبيين يعتقدون أن المسلمين، على الخصوص، لا يمتلكون ثقافة تتعلق بالرفق بالحيوان ” مؤكدا على وجود ” نصوص في القرآن والسنة، وتراث فقهي غني يعتني براحة الحيوان “.
ويبدو أن أجواء الانتخابات الإقليمية والاتحادية والأوروبية التي تعيشها بلجيكا منذ أشهر دفعت، بشكل أو بآخر، في اتجاه تبني قرار الحظر حيث أصبحت قضية الذبح بدون تخدير طعما انتخابيا دسما، وموضوع مزايدات سياسوية خاصة من قبل اليمين واليمين المتطرف الذي يسعى، كما كان الشأن في عدد من البلدان الأوروبية، إلى توظيف حقوق الحيوان للتضييق على الأقليات.
ودفاعا عن حقها في الذبح وفق طقوسها الدينية، تقدمت منظمات يهودية وإسلامية بالتماس إلى المحكمة الدستورية في بلجيكا من أجل إلغاء هذا القانون الذي صادق عليه برلمانا الجهة الفلامانية ووالوني، والذي أحالته بدورها على محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي باللوكسمبورغ.
فالقانون الأوروبي ينص على ضرورة تخدير الضحية قبل إزهاق روحها، مع استثناءات عندما يتعلق الأمر بالذبح وفق قواعد دينية.
غير أن هذا القانون يسمح للدول الأعضاء )أو الجهات كما هو الحال في بلجيكا(، باعتماد قواعد تضمن حماية أكبر للحيوانات. وتنتظر المحكمة الدستورية البلجيكية من محكمة العدل الأوروبية النظر ما إذا كان هذا الترخيص يسمح للدول الأعضاء بحظر الذبح بدون تخدير.