تقاريرتؤكد: مراكش، رائدة في قيادة المرأة للدراجة النارية بالمنطقة العربية
. تونس – تتسم عادة نظرة القاطنين في العواصم بالانفتاح والتفهم مقارنة بالذين يعيشون في الأرياف والقرى، لكن البعض من أصليي العاصمة التونسية يتحرجون من ركوب المرأة التونسية للدراجات بأنواعها، لا سيما النارية منها، في حين تعتبر بعض المحافظات الداخلية ذلك أمرا مفروغا منه يسهّل على النساء التنقل وقضاء شؤونهن كافة، حتى أن بعض السيدات يقدن دراجتهن النارية مصطحبات أبناءهن معهن سواء لإيصالهم إلى مدارسهم أو للتنقل برفقتهم لأنهن لا يجدن مكانا لتركهم.
وتحرص التونسية منذ حداثة سنها على الحصول على دراجة نارية تسهل عليها كل مشاوريها ومنهن من تقصد المعهد أو الجامعة على متن دراجتها النارية.
وتعتبر التونسية حميدة السكلاوي، التي بدأت ركوب الدراجات النارية في سن الـ14، أول سيدة عربية وأفريقية تشارك في الرالي الدولي لسباق الدراجات إلى جانب أنها أسست ناديا لمحبي الدراجات في تونس تعلم فيه النساء ركوب الدراجات النارية.
وتأتي هذه المباركة لقيادة التونسية للدراجات في القرى والمحافظات سواء المتاخمة للعاصمة أو البعيدة عنها، في وقت لا تزال فيه المرأة في العديد من البلدان العربية تعاني من قيود النظرة المستنكرة لذلك كما هو الشأن في العاصمة التونسية.
ولذلك ظهرت الكثير من المبادرات النسائية التي عملت صاحباتها على محاربة العقليات الرافضة والمستهجنة لهذه الظاهرة بالخروج عن دائرة النواميس التي عقدتها مجتمعاتهن المتزمتة، من خلال التجوّل بالدراجة الهوائية في جولات جماعية ببعض شوارع وأزقة بلدانهن المحافظة.
مبادرات نسائية
كانت الرسامة العراقية مارينا جابر إحدى الفتيات اللاتي أقدمن على تحدي تقاليد وأعراف بلدانهن، حيث دعت ضمن مبادرة “أنا المجتمع″ التي أطلقتها على مواقع التواصل الاجتماعي، الفتيات والشباب بشكل عام إلى مشاركتها في قيادة الدراجة الهوائية تغلبا على التقاليد والحرمان الممارس على المرأة من قبل المجتمع الذي يعتبر قيادتها للدراجات من العيب والتمرد.
ووفقا لمصادر إعلامية، قالت الفتاة البغدادية في تصريحات سابقة حول تقبل المجتمع العراقي لمبادرتها، “في البداية كنت أتجول في الأزقة الهادئة ثم انتقلت إلى المناطق الشعبية، وهناك قوبلت بالرفض وأحيانا بالشتم، بل وحاول بعض الرجال عرقلة دراجتي ودفعي للسقوط”.
ولا تختلف نديمة أبوالعينين عن جابر، حيث كونت هذه الفتاة السعودية فريقا بمدينة جدة (غرب المملكة العربية السعودية) يؤسس لمجتمع نسائي من محبي ركوب الدراجات الهوائية.
وخرجت أبوالعينين بفريق “بسكليتة” في جولات أسبوعية لممارسة رياضة يفكر الفريق في خوضها مستقبلا على نطاق واسع محليا وعالميا، بالإضافة إلى أن مؤسسة الفريق سبق وأن قالت قبل أن يسمح للمرأة السعودية بقيادة السيارة إنها وعضوات الفريق يسعين لاستبدال ركوب السيارة بالدراجة.
يعتبر ركوب المرأة للدراجات بأنواعها من المحاذير المجتمعية في بعض البلدان العربية، إذ من غير المقبول اجتماعيا أن تقود المرأة الدراجة في الشارع العربي، إلا أن مجموعة من النساء العربيات من مختلف الشرائح الاجتماعية والفئات العمرية أظهرن للعلن تحديا للأعراف والتقاليد المحافظة وجُبْنَ الشوارع والطرقات على متن دراجاتهن الهوائية والبخارية وفرضن على مجتمعاتهن قبول ذلك
كما ظهرت في الآونة الأخيرة شابة سعودية تدعى مريم المعلم (30 عاما) تتجوّل في شوارع المنطقة الشرقية في المملكة على متن دراجتها النارية، لتكون بذلك أول شابة تكسر ما تفرضه العادات الاجتماعية من قيود في المنطقة الشرقية.
وهؤلاء الفتيات لا يعتبرن استثناء فقد عرفت السنوات الأخيرة عدة مبادرات نسائية في عدد من البلدان عانت البعض من صاحباتها السب والقذف، وكان خروجهن على متن دراجاتهن كفيلا بمطاردتهن بالكاميرا واستعراض الفتاوى الدينية على أنهن فتيات جريئات وجب وضع حد لهن، لا سيما في اليمن الذي حاولت نساؤه في عام 2015 تحدي نقص الوقود ونفاده بالاستغناء عن السيارة واستبدالها بالدراجة، فأثرن جدلا كبيرا في المجتمع اليمني الذي لم يألف مثل هذه الممارسات في الوقت الذي حاولت المرأة اليمنية إيجاد حل لأزمة الوقود.
وتعد الباكستانية طيابة طارق مثالا حيا أيضا للمرأة التي تحدت أزمة الازدحام المروري الخانقة في بلادها في عام 2016 عبر تجوّلها في شوارع مدينة لاهور في شرق باكستان على متن دراجتها النارية، لتكون واحدة من جيل جديد من الشابات الراغبات في كسر ما تفرضه عليهن العادات الاجتماعية من قيود.
تقبل نسبي
نساء عربيات يقدن مجتمعاتهن للتغيير بخروجهن على السالف والمعهود
يبدو أن هذا التحدي أفضى إلى تقبل نسبي لركوب المرأة للدراجات بمختلف أنواعها في بعض البلدان، إذ ترى السيدة المصرية ياسمين محمود أن هناك اختلافا مجتمعيا حدث بالفعل في نظرة المجتمع لقيادة المرأة للدراجة، وأن ذلك ظهر واضحا من خلال اختلاف تعامل المارة بالشارع مع الفتيات اللاتي يقدنها وسط الشوارع المزدحمة، وأن الوضع قبل سبع سنوات حينما خاضت تجربة قيادتها للمرة الأولى يختلف بشكل كلي عن الوضع القائم حاليا.
ولا تجد غضاضة في أن تأخذ طفلتها الصغيرة البالغة من العمر عاما واحد خلفها على الدراجة، وذلك بعد أن صممت مقعدا خصيصا لها بشكل مؤمن يضمن عدم تعرضها لأي أخطار أثناء قيادتها.
وأضافت محمود (34 عاما) في تصريحات لـ”العرب”، “الآن أضحت هناك أعداد كبيرة من الفتيات يقدن الدراجات، صحيح أن المضايقات لم تنته ولكن ذلك ساعد على تفهم الكثيرين للأمر، بل إنه أصبح هناك تشجيع لهن من قبل المارة أو قائدي السيارات”. وأوضحت أن قيادة الدراجة قبل سبع سنوات كانت أكثر صعوبة بمراحل عن الفترة الراهنة، وذلك يرجع إلى أن أعين سائقي السيارات لم تكن تتوقع سير الدراجات بجانبها، وهو الأمر الذي كان يضاعف حالات تعرض الفتيات للمضايقات، كما أن سير الفتيات في مجموعات صغيرة لحماية أنفسهن كان إحدى الأدوات الهامة لمحاولة تغيير نظرة المجتمع.
غير أنها أشارت إلى أن تطور نظرة المجتمع لم ينتقل إلى المستوى الحكومي حتى الآن، فلا توجد مسارات مخصصة لسيرها بالشوارع، كما أن بعض الطرق المصممة حديثا والتي توفر مسارات بالفعل لا يتم الالتزام بها، وتستخدم في الغالب كأماكن لوقوف السيارات.
ولفتت إلى أن التطور المجتمعي تجاه النظرة لقيادة الفتيات للدراجة لم ينتقل حتى الآن إلى الأنواع الأخرى منها كالدراجة البخارية أو سكوتر، وهو راجع أيضا للفتيات أنفسهن واللاتي يفضلن قيادة الدراجات العادية.
وأشارت إلى أن الأبعاد التاريخية لقيادة الفتيات للدراجات في مصر والتي كانت تنتشر بشكل كبير في فترات خمسينات وستينات القرن الماضي، كانت عاملا مساعدا على تشجيع الآباء والأمهات لبناتهن هذه الأيام، غير أن ذلك يرتبط أيضا بالبيئة المجتمعية المحيطة بالفتاة، وأن الأمر مازال يواجه صعوبات كبرى في المناطق الشعبية وبعض الأقاليم.
وتبرهن محمود، التي تشرف على أكاديمية خاصة لتدريب الفتيات على قيادة الدراجات، على حدوث تطور ملحوظ في تغير نظرة المجتمع من خلال الإقبال المتزايد ليس من قبل الفتيات الشابات فقط ولكن من قبل السيدات اللاتي تصل أعمارهن إلى الستين عاما.
وتابعت “هناك مديرات مدارس تخطين سن الخمسين عاما يتدربن الآن على قيادة الدراجات، كما أن العديد من الأمهات يشجعن على قيادة الدراجات أسوة ببناتهن، وهو الأمر الذي انعكس أيضا على الآباء، غير أن ذلك يرتبط بشكل أكبر بالمشاركة في مجموعات ‘التريض بالدراجات’ والتي تقام بشكل أسبوعي”.
وهو ما أكد عليه أيضا محمد سامي، مؤسس فريق “غو بايك” للتريض بالدراجات، لافتا إلى أن تلك المجموعات ساهمت في تشجيع الفتيات على قيادة الدراجات.
تحدّ للمجتمع
وأضاف سامي في تصريحات لـ”العرب”، أن أعداد هذه المجموعات أو الفرق تزايدت في مصر خلال العاميين الماضيين ووصلت إلى 15 فريقا ينظم أسبوعيا رحلات بالدراجات في مناطق متفرقة على مستوى المحافظات المصرية، ويشارك في كل رحلة المئات من الفتيات والشباب، وهو ما تسبب في انتشار قيادة الدراجات بالأقاليم أيضا. وأوضح أن فريقه الذي أسسه قبل ستة أعوام طاف حوالي 10 محافظات مصرية منها محافظات بصعيد مصر مثل المنيا وبني سويف، غير أن اللافت كان مشاركة الفتيات بأعداد كبيرة وصلت في إحدى المرات إلى حوالي 80 بالمئة من إجمالي المشاركين في تلك الرحلات بمحافظة المنيا، لكنه شدد أيضا على أن ذلك لم ينتقل إلى مستوى قيادة الفتاة للدراجة بمفردها داخل أقاليم الصعيد.
وأشار إلى أن الأمر مازال بحاجة إلى الاهتمام والترويج بشكل أكبر حتى تكون هناك نظرة مجتمعية تسمح للفتيات بالسير بحرية أكبر وسط الشوارع، إلا أنه لفت أيضا إلى أن انتشار مجموعات التريض بالدراجات كان دافعا للعديد من الفتيات لشراء دراجات خاصة بهن، وهو ما أحدث تغييرا في عقلية الآباء والأمهات ودفع بعضهم لتشجيع فتياتهن.
وفي المقابل، فإن جانيت عبدالعليم، مديرة مبادرة آمان لمناهضة العنف الجنسي، ترى أن جرأة الفتيات على قيادة الدراجات لم يقابلها على الجانب الآخر تغيّر ملحوظ على مستوى نظرة المجتمع الذكورية للفتاة التي تقودها، وأن هناك العشرات من شكاوى التحرش التي ترصدها المبادرة شهريا تتعلق بقيادة الفتاة سواء للدراجة العادية أو البخارية.
وأشارت عبدالعليم في تصريحات لـ”العرب” إلى أن الأسبوع الماضي كان شاهدا على تعرض فتاة بالصف الثاني الثانوي لكسر ساقيها بسبب تضييق سائق وسيلة نقل جماعية صغيرة لها بمدينة السادس من أكتوبر (متاخمة للعاصمة المصرية القاهرة) أثناء قيادتها للدراجة، وأن فكرة قيادة الدراجة بالأقاليم تعد مرفوضة بالأساس من قبل الأسرة في تلك المناطق.
وأوضحت أن لجوء الفتيات للدراجات له علاقة بالمضايقات اللاتي يتعرضن لها في وسائل المواصلات العامة، وأن العديد منهن يفضلن الدراجة كونها أخف وطأة مما يجري وسط تلاحم المواطنين بالمواصلات.
الجسد عائق
يكشف تصريح مديرة مبادرة آمان لمناهضة العنف الجنسي عن أحد الجوانب الهامة التي دفعت المرأة للهروب من وسائل النقل العمومي، فبالإضافة إلى الاختناق المروري وإسراف ساعات من الانتظار في المحطات، تتعرض النساء إلى ممارسات لاأخلاقية، إذ يستغل بعض الرجال الازدحام للالتصاق بالأجساد الأنثوية بطريقة مهينة وسط نظرات صامتة.
ومع ذلك يرفض الكثير من الرجال وكذلك البعض من النساء ركوب المرأة للدراجة، وأسباب هذا الرفض أيضا تتمحور أساسا حول هذا الجسد الذي تسعى العديد من المجتمعات بنواميسها القبلية الرجعية إلى قبره وتنزيل صاحبته المنزلة الدنيا بسببه، حيث تقبل استغلاله في وسائل النقل العمومي بصمتها وتستهجن بنظرتها الحارقة وسياط ألسنتها الحادة ركوبه الدراجة أسوة بالرجل.
وعلى الرغم من أن عددا من النساء العربيات اللاتي يقدن الدراجات بمختلف أنواعها أخذ في الارتفاع، إلا أن مشاهدة امرأة تتجول بين السيارات والمارة بدراجتها لا تزال مثار دهشة واستغراب وعدم قبول، بل ويصنفها البعض على أنها فتاة ذات سمعة سيئة. لكن هذا لا يعني أن هناك دولا عربية لم تقض بعد على هذا التضييق وتفتح المسارات لمرور النساء بدراجاتهن، إذ أظهر المغاربة قبولا لركوب المرأة والفتاة الدراجة الهوائية والنارية في العقود الأخيرة رغم أن ذلك إلى وقت قريب كان غير مقبول.
محمد الإدريسي: قيادة المرأة أو الفتاة للدراجة الهوائية أو النارية هي دليل واضح على أن المجتمع المغربي قد انخرط في مرحلة جديدة من “سلعنة القيم الثقافية”
وقال محمد الإدريسي، باحث مغربي في علم الاجتماع، لم يعد سن المرأة المغربية أو بيئتها الاجتماعية المحافظة كابحا يتحكم في اختيار المغربية قيادة الدراجة الهوائية أو النارية، بل الحاجة هي المحدد الأول لهذا التحول في السلوكيات اليومية.
وأضاف الإدريسي في حديثه لـ”العرب” أن “العولمة والموجة الثالثة من سلعنة السوق (الأرض والإنسان) أسهمتا في إحداث هذه ‘الطفرة’ النوعية في تمثلنا لذواتنا وللآخر وللعالم، حيث بات المجتمع والمرأة بالخصوص أكثر انفتاحا على كل ما هو كوني ووليد مرحلة ما بعد الحداثة: الثقافات الجديدة للباس والحركية المجالية، أنماط الاستهلاك وصورة المرأة في البنية الذهنية”.
وأوضح أن تمدرس الفتاة وانخراط المرأة المغربية في سوق الشغل قد يشكلان نقطة تحول مفصلي في طبيعة النظرة المجتمعية للمرأة في المجتمع المغربي كما عموم البلدان العربية، من خلال بناء هذه الأخيرة لاستقلالية فردية وسلطة اقتصادية مكنتاها من إعادة رسم حدود الممكن داخل المجال العام.
وتابع أن “هذا السلوك المتمثل في قيادة المرأة للدراجة النارية يحيلنا إلى نتيجة تقول إن هناك نوعا من الطلاق يعيشه المجتمع المغربي وعموم المجتمعات العربية بين المعايير والسلوكيات أي بين قيم وتصورات دينية وممارسات غير دينية أو منخرطة في الموجة الجديدة من العلمنة (الدهرنة والدنيوية تساوي فصل الدين عن الأخلاق والحياة العامة)”.
وأكد أن مدينة مراكش، جنوب وسط المغرب، تعتبر رائدة في قيادة المرأة للدراجة النارية كنتيجة لعملها خارج المنزل وتنقلها بين شوارع وأزقة المدينة الكبرى، وتمتعها بمساحة أكبر من حرية التصرف، حيث نجد قيادة الدراجات الهوائية والنارية من طرف نساء من جميع الأعمار والفئات الاجتماعية والخلفيات الأيديولوجية والعقائدية.
وأشار الإدريسي إلى أن قيادة المرأة أو الفتاة للدراجة الهوائية أو النارية هي دليل واضح على أن مجتمعنا المغربي قد انخرط في مرحلة جديدة من “سلعنة القيم الثقافية”، حيث يحضر التماهي مع الكوني في عمق المحلي.
ويشكل الأمر بحسب الباحث المغربي “علامة على انخراطنا في نسق قبول القيم المتوافق عليها كونيا”، ورد الاعتبار لمكانة المرأة في المجتمع، وتراجع تلك النظرة البطريركية والذكورة الرابطة بين المرأة والمجال المنزلي الخاص.
شارك في إعداد التقرير:
محمد محمود من مصر ومحمد بن امحمد العلوي من المغرب