البكاء من أجل حياة أفضل
البكاء ضيف حاضر في معظم مراحل حياتنا، في الأحزان والأفراح، في أوقات الغضب، الحب، الفراق والتعاطف. كما يبكينا الشعور بالشفقة والحرمان والفقد. وخوفاً وألماً نبكي، كأننا نعبّر بذلك عن انفعالاتنا في شتّى الظروف. يبكي الجميع، صغاراً وكباراً، ذكوراً وإناثاً. فما هو تفسير الدموع؟ لماذا نذرفها؟ هل تؤذي صاحبها أم تنفِّس عنه وتريحه؟ هل يبكي الرجل أم أنّ البكاء للنساء فقط؟يكره الناس البكاء ويخافونه، ويضعون كلّ طاقاتهم لمنع مَن يحبّون من ذرف الدموع، ظناً منهم بأنهم بذلك يخففون من آلامه ويواسونه. إلّا أنهم غير منتبهين إلى أنّ دموعنا ليست سوى تعبير عمّا يخالج صدورنا من مشاعر، وليست هي المشاعر بحدّ ذاتها، هي تنطق بالوجع والفرح والتفاعل مع العالم المحيط بنا. يساعد البكاء في التخلّص من الطاقة السلبية. ومن سلبيات الثقافة الإنسانية كبت بكائنا، والسخرية ممَّن يبكي.
فيزيولوجياً، تحتاج العيون لسكب حوالى ربع ليتر من الدموع تقريباً خلال أربع وعشرين ساعة، لغسل القرنية من الغبار ومقاومة البكتيريا.
وهي تسقط بسبب التعرّض للهواء، طريقة وضع الكحل، السعال، شعرة في العين، وغيرها… والبكاء. وتقسم دموع العين إلى أساسية، تلك التي تسقط لأسباب فيزيولوجية ودموع البكاء.
تنتج دموع البكاء عن ألم جسدي، نفسي أو معنوي، أو عن سبب عاطفي قد يكون حزيناً أو سعيداً. ومَن منا لم ير دموع عروس تغمرها السعادة يوم فرحها. فالبكاء لغة عالمية، والجميع يبكون بالطريقة ذاتها، ويفيد البكاء العين إذ يرطّبها ويليّن حركتها، ويزيد من مقاومتها للعدوى.
نفسياً، ينصح علم النفس بالبكاء، عندما يحتاج المرء لذلك، عند التعرّض لمواقف صعبة أو توتر عصبي شديد، وذلك لما تجلبه الدموع من راحة وإزالة للتوتر وتخفيف للضغط العصبي. فالبكاء جزء من التعبير عن النفس والتواصل بين البشر، كما يسبب كبت الدموع الصداع الشديد، القلق، التوتر وعدم القدرة على النوم.
لماذا نبكي؟
نوجّه من خلال البكاء نداءً عن حاجتنا للحب، العناية والدعم. والدليل على ذلك ما يحدث معنا جميعاً في فترة معاناة معيّنة، إذ ننفجر بالبكاء عندما يزورنا أحد الأشخاص الذين نحبهم، ونبدأ بالشكوى. كما نلاحظ ذلك مع الطفل الذي يبكي تعبيراً عن الجوع أو العطش أو الحاجة للنوم. ويبكي عند مغادرة أمه مباشرة كي تعود، وعندما يفقد الأمل من عودتها، يسكت، ويتحوّل انتباهه إلى أمر آخر.
قد نبكي تعبيراً عن الحزن والفقد، كما تغدرنا الدموع لدى شعورنا بفرح عارم. كذلك نبكي لرهافة إحساسنا بما يمرّ به الغير، أو شفقة وإنسانية. كما قد نعكس أنفسنا على مواقف معيّنة، فنبكي علينا وليس على ما نشاهده، كبكاء مَن فقدت إبناً في عزاء جار يفوق المئة عام سناً.
وقد نبكي لشدة التعب والإرهاق، حيث نصبح مرهَفي الإحساس. أما مَن يبكي أمام مشهد تلفزيوني أو سينمائي، فهو إما يتعاطف مع أحد أبطال البرنامج لشيء في نفسه يذكّره به، وأحياناً دون علم عقله الواعي بوجع كامن، وأحياناً خوفاً على مَن يحبهم من أن يعانوا ما يتعرّض له بطل البرنامج. وقد تسقط دموعنا رحمة وشفقة، خوفاً وخشية، كما قد نبكي ضعفاً أو بهدف الإحتيال والنفاق والخبث، متلاعبين بمشاعر الغير للوصول إلى هدف معيّن، أو طلباً للعطف.
كيف نبكي؟
قد يكون بكاؤنا محبوساً، وعيوننا مغرورقة في الدموع، أو صراخاً مصحوباً بدمع غزير. يترافق البكاء الشديد بألم جسدي في أعلى الجسم، بالإضافة إلى ضربات قلب سريعة، وقد تتفاقم الحالة الصحية في حال إعطاء النفس مداها، فنحتاج في هذه الحال إلى طبيب واختصاصي في هذا المجال. فنحن نشجّع على البكاء كوسيلة للتعبير عن النفس، لا لمضاعفة الحالة والانتقال إلى خارج الواقع الواعي، إلى هذيان وتهيّؤات.
بين المرأة والرجل
ككائن عاطفي، تبكي المرأة بطبيعتها أكثر من الرجل، لا بل هي تجيد البكاء، وتعتمده طريقة تعبير وتواصل. بالإضافة لتكوينها الجسدي وهورموناتها، وتأثّر مزاجها بدورتها الشهرية، هي في بعض الفترات شديدة الحساسية. نعمة البكاء هذه تهدّئ المرأة وتريح أعصابها.
وأما الرجل الشرقي، الذي نشأ وعلى مسامعه تتردّد عبارات «الرجّال ما بيبكي»، شو إنت مرا عم تبكي؟» فهو متأكد أنّ الدموع تدلّ على الضعف، وبأنه لا بأس إن بكت المرأة، فهي العنصر الضعيف الذي يحتاج دوماً إلى رجل «لا يبكي».
هذا الخطأ التربوي- الإجتماعي مبني على عادات قديمة، بالية، تحرم الرجل من التعبير عن ألمه أو وجعه، فيكبته كي لا يقترف العيب، ويحوّله إلى اكتئاب وغضب وعنف. ويستضعف المرأة، ويتسلّط عليها. دعوا أطفالكم يبكون عندما يحتاجون لذلك، عوّدوهم على التعبير عن مشاعرهم، لا بل إسمحوا لهم بالبكاء.
نحتاج في مراحل معيّنة من حياتنا إلى البكاء، كما لأيّ وسيلة تعبير أخرى. وكلّ يبكي على طريقته، بحسب انفعالاته وطرقه في إيصال الحالة التي يمرّ بها للغير، كما أنّ أيّ طريقة في التعبير لا يمكنها أن تلغي أخرى، فمهما أظهرت تعابير جسدنا وحركاتنا، كلماتنا وتصرفاتنا، يبقى للدموع فسحة ما من يومياتنا، هي ضرورية، تريحنا وتخفّف الطاقة السلبية في نفوسن