مراد مستغفر ..حكاية معلم أحدث فرقا بوسطه الجبلي
أحمد الحدري
في الوقت الذي عانى فيه العديد من رجال ونساء التعليم ممن تم تعيينهم بهذه المناطق الجبلية النائية من عدم التأقلم والاستقرار بالوسط القروي الجديد الذي وجدوا به أنفسهم، بعدما تربوا وتعودوا على حياة المدينة المرفهة ، وجدوا أنفسهم في وسط آخر جديد بعلاقاته الاجتماعية البالغة التعقيد والمنغلق على نفسه الى حد ما،فالتجأ بعضهم للمخدرات للهروب من واقعه الجديد، وكانت النتيجة الادمان والانتحار أو مغادرة العمل بصفة نهائية والعودة من حيث أتى ، حالات كثيرة حصلت بالمناطق القروية والجبلية ، ذهب ضحيتها شباب متعلم لم تدرس له بمراكز التكوين طرق الاندماج الطبيعية بالوسط القروي ،فاصطدموا بواقع عنيد في مغرب آخر عميق لا يعلم عنه سكان المدن شيئا الا من خلال ما يقدمه الاعلام الرسمي خلال مناسبة من المناسبات .
بيد انه في الجانب الآخر من الحكاية هناك جانب مشرق جسده معلم نشأ بالعاصمة الاقتصادية واشتغل منذ تعيينه بالمنطقة الجبلية على مدى عشرين سنة ، واستطاع ان يتأقلم مع وسطه الجديد بل ويحدث به فرقا مهما ، انه المعلم الأستاذ مراد مستغفر فلنتابع الحكاية..
هو الأستاذ مراد مستغفر ، من مواليد 1974 بالدار البيضاء ،أب لثلاثة أطفال ، تخرج سنة 1996 من مركز تكوين المعلمين والمعلمات بمدينة سطات ،ليتم تعيينه بنيابة التعليم اقليم تارودانت بمجموعة مدارس الجاحظ بجماعة أوزيوة دائرة تالوين ، 100 كلم شمال شرق مدينة تارودانت بالأطلس الكبير .
##يقول المعلم والأستاذ مراد مستغفر بأنه لم يتأثر بهذه النقلة التي حدثت في حياته ، فقد انتقل من اكبر مدينة بالمغرب ” الدار البيضاء”تصنف عندنا نحن ابناء الجنوب بالمغرب النافع ، الى هنا بتخوم جبال الاطلس الكبير بمنطقة أوزيوة ذات الطابع القروي النائي والمقصي .
ونظرًا لكون رجل التعليم الوطني لا يستسلم لتحديات الطبيعة ، فقد عمد الاستاذ مراد منذ سنته الاولى بالمنطقة الى الى التغلغل وسط فئات المجتمع المحلي بمركز أوزيوة، لأنه محكوم عليه ان ينسجم مع وسطه الجديد بخلق جو اجتماعي تفاعلي لمقاومة حياة العزلة والتهميش التي وجد نسه فيها بالمنطقة بعدما كان يعتبر مظاهر الترفيه المتواجدة بالدار البيضاء من طبيعيات وضروريات العصر، ليجد نفسه يكافح من أجل الانارة والتدفئة ووسائل النقل والتغذية بوسطه القروي الجديد .
يحكي الأستاذ مرادمستغفر قائلا لم أجد صعوبة في التأقلم مع الوسط القروي الذي عينت به معلما ، فيكفي أن تحترم عادات وتقاليد الوسط القروي الذي تشتغل به حتى تجد نفسك وقد أصبحت واحدا منه .
فمنذ اللحظة الأولى بدأت أنخرط معهم من خلال الأنشطة الاجتماعية التي تنظمها بعض فعاليات المنطقة ، ومن خلال الأعمال الاجتماعية كسبت ثقة الجميع وأوجدت مكانتي كواحد من المجتمع المحلي الأوزيوي.
في سنة 2013 ونظرًا للخصاص الذي تعانيه المنطقة من جمعيات المجتمع المدني ، تمكنت مع مجموعة من الاصدقاء من تأسيس جمعية أطلقنا عليها اسم “أفوس غوفوس للرياضة والثقافة والأعمال الاجتماعية والبيئية”. وتعني باللغة العربية اليد في اليد .حيث تمكنا في ظرف وجيز من تحقيق عدة إنجازات لفائدة الساكنة ،وهكذا قمنا بتنظيم حملات جمع الألبسة والمواد الغذائية وتوزيعها على الأسر الفقيرة بالمداشر النائية ، كما نظمنا حملات طبية لفائدة ساكنة المنطقة الجبلية ،كما نضمنا دروس محاربة الأمية بعدة مداشر تشرف على تأطيرها سبع (07)مؤطرات واستفادت منها لحد الآن أعداد كبيرة من النساء ، بالاضافة لذالك قمنا بإنجاز عدة اعمال لطفولة المنطقة بالرغم من كل الصعوبات المادية التي يعاني منها المجتمع المدني في بيئة قروية ونائية مثل منطقة أوزيوة .
##كيف يوزع الاستاذ وقته بين الواجب المهني والعمل الاجتماعي
في هذا الجانب يقول الاستاذ مراد ، بأن وقته مقسم تلقائيا بين نصف يوم للواجب المهني والنصف الآخر للعمل الجمعوي وأحيانا يشتغل حتى وقت متأخر من الليل ، مشيرا الى ان العمل الاجتماعي والجمعوي أخذ منه حتى الأوقات المخصصة للاسرة، لكنه يحمد الله ان رزقه بزوجة صالحة واعية و متفهمة وداعمة له وهذا سر نجاحه .
ويؤكد الاستاذ مراد لفريق تارودانت نيوز ،بأنه في هذه السنة يشعر براحة عظيمة لانه حقق انجازا مهما أمده بطمأنينة وسعادة تجلى ذالك في كونه تمكن من انجاز ثبوت الزوجية وتسجيل الأبناء في الحالة المدنية لفائدة ثلاثة أسر كانت مهمشة ومهملة ومنسية ولا اثر لها في وثائق الدولة الرسمية، بحيث كانوا يعيشون في وطنهم بدون أوراق تعريف للهوية .
##ولكي يحدث رجل التعليم فرقا في حياة الآخرين المحيطين به ويؤثر إيجابيا في وسطهم ، يقول الاستاذ مراد ، على المعلم ان يتحلى بثلاثة أشياء:
على المعلم ان يكون مؤمنا برسالته التربوية ،وعندما يحس رجل التعليم بأنه حامل لرسالة ومسؤولية نحو المجتمع ونحو الناشئة ، فالإحساس بأهمية الرسالة هو القنطرة الموصلة للمساهمة في التنمية ،حينذاك سيتمكن من تحقيق الشرط الثاني والمتجلي في الانفتاح على الوسط الذي يشتغل به ، سواء أكان هذا الوسط قرويا واحضريا او شبح حضري ، وعندما يتمكن من تحقيق هذين الشرطين عليه ان ينخرط في العمل الاجتماعي من خلال مؤسسات المجتمع المدني ، ليتمكن من انفاذ رسالته وبالتالي تحقيق الفرق او المشاريع التي يتوخاها للوسط الذي يشتغل فيه ،وكلما حقق مشروعا من هذه المشاريع التنموية إلا ووجد نفسه وقد انغرس أكثر وسط المجتمع المحلي الذي يحتضنه ، وبذلك يحقق الاستقرار النفسي ويصبح اندماجه في المجتمع المحلي الذي يشتغل فيه اندماج تشاركي وعضوي الى ابعد الحدود.
ويستخلص الاستاذ من تجربته القيمة هذه على مدى عشرين سنة قضاها في منطقة أوزيوة الجبلية ، أن الفقر والأمية وأحيانا الجهل ،هم العدو الأكبر للتنمية ، فهذه العوامل تشكل عقبة امام التنمية بالوسط القروي ، مشيرا الى انه لابد من محاربة هذه العوائق للوصول الى تحقيق التنمية المستدامة بالمنطقة ، والبداية كما يقول الاستاذ تبدأ بمحاربة الأمية في صفوف النساء أولا وفي وسط الرجال ثانيا ، وليس بطريقة وضيفية وإنما باستحضار كل الجوانب المحيطة بالعملية من توعية وتحسيس لفائدة النساء والرجال بكل ما يدور في المجتمع، وبما يجب ان يكون عليه المواطن المغربي من إيجابية .