هل تستطيع وسائل الإعلام التخفيف من الانبعاثات الحرارية والمحافظة على البيئة؟!
هل تشعر أن موسم الصيف هذا هو الأشد حرارةً على الإطلاق منذ سنوات؟ لست وحدك إذاً مَن يشعر بذلك، أنا أيضاً تعوّدت على التنزه، وقضاء أعمالي متنقلاً بين وسائل المواصلات العامة، والمشي في شوارع إسطنبول، لكن ومع دخول موسم الصيف، وتحديداً هذا الأسبوع، آثرت البقاء في البيت في ساعات اشتداد حرارة أشعة الشمس، خاصة أن الحر هنا أصبح لا يطاق.
الجميع يشكو ارتفاع درجات الحرارة غير المسبوق، بل إن دولاً تشتهر ببرودة الطقس لديها، وصلت فيها درجات الحرارة إلى 40 درجة خذ فرنسا كمثال، أما في مصر فقد وصلت إلى مستويات قياسية تعدّت الـ47، تركيا أيضاً أصدرت تحذيراً لسكانها، خاصة في المحافظات الجنوبية بتوخّي الحذر وعدم الخروج تحت أشعة الشمس في أوقات الذروة، بسبب ارتفاع حالات ضربات الشمس التي تصل إلى المستشفيات بشكل مستمر.
ثلاثة أعوام مضت هي الأشد حرارة في التاريخ الحديث، فما هي توقعات الأعوام المقبلة؟
نهاية العام الماضي توقّع البروفيسور آدم سكايف، من مكتب الأرصاد الجوية البريطانية، بأن يكون عام 2017 عاماً إضافياً ثالثاً بعد عامَي 2015 و2016، حيث يشهد أعلى درجات حرارة للكوكب منذ بدء السجلات في منتصف القرن الـ19، حسبما نقلت وكالة رويترز، وبالفعل هذا ما حدث.
لربما حان الوقت لنتساوى جميعاً في المظالم، خاصة بعد وصول موجات الحر إلى أميركا وأوروبا والصين وروسيا، المتسببين الكبار في ظاهرة الاحتباس الحراري، التي عادة ما يذهب ضحيتها سكان العالم الثالث، لكن الفارق هنا أن سكان العالم الثالث ليست لديهم الإمكانيات والتجهيزات المناسبة لمواجهة تبعات التغييرات المناخية، كما هي موجودة مع الكبار، لكن تعالِي صراخ المجتمعات “الراقية” ظاهرة صحية، وتطور إيجابي، وأن مصيرنا المشترك أصبح مهدَّداً على هذا الكوكب.
انسحاب أميركا من اتفاقية باريس، وتصريحات ترامب الذي عدّ فكرة أن النشاط البشري هو المتسبب بارتفاع درجة حرارة الكوكب بأنها خدعة، كانت نكسة على صعيد جهود مواجهة ظاهرة التغيرات المناخية، وإيجاد حل لها، وقد تتسبب في خفوت مستوى التوقعات التي كانت تشير إلى أن الأعوام القادمة ستنخفض فيها درجات الحرارة، بالتزامن مع التوجه المستمر لشركات ودولٍ كبرى لاعتماد الطاقة النظيفة بديلاً عن الطاقة الأحفورية، والاهتمام بالنظام البيئي ووضع حد لتآكل الغابات، بل وإنشاء أخريات.
ما الذي تستطيع وسائل الإعلام أن تفعل ما عجز عنه السياسيون والمنظمات لحماية البيئة؟
لا يُنكر مدى تأثير وسائل الإعلام في صناعة وتوجيه الرأي العالم العالمي إلا من يعيش داخل الكهوف النائية المنقطعة تماماً عن العالم، قنوات تلفزيونية، صحف، مواقع إخبارية، منصات على مواقع التواصل الاجتماعي، ويوتيوب أيضاً، كل هذه الوسائل عبر إفراد قسم خاص بالبيئة ومتابعة أخبار التغيرات المناخية والدراسات البحثية التي تتناولها، وتسليط الضوء على جمال الطبيعة والتعايش البيئي، وحماية الحيوانات والحشرات، كإفراد برامج أسبوعية على المحطات الفضائية حتى وإن اختلفت تخصصاتها، ووضع تبويبة مخصصة للأخبار البيئية في المواقع الإخبارية، وصفحة مخصصة للبيئة في الصحف، وما إلى ذلك، خطوات كثيرة يمكن أن تتخذها وسائل الإعلام عبر توجيه الرأي العالم للضغط على السياسيين كأمثال ترامب وغيره ممن يقامرون بظروف الحياة على هذا الكوكب، مقابل مكاسب اقتصادية تعود على بلدانهم.
مؤخراً تداولت وسائل الإعلام الدولية خبراً يتعلق بتبنّي الصين مدينة الغابة، هذه المدينة السكنية ستقوم باستهلاك غاز ثاني أكسيد الكربون من الجو وإطلاق الأكسجين، كمساهمة في التخفيف من الانبعاثات الحرارية، أخبار كهذه ستعمل على المساهمة في الدفع بتبني حكومات أخرى مشاريع وخطط مشابهة.
هذا عدا عن الطبيعة المحورية للإعلام في تشكيل الوعي الجمعي لسكان العالم وتوعيته بمخاطر التلوث البيئي والانبعاثات الحرارية، وتنبيههم لمستقبلهم ومستقبل الأجيال اللاحقة وكارثيته في حال استمرار الوضع على ما هو عليه، كل هذا سيدفعهم عبر الحركات الاحتجاجية المنتشرة حول العالم، إلى الضغط على حكوماتهم لتبنّي الخيارات النظيفة في الحصول على الطاقة.
استغلال قوة وتأثير الوسائل الإعلامية في خدمة هذا الكوكب، قد ربما تساعد على تلطيف الأجواء بمعناه الحقيقي في السنوات القادمة بدلاً من حقنه بمزيد من الحروب والصراعات.
هافينغتون بوست