في مهب المسرح والشاشة: فضيلة بنموسى بين رهبة الخشبة وسحر الكاميرا
احتضنت المكتبة العمومية بدار الثقافةالسراغنة قلعة ماستر كلاس فنيًا استثنائيًا. كان الحدث بمثابة ملتقى للإبداع، قادته الفنانة زكية التحفي، في إطار برنامج توطين مسرح أيوب سمسمة، حيث حلت نجمة الشاشة المغربية فضيلة بنموسى ضيفة شرف، لتعيد عبر حوارها رحلة فنٍ يمتد على أربعة عقود من التحدي والتألق.
استرجعت بنموسى بداياتها المتواضعة في مسرح الهواة بمدينة مراكش، حيث انطلقت رحلتها الفنية في سن مبكرة. لم يكن المسرح بالنسبة لها مجرد فضاء إبداعي، بل عالمًا ينقل نبض الجمهور وهمومه وآماله. بمهارتها وإصرارها، انتقلت من الخشبة إلى الشاشة الصغيرة، وحققت توازنًا نادرًا بين عفوية الأداء المباشر أمام الجمهور ودقة التعبير الفني أمام الكاميرا.
في هذا اللقاء، كشفت بنموسى عن الفارق الجوهري بين المسرح والتلفزيون، موضحة أن الأول يتطلب حضورًا كليًا وانصهارًا في اللحظة مع الجمهور، بينما يفرض التلفزيون براعة في إيصال المشاعر من خلال عدسة الكاميرا، حيث تكون ردود الأفعال مؤجلة وغير مباشرة.
سلطت بنموسى الضوء على تحديات الفن في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، عندما كانت الفرص شحيحة والنظرة المجتمعية للفن تحمل بعض التحفظات. رغم ذلك، تمكنت بدعم عائلتها وإرادتها من تخطي الصعوبات، لتصبح رمزًا للمرأة المغربية التي تجمع بين الموهبة والعزيمة. تحدثت أيضًا عن ضرورة الصبر والعمل الجاد في مواجهة تلك الحقبة، حيث كان الفنانون يسعون لتأسيس حضور ثقافي قوي وسط ظروف اجتماعية واقتصادية قاسية.
لم يكن هذا الحدث مجرد لقاء تقني حول الأداء المسرحي أو التلفزيوني، بل مساحة تأمل عميقة حول دور الفنان في المجتمع. دار الحوار حول كيفية إعادة صياغة المشهد الثقافي المغربي ليواكب تطلعات الجمهور، مع الحفاظ على الهوية والتراث. أكدت بنموسى على أهمية أن يكون الفن مرآة للمجتمع، يعكس آماله وتحدياته، ويغذي الذائقة العامة بقيم الجمال والمعرفة.
في ختام الماستر كلاس، وجهت فضيلة بنموسى رسالة إلى الشباب، مشجعة إياهم على الإصرار في متابعة أحلامهم مهما كانت الصعوبات. دعتهم إلى التسلح بالقراءة والتعلم المستمر لتوسيع آفاقهم، مؤكدة أن الفنان الحقيقي هو من يجمع بين الموهبة والثقافة، وبين الإبداع والعمل.
بهذا الحدث الثقافي الرفيع، أثبتت قلعة السراغنة قدرتها على احتضان فعاليات نوعية تعزز مكانتها كمركز للفن والإبداع في المغرب. بين الحوارات الملهمة والأفكار التي طرحت، رسخت المدينة هويتها كواحة تحتضن الفن وتربط بين الماضي والحاضر، وبين الحلم والواقع.
هذا الماستر كلاس، الذي جمع بين صوت الحكمة وخبرة العقود، لم يكن مجرد لقاء عابر، بل شهادة حية على أن الفن الحقيقي يظل دائمًا جسرًا يوحد الأجيال وينير دروب المستقبل.