رمضان شهر تتأقلم فيه مراكش مع توجهها السياحي وحرارتها المفرطة
عبد الكبير الميناوي
لشهر رمضان في مراكش طقوس خاصة، تجعل يومياته مختلفة عن باقي مدن المغرب؛ نظرا لمجموعة من العوامل، لعل أبرزها تحولها، قبل سنوات، إلى مدينة سياحية بصيت عالمي، يقصدها زوار من مختلف الجنسيات والديانات والأعراق، سواء للسياحة أو للاستقرار النهائي.وفي مراكش، لا يبدو أن شهر الصيام يطرح مشكلا بالنسبة للسياح، خاصة أن عددا كبيرا من المقاهي والمطاعم لا يغلق أبوابه خلال ساعات الصوم، مقترحا على السياح غير المسلمين كل أصناف المشروبات والمأكولات.
ولا يسع المتجول نهارا في ممر «البرانس»، القريب من ساحة جامع الفنا، أو في شارع «جليز» العصري، مثلا، إلا أن يقف متعجبا من قدرة المراكشيين على التأقلم مع الوضع، وتقبل الاختلاف مع «الآخر»، كيفما كانت ديانته وعقيدته، حتى وإن أقبل على الأكل والشرب في الشارع العام في ساعات النهار والصوم. ولأن للسياحة متطلباتها، وللاستقرار بالمدينة أسئلته التي تستدعي واجب التمعن في الفروقات الثقافية والحضارية بين «السكان الأصليين»، من جهة، و«السكان الجدد» وسياح المدينة، من جهة ثانية، فإن شهر رمضان يشكل، بامتياز، لحظة مهمة لقياس مدى تأقلم هذه المدينة، التي أسسها الأمير المرابطي يوسف بن تاشفين قبل نحو 950 عاما، مع ما يتطلبه توجهها السياحي، على مستوى تلبية طلبات الزوار و«المقيمين الجدد»، من أكل وشرب ووسائل ترفيه. وفضلا عن أكثر من مليون ونصف المليون سائح، يزورونها على مدار العام، يعيش بمراكش آلاف المقيمين الأجانب، يتصدرهم أكثر من 8 آلاف مقيم فرنسي. والملاحظ أن كثيرا من الأجانب، سواء من بين سياح وزائري المدينة أو المستقرين بها، صاروا يتفهمون ويفهمون طقوس الشهر الكريم، ولذلك تجد بينهم من يحرص على الأكل متخفيا في غرفة الفندق أو في مسكنه، بل إن منهم من صار يجرب الصوم أيضا. ثاني الخصوصيات التي تميز شهر رمضان في مراكش لهذه السنة، أنه يتزامن مع ارتفاع في درجات الحرارة التي تفرض على المراكشيين توسل كل الوسائل للتأقلم مع حر الصيف، وتغيير برنامجهم ليتوافق وخصوصيات الشهر الكريم.
المراكشيون لا يتخلون عن حس الفكاهة، حتى في وقت الصيام، لذلك تجد بينهم من يقول إن الصوم درجات، وإن صوما تحت درجات حرارة تقل عن الثلاثين درجة ليس من نفس قيمة الصوم تحت درجات حرارة تفوق الخمسين. من حسن حظ المراكشيين أن المدينة الحمراء هي أيضا مدينة خضراء، بحكم العدد الكبير من الحدائق والمتنزهات التي تقع في وسط أو في ضواحي المدينة، لذلك يفضل بعضهم قضاء معظم ساعات الصوم تحت ظلال أشجار حدائق «المنارة» و«مولاي عبد السلام» و«أكدال»، أو حتى «أوريكا» التي تعتبر «حديقة خلفية» لمراكش. ومنهم من يربط الصيف برمضان فيرفع أكف الدعاء بالشكر والامتنان لعباقرة كوريا واليابان، وغيرهما من البلدان المتقدمة تكنولوجيا، الذين اخترعوا للعالم شيئا اسمه المكيفات. وجرت العادة أن يخصص المراكشيون أشهر الصيف للاصطياف وتنظيم الأعراس، غير أن تزامنه، خلال السنوات الأخيرة، مع حلول شهر رمضان فرض عليهم أن يعدلوا في برامجهم؛ حيث يرحلون أعراسهم ومهرجاناتهم وإجازاتهم إلى تواريخ سابقة أو لاحقة. هكذا، يحل رمضان فتتغير عادات المغاربة بشكل عام، على مستوى الأكل والشرب والعمل والمعاملات: القطارات والحافلات تعـدل في مواقيتها، لتتلاءم وأوقات العمل الإدارية، والإدارات تتحول إلى توقيت رمضاني، ينطلق عند التاسعة وينتهي عند الثالثة بعد الزوال، أما الحكومة، فتطمئن المغاربة بخصوص توفـر السلع، التي يتزايد الإقبال عليها خلال الشهر الكريم، من حليب ومشتقاته ولحوم وأسماك وفواكه جافة وقطاني، فضلا عن رفع وتيرة محاربة الغش ومراقبة الأسعار. كما تنشط الحركة التجارية، فتعرف محلات بيع الأزياء التقليدية إقبالا كبيرا، حيث يتخفف المغاربة من الملابس العصرية مفضلين الجلباب والقفطان، انسجاما مع شهر الصيام والعبادة. أما محلات بيع المواد الغذائية فتعرض الفواكه الجافة، وخاصة منها التمور والتين المجفف، علاوة على المواد التي تدخل في صنع الحلويات والوجبات الرمضانية، حتى إن بعض المتاجر تتخلى عن عاداتها القديمة على مستوى ما اعتادت عرضه للبيع، فتتخصص في إعداد وبيع الفطائر والحلويات، مثل «البغرير» و«الشباكية» و«البـريوات»، فيما يشتد الإقبال على المخابز والمحلبات لشراء الخبز والعصائر والحلويات والفطائر. ولأن رمضان هو شهر عبادة، يمنح المسلم فرصة التقرب أكثر إلى خالقه، تنشط أيضا تجارة بيع البخور والسجاد الخاصة بالصلاة، ويشتد الإقبال على المساجد، وخاصة خلال صلاة المغرب والتراويح. وتتكرر خلال رمضان حكاية الراغبين في الإقلاع عن التدخين، وممارسة الرياضة، ويتذكر بعض من جرفهم تيار الحياة ومشاغلها فعلا إنسانيا اسمه «صلة الرحم»، كما تنشط معارض بيع الكتب، وتبرمج الجمعيات الثقافية والاجتماعية أنشطتها الثقافية والاجتماعية، وخاصة بعد الإفطار، ويتم توزيع المواد الغذائية على الفئات المعوزة، كما يلقى القرآن الكريم إقبالا خاصا من طرف الصائمين من خلال الحرص على تلاوته، وشراء أو إهداء نسخ منه. والملاحظ أن طقوس شهر رمضان صارت تفقد بعضا من دفئها المغربي الخالص، متلونة بالقليل من العولمة، سواء على مستوى الاستنجاد بتكنولوجيا التواصل الحديثة لمباركة مقدم الشهر الكريم، أو اللباس والأكل ومشاهدة الأعمال الفنية. فعلى مستوى الأكل، ورغم غنى المطبخ المغربي، صار المغاربة يقبلون على أصناف أخرى من المأكولات، تحسب على ثقافات أخرى، مثل «البيتزا»، وغيرها، يلونون بها موائدهم التي ظلت، إلى وقت قريب، حكرا على الطبخ المغربي الخالص. أما الفواكه فصار معظمها يأتي من خلف البحار، حيث التفاح إسباني، والموز والأناناس والأفوكادو من أميركا اللاتينية، أما التمور فعراقية أو سعودية أو تونسية أو إماراتية أو مصرية، فيما يستورد بعض «التين المجفف» من تركيا. وربما تبقى «الحريرة» الأكلة الوحيدة التي لم تطلها «يد» العولمة، فبقيت مشتركا بين جميع مناطق وأسر المغرب، شمالا أو جنوبا، شرقا أو غربا. و«الحريرة» هي شوربة تتميز برائحة قوية، تعطي لشهر رمضان نكهة خاصة، كما أنها تتميز بطريقة تقديمها وشربها في مصنوعات تقليدية تسمى «الزلايف» و«المغارف». وبقدر ما يشتد الإقبال على المأكولات التي ترتبط برمضان وطقوسه، وتمتلئ الجوامع بالمصلين، فإن قنوات التلفزيون المغربي تعاند بعضها لتقديم برامج خاصة بشهر رمضان، كما تعاند القنوات الفضائية للفوز برضا الجمهور المحلي الذي يبدو أنه صار يجد متعته الفنية أكثر في مسلسلات تركيا والمشرق العربي. وتميزت السنوات الأخيرة في المغرب ببروز ظاهرتين لافتتين للانتباه خلال شهر رمضان، ترتبط الأولى بما صار يعرف بالأئمة «النجوم»، الذين حباهم الله الصوت الجميل، والذين يؤمون المصلين للتراويح، بينما ترتبط الثانية بتحول شهر رمضان إلى توقيت يتتبع خلاله المراكشيون بشكل خاص، والمغاربة بشكل عام، أخبار الأجانب الذين يشهرون إسلامهم، بهذا المسجد أو ذاك. |