نبيل.. قصة شاب تحدى الإعاقة ووصل لأعلى قمة جبلية بالمغرب
سعيد مكراز -اليوم24
الساعة المعلقة على جدار منزل متواجد بالمدينة القديمة بالدار البيضاء، تشير الى الثالثة صباحا، من يوم السبت 28 ماي 2016 ،ولكون الساعة من الطراز القديم فقد كانت تصدر صوتا يجتاح كل الحجرات ليصل الى مسمع “نبيل” وهو شاب من مواليد 1985 متخصص في برمجة المواقع استطاع التأقلم مع واقع حياته الجديد الذي بدأه سنة 2004 ، حين أصيب بمرض خبيث استلزم معه اجراء عملية جراحية بثر الاطباء احدى سيقانه، و منذ ذلك الوقت قرر هذا الشاب ان يعوض هذه الساق بالارادة والعزيمة وصنع المستحيل، ورَفْع الصورة النمطية التي يراها المغاربة في الشخص المعاق الذي يرتبط دائما بالاحسان والتسول.
وداع “المعشوقة”
استيقظ نبيل حوالي الساعة الثالثة من صبيحة السبت 28 ماي ، تناول ما تيسر من “خبز الدار” ليغادر الدار البيضاء أو “المعشوقة ” كما فضل تسميتها عبر حافلة اقلته من محطة اولاد زيان الى مدينة مراكش ، استغل فترة تواجده في الحافلة ليرتب العديد من الافكار ، فالرحلة هذه المرة ليست كسابقتها فهو اليوم وحده، ورفيقه في المغامرة حقيبة تزن حوالي 5 كلغرامات وعكازين وبطاقة ائتمان بنكي وبعض النقود وهاتف نقال متطور لتوثيق اللحظات المهمة في الرحلة، والاهم من كل هذا حسب قوله :”علم وطني اقتنيته باربعين درهما باحد المحلات التجارية بالمدينة القديمة وسارفعه في مكانه الطبيعي.. القمة”.
الوصول الى “الحمراء”
حطت الحافلة اوزارها في الثامنة صباحا بالمحطة الطرقية ، واستغل نبيل الفرصة ليستنشفق عبير الصباح بمراكش، وتجول بعينيه بين جدران سورها السلطاني، ومددها قدر المستطاع وزاد في اتساع مساحة النظر فراغ الساحات والشوارع من الساكنة لكون اليوم يوافق العطلة الاسبوعية، ولا يقطع سكون الصباح سوى اصوات
بعض الدراجات النارية وسيارات الاجرة.
الانطلاق الى “إمليل”
بمجرد وصول نبيل الى محطة سيارات الاجرة التي تؤمن الرحلات الى قرية امليل ، حتى فاجأه بعض السائقين الذين تعرفوا عليه دجنبر الماضي، وانهالوا عليه بالتحية وأخده بعضهم بالاحضان، فقد كان مميزا في كل شيئ في اول لقاء، اخلاق عالية وروح مرحة، تباث و قوة ارادة جعلت منه انسانا لايُنْسى، وتوجه بعدها نحو احدى السيارت واختار المقعد المناسب للقيام بالمهمة المناسبة، تحركت الالية وانطلقت لتختفي بعد ساعة في منعجرات الاطلس الكبير وفي طرق ملتوية.
الاستعداد الاخير
وصل نبيل الى القرية التي تعتبر اولى محطات الراغبين في تسلق قمة اوكايمدن، دخلها وكله امل في الوصول الى القمة وتنفس هواءها، أخد العدة من حقيبته وارتدى حداء اقتناه خصيصا لذلك، أحكم وثاقه وأخد عكازيه، لم يكن منظره غريبا، فبمجرد ارتدائه لتلك الوسائل اقترب منه مجموعة من الشباب، وتبادلوا معه اطراف الحديث، لينتهي الشوط الاول من المقابلة بالاتفاق على الصعود جماعة نحو القمة، الشباب القادمون من اكادير في رحلة منظمة استعانوا بخبرة نبيل في الصعود، وقدم لهم بعض النصائح عن طريقة تدبير التنفس وخاصة وأن الصعود الى القمة يصاحبه نقص في الاوكسيجين، مما يعني صعوبة في ضبط ايقاع التنفس وهو ما يسبب الغثيان والدوار.
خمس ساعات من المشي
انطلق الشاب في مغامرة الوصول الى القمة حوالي الحادية عشرة صباحا ، الجو كان مشمسا ومغريا على المغامرة ، وبدأ الجميع يطوون المسافات، وفي كل مرة كان نبيل يستعين بحبات من التمر والزبيب والماء، وهي على حد قوله :”منشطات تساعد على توفير السعرات الحرارية وبدورها ستوفر للجسم الطاقة اللازمة لتوفير المجهود البدني اللازم للصعود”.
لم يكن نبيل ينظر خلفه، بل كانت خطواته متسارعة، حتى أن الشباب الذي صاحبه تفاجأوا بالطريقة التي يصعد بها نحو القمة، وكيف يستغل الفراغات والمسافات، ومضت حوالي خمس ساعات من المشي المتواصل تخللتها فترات جد قصيرة من الراحة ، ليصل الجميع الى المكان الذي يطلق عليه ” الاستراحة LE REFUGIER حوالي الساعة السادسة مساء.
ليلة بين السماء والارض
اختار الشباب هذه المنطقة لقضاء ليلتهم ، ابتدأت طقوسها بنصب الخيام المعروفة بالكندية، سل نبيل مثيلة لها من حقيبته ونصب اعمدة بلاستيكية مكنته من الحصول على خيمة تأوي جسده الذي انهكه المسير ليوم كامل في طبيعة جد قاسية، استسلم للنوم ولم يبال حتى صعدت اولى خيوط الفجر، استيقظ رفقة اصدقائه وبعد تناول بعض المعلبات في وجبة الفطور، استعاد الجميع نشاطه وبدأت الرحلة نحو القمة حوالي الرابعة صباحا.
الوصول الى القمة
امتد الشوط الاخير من الرحلة حوالي ثلاث ساعات من المشي، استغل فيها نبيل خبرته بالمنطقة ، متفاديا كل الأخطاء التي سجلها في رحلته الاولى، وصل أخيرا الى أعلى القمة واكتفى بتعليق بسيط على الموضوع قائلا لـ”اليوم 24″ :”أنا ووطني في قمة توبقال “.
وأضاف :”هذه المرة في بداية الرحلة كنت لوحدي وصادفت أناسا من أنحاء المغرب هناك من أعرفهم وهناك من بدأت بالتعرف عليهم والكل أصبح متشوق بعد رؤيتي وأنا في تحدٍ آخر إلى قمة جبل توبقال زادهم الحدث أكثر عزيمة وإرادة، ومنذ إنطلاقي من قرية إمليل حتى وصولي إلى قمة توبقال والكل مغاربة وأجانب اتحدوا على كلمة واحدة ألا وهي لك كل الإحترام والتقدير على شجاعتك وإرادتك التي جعلتها درسا قيما لنا، وهذه فرحة لا توصف بعدما علمت أن الرسالة قد وصلت للجميع
الأمنية الكبرى معلقة بِشرط”