شبابنا اليوم أزمة ثقافة أم أزمة قيم؟
ياسين بن إيعيش _
إن الحدیث عن الإنسان بصفة عامة، وعنھ أیضا كبنیة من صنع الخالق عز وجل، یسوقنا إلى النظر في جوانب ھذا المخلوق؛ المادیة منھا والوجدانیة والثقافیة والسلوكیة…وغیرھا، وجل ھذه العناصر تتداخل لتشكل جزءا لا یتجزأ من المنظومة القیمیة لدى الإنسان، فالقیم تحدد الاستعدادات الأولى لسلوك الإنسان؛ والجانب الأخلاقي ھو الجانب الظاھر من ھذا الحیز القیمي الكبیر، وإذا رف الإنسان كما قال الدكتور محمد بلكبیر ” أو أن نضیف إلى ِّ تعریفاتھ السابقة التي عرفھ بھا المناطقة، باعتباره إما كائنا مفكرًا أو ُ حاولنا أن ن َع كائنا صناعیا، فھو كائن أخلاقي أیضا، وكائن قیمي، وفي غیاب البعد القیمي لا تقوم للإنسان قائمة “، ومن تمة تتكشف لنا المكانة التي تشغلھا القیم في المجتمع بصفة عامة، وفي الإنسان بصفة خاصة. ولو تصفحت وتفحصت الإنسانیة الدین الإسلامي، أو جل الدیانات السماویة التي خلت، لاستقرت القناعة القویمة في كون الله سبحانھ وتعالى قد سطر في ا ومتمما صلى الله علیھ وسلم، مبعوث كتابھ الحكیم، الذي جاء بھ على لسان الرسول الأمین لمكارم الأخلاق من جھة، ومبلغا لرسالة ربھ من جھة ثانیة، ومفاد ذلك أن القیم التي أتى بھا صالحة لكل زمان ومكان، وما یعرفھ واقعنا المعیش الیوم من أزمة حادة یتخبط في زحمتھا شبابنا، ما ھو إلا ضریبة یؤدیھا المجتمع بأسره جرأ خلفیات ھذا التنكر للقیم التي تحكم الإنسانیة جمعاء، فقد أصبحت القیم الآن تعرف نوعا من التدافع والتصادم… فصار كل سرب یغني على لیلاه، حتى أن القیم حرفت عن موضعھا، وجردت من ثیابھا الطاھرة، فغدا كل واحد یلبسھا ثوبا على مقاسھ؛ تحت مسمى ” الحریة ” من زاوتة خاصة تحجب عنھ رؤیة حدود قیمھ إلى جانب الآخرین، ونضرب لذلك مثالا حیا في واقعنا الراھن؛ من خلال ظاھرة المثلیة وما ترتب عنھا من اختلال في الاستقلالیة التي تفصل خصوصیة الرجل عن المرأة في الحیاة، وما یدعو إلى الغرابة مطالبة مكرسي ھذه الظاھرة، بحقوقھم في التعبیر عن آرائھم، وضرورة احترام اختیاراتھم ومعتقداتھم، بدعم من ( جمعیات حقوقیة )معینة ، وھذا مثال حي یدفعنا إلى التساؤل عن ماھیة المرجعیات التي یتوكأ علیھا أصحاب ھذا الفعل؟، ومتى كانت الإنسانیة تبیح الزواج المثلي، أو غیره من السلوكیات اللا أخلاقیة؟ وما محل المؤسسات المجتمعیة من ذلك؟ ھل تقوم ھذه الأخیرة بتعلیم أم تتعداه إلى التربیة؟…، كلھا أسئلة تھدف إلى استنطاق ھذه الأزمة التي كبلت المجتمع بأصفاد صدئة، أصبحت المجتمعات جرأھا وعلى إثر وطأتھا تبحث عن الخلاص في اللجوء إلى القوانین الوضعیة، التي انزاحت ھي الأخرى عن ھذا التیار القیمي، لتكرس لنا ثقافة أخرى؛ مفاده الزجر ومجابھة العنف بالعنف…، ونفس الشيء نقولھ عن ظاھرة التطرف، التي تمكنت من معظم الشباب الحالم بمستقبل زاھر، فزاغت بھم عن وجھة الحق إلى ما عداه، كیف لا؟ وقد وقع ھؤلاء في شبكة أولئك، یصورون لھم صورة الباطل في صورة الحق، یجعلون من العالم جاھلا ومن الجاھل عالما، وحتى إذا أفاق شبابنا من غفلتھم، وجدوا أنفسھم قد سقطوا من تل لا نجاة لمن ألقى بنفسھ بعیدا عنھ… فما الحل یا ترى؟. إن الحل الكفیل بالخروج من شرنقة الضیاع، وإسعاف شبابنا الیوم من ھذه السلوكیات المخلة بدیننا، وبمبادئ الإنسان الإنسان، اعتماد منظومة قیمیة كنظام حیاتي معیش، لكي یصالح شبابنا نفسھ أولا، ولكي نفك أسر مجتمعاتنا من حریات وحقوق مصطنعة ظاھرھا فیھ خیر وباطنھا من قبلھ العذاب. مراكش، بتاریخ: 24 مارس 2017.