“المحطة 50: بين الانتظار الوجودي واستبطان الزمن في المسرح المغربي”
في عرضها الثالث، قدّمت المسرحية “المحطة 50” في المركز الثقافي بسيدي رحال رؤية فنية عميقة جمعت بين الفلسفة والدراما الاجتماعية، حيث صاغ الكاتب بدر قلاج نصًا يعكس تداخل الأسئلة الوجودية مع لحظات حاسمة في الحياة الإنسانية، بينما أخرجها الفنان عبد الصادق طيارة بلغة سينوغرافية وموسيقية تنبض بالحياة. المسرحية التي تستهلم التراث المغربي، لا تُقدم فقط حدثًا مسرحيًا، بل تخلق فضاءً للتأمل في زمن الإنسان المعلّق بين ماضيه وحاضره.
تتسم المسرحية بقدرتها على تحويل المحطة، هذا المكان الذي يبدو عاديًا، إلى رمز للوجود الإنساني الذي يتجاذب بين الانتظار والقلق. فمحطة القطار، كما صورتها المسرحية، هي استعارة عميقة عن تلك اللحظات التي يواجه فيها الفرد قلقًا نفسيًا وحيرة وجودية، إذ يُنتظر قطار قد يأتي وقد لا يأتي، تمامًا كما هي مسيرة الإنسان التي تتأرجح بين ما فات وما هو آتٍ.
اختار الكاتب بدر قلاج بذكاء عنوان “المحطة 50″، ليحيل بذلك إلى مرحلة حياتية مفصلية، تتجسد في منتصف العمر حيث يكون الإنسان أمام مواجهة حتمية مع ذاته، في فترة تختلط فيها الرغبات والإنجازات مع الهواجس عن المجهول. هذه المرحلة، كما تظهر في المسرحية، تتمثل بشكل رئيسي في التحولات النفسية التي تصيب المرأة، التي تُعاني من التساؤلات العميقة حول ما حققته وما تبقى لتحقيقه.
بينما تقدم المسرحية تصويرًا صادقًا لهذا الصراع الداخلي، فإنها لا تغفل عن تعميق ارتباطها بالتراث المغربي، ليصبح العمل متناغمًا بين الأصالة والمعاصرة. من خلال الحوارات والرموز المغربية، استطاعت المسرحية أن تجمع بين الواقع المحلي وأبعاد كونية تتعلق بالوجود البشري والبحث عن الذات.
في “المحطة 50″، تنبثق فلسفة مسرحية تتجاوز حدود الترفيه، لتستقر في قلب التجربة الإنسانية الوجودية. التوترات التي تُظهرها المسرحية بين انتظار الحاضر والمستقبل، وأحلام الشخصيات وآمالها، تظل تسائل الجمهور في كل لحظة عن معنى الحياة ذاته، مؤكدة أن المسرح ليس مجرد عرض، بل هو نافذة لإعادة اكتشاف الذات، بمزيج من الجمال الفني والتفكير العميق في رحلة الوجود